دور المنافقین فی فتن الیهود:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سبب النّزولسورة الحشر / الآیة 15 ـ 20

بعد بیان ما جرى لیهود بنی النضیر فی الآیات السابقة، وبیان حالة الأصناف الثلاثة من المؤمنین (المهاجرین والأنصار والتابعین) وخصوصیات کلّ منهم فی الآیات مورد البحث، یتعرّض القرآن الکریم الآن لشرح حالة المنافقین ودورهم فی هذا الحادث، وبیان حالهم بالقیاس مع الآخرین، وهذا هو منهج القرآن الکریم، حیث یعرّف کلّ طائفة بمقارنتها مع الاُخرى.

وفی البدایة یتحدّث مع الرّسول(صلى الله علیه وآله) حیث یقول سبحانه: (ألم تر إلى الذین نافقوا یقولون لإخوانهم الذین کفروا من أهل الکتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معکم ولا نطیع فیکم أحداً أبداً وان قوتلتم لننصرنّکم).

وهکذا فانّ هؤلاء المنافقین وعدوا طائفة الیهود باُمور ثلاثة، وجمیعها کانت کاذبة:

الأوّل: إذا أخرجتم من هذه الأرض فإنّنا سوف لن نبقى بعدکم نتطلّع إلى خواء أماکنکم ودیارکم.

والأمر الآخر: إذا صدر أمر ضدّکم من أی شخص، وفی أیّ مقام، وفی أی وقت، فإنّ موقفنا الرفض له وعدم الإستجابة.

والأمر الثالث: إنّه إذا وصل الأمر للقتال فإنّنا سوف نقف إلى جانبکم ولا نتردّد فی نصرتکم أبداً.

نعم، هذه هی الوعود التی أعطاها المنافقون للیهود قبل هذا الحادث، إلاّ أنّ الحوادث اللاحقة أوضحت کذب إدّعاءاتهم ووعودهم.

ولهذا السبب یقول القرآن الکریم بصراحة (والله یشهد أنّهم لکاذبون).

کم هو تعبیر رائع ومثیر ومقترن بتأکیدات عدیدة، من شهادة الله عزّوجلّ، وکون الجملة اسمیة، وکذلک الإستفادة من (إنّ) واللام للتأکید، وکلّها تفید أنّ الکذب والنفاق ممتزجان بهم لحدّ لا یمکن فصلهما، لقد کان المنافقون کاذبین دائماً، والکاذبون منافقین غالباً.

والتعبیر بـ (إخوانهم) یوضّح لنا طبیعة العلاقة الحمیمة جدّاً بین «المنافقین» و «الکفّار»، کما رکّزت الآیات السابقة على علاقة الاُخوّة بین المؤمنین، مع ملاحظة الاختلاف بین الفصیلتین، وهو أنّ المؤمنین صادقون فی اُخوتهم لذلک فهم لا یتبرّمون بکلّ ما یؤثرون به على أنفسهم، على عکس المنافقین حیث لیس لهم وفاء أو مواساة بعضهم لبعض، وتتبیّن حقیقتهم بصورة أوضح فی اللحظات الحرجة حیث یتخلّون عن أقرب الناس لهم، بل حتى عن إخوانهم، وهذا هو محور الاختلاف بین نوعین من الاُخوّة، اُخوّة المؤمنین واُخوّة المنافقین.

وجملة: (ولا نطیع فیکم أحداً أبد) تشیر إلى موقف المنافقین الذی أعلنوه للیهود بأنّهم سوف لن یراعوا التوصیّات والإنذارات التی أطلقها رسول الله(صلى الله علیه وآله) فیهم.

ثمّ... للإیضاح والتأکید الأکثر حول کذب المنافقین یضیف سبحانه:

(لئن اُخرجوا لا یخرجون معهم).

(ولئن قوتلوا لا ینصرونهم).

(ولئن نصروهم لیولنّ الأدبار).

(ثمّ لا ینصرون).

إنّ اللحن القاطع والقوی لهذه الآیات قد أدخل الرعب والهلع فی قلوب المنافقین وأقلق بالهم.

وبالرغم من أنّ الآیة نزلت فی مورد معیّن، إلاّ أنّها ـ من المسلّم ـ لا تختص به، بل بیان أصل عامّ فی علاقة المنافقین مع سائر أعداء الإسلام، بالإضافة إلى الوعود الکاذبة التی یمنحها کلّ منهم للآخر، وتقرّر بطلان وخواء کلّ هذه الروابط والوعود.

ولا یختّص هذا الأمر بما حدث تأریخیاً فی صدر الإسلام، بل إنّنا نلاحظ الیوم بأعیننا نماذج وصوراً حیّة لا تخفى على أحد، فی طبیعة تعامل المنافقین فی الدولة الإسلامیة مع مختلف الفصائل المعادیة للإسلام، وسوف تصدق أیضاً فی المستقبل القریب والبعید. ومن المسلّم أنّ المؤمنین الصادقین إذا التزموا بواجباتهم فإنّهم سینتصرون علیهم، ویحبطون خططهم.

والآیة اللاحقة تتحدّث عن سبب هذا الإندحار، حیث یقول سبحانه: (لأنتم أشدّ رهبةً فی صدورهم من الله).

ولأنّهم لا یخافون الله، فإنّهم یخافون کلّ شیء خصوصاً إذا کان لهم أعداء مؤمنون مثلکم (ذلک بأنّهم قوم لا یفقهون).

«رهبة» فی الأصل بمعنى الخوف المقترن بالإضطراب والحذر، فهو خوف عمیق له جذور وتظهر آثاره فی العمل.

وبالرغم من أنّ الآیة أعلاه نزلت فی یهود بنی النضیر وأسباب إندحارهم أمام المسلمین، إلاّ أنّ مقصودها حکم عام وکلّی، لأنّه لن یجتمع فی قلب الإنسان خوفان: الخوف من الله، والخوف من غیره، لأنّ کلّ شیء مسخّر بأمر الله، وکلّ إنسان یخشى الله ویعلم مدى قدرته لا ینبغی أن یخاف من غیره.

إنّ مصدر جمیع هذه الآلام هو الجهل وعدم إدراک حقیقة التوحید، ولو کان مسلمو الیوم بالمعنى الواقعی (یعنی مؤمنین موحّدین حقّاً) فإنّهم لا یقفون بشجاعة أمام القوى الکبرى بإمکاناتها المادیة والعسکریة فحسب، بل إنّ القوى الکبرى هی التی تخشاهم وتخاف منهم، کما نلاحظ نماذج حیّة لهذا المعنى، حیث نرى دولا کبرى مع ما لدیها من الأسلحة والوسائل المتطوّرة تخشى شعباً صغیراً لأنّه مسلّح بالإیمان ومتّصف بالتضحیة.

وشبیه هذا المعنى ما ورد فی قوله تعالى: (سنلقی فی قلوب الذین کفروا الرعب بما أشرکوا بالله ما لم ینزّل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمین)(1).

ثمّ یستعرض دلیلا واقعیاً واضحاً یعبّر عن حالة الخوف والاضطراب حیث یقول سبحانه: (لا یقاتلونکم جمیعاً إلاّ فی قرى محصنة أو من وراء جدر).

«قرى» جمع قریة، أعمّ من المزروعة وغیر المزروعة، وتأتی أحیاناً بمعنى الناس المجتمعین فی مکان واحد.

«محصّنة» من مادّة (حصن) على وزن «جسم» بمعنى مسوّرة، وبناءً على هذا فإنّ (القرى المحصّنة) تعنی القرى التی تکون فی أمان بوسیلة أبراجها وخنادقها والمواضع التی تعیق تقدّم العدو فیها.

«جُدُر» جمع جدار، والأساس لهذه الکلمة بمعنى الإرتفاع والعلو.

نعم، بما أنّهم خرجوا من حصن الإیمان والتوکّل على الله، فإنّهم بغیر الإلتجاء والإتّکاء على الجدران والقلاع المحکمة لا یتجرّؤون على مواجهة المؤمنین.

ثمّ یوضّح أنّ هذا لیس ناتجاً عن جهل بمعرفة فنون الحرب، أو قلّة فی عددهم وعدّتهم، أو عجز فی رجالهم، بل إنّ (بأسهم بینهم شدید).

إلاّ أنّ المشهد الذی عرض یتغیّر فی حالة مواجهتهم لکم ویسیطر علیهم الرعب والإضطراب بصورة مذهلة.

وهذا الأمر تقریباً یمثّل أصلا کلیّاً فی مورد إقتتال الفئات غیر المؤمنة فیما بینهم، وکذلک محاربتهم للمؤمنین.

ونشاهد مصادیق هذا المعنى بصورة متکرّرة أیضاً فی التاریخ المعاصر، حیث نلحظ عند إشتباک مجموعتین غیر مؤمنتین مع بعضهما شدّة الفتک وقسوة الإنتقام وشراسة المواجهة بینهما بصورة لا تدعو للشکّ فی قوّة کلّ منهما... ولکن لو تغیّرت المعادلة، وأصبحت المواجهة بین مجموعة غیر مؤمنة بالله واُخرى مؤمنة مستعدّة للشهادة فی سبیل الله، عند ذلک نرى أعداء الحقّ یلوذون إلى القلاع المحکمة ویخفون أنفسهم فی المواضع ووراء المتاریس وخلف الأسلحة، ویسیطر علیهم الخوف ویهیمن علیهم الرعب ویملأ کلّ وجودهم، والحقیقة أنّ المسلمین إذا جعلوا إیمانهم وقیمهم الإسلامیة هی الأساس فإنّهم منتصرون ومتفوقون على الأعداء بلا ریب.

ولهذا السبب ـ واستمراراً لما ورد فی نفس الآیة ـ نستعرض سبباً آخر من أسباب إندحار المنافقین، حیث یقول سبحانه: (تحسبهم جمیعاً وقلوبهم شتّى ذلک بأنّهم قوم لا یعقلون).

«شتّى» بمعنى (شتیت) أی متفرّق.

إنّ القرآن الکریم فی تحلیل المسائل بشکل دقیق جدّاً وملهم یؤکّد على أنّ (التفرقة والنفاق الداخلی) ولیدة (الجهل وعدم المعرفة) لأنّ الجهل عامل الشرک، والشرک عامل للتفرقة، والتفرقة تسبّب الهزیمة، وبالعکس فإنّ «العلم» عامل لوحدة العقیدة والعمل والانسجام والإتّفاق، وهذه الصفات بحدّ ذاتها مصدر للإنتصار.

وهکذا فإنّ الإنسجام الظاهری للعناصر غیر المؤمنة والإتفاقیات العسکریة والاقتصادیة یجب ألاّ تخدعنا أبداً، لأنّ وراءها قلوب متناحرة متنافرة، ودلیلها واضح وهو إنهماک کلّ منهم بمنافعه المادیة بشکل شدید، وبما أنّ المنافع غالباً ما تکون متعارضة، فعندئذ تبرز الاختلافات والشحناء فیما بینهم، ولن تغنی عن ذلک العهود والإتّفاقیات وشعارات الوحدة والانسجام الظاهری. فی الوقت الذی تکون فیه وحدة وانسجام المؤمنین على قواعد واُصول ربّانیة کأصل الإیمان والتوحید والقیم الإلهیّة، وإذا اُصیب المسلمون بإنتکاسة فی أعمالهم فإنّ ذلک دلیل على إبتعادهم عن حقیقة الإیمان وما لم یعودوا إلى الإیمان فإنّ وضعهم لن یتحسّن.


1. آل عمران، 151.
سبب النّزولسورة الحشر / الآیة 15 ـ 20
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma