جزاءِ المکذبین بالمعاد

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المرسلات / الآیة 16 ـ 28 سورة المرسلات / الآیة 29 ـ 40

هذه الآیات أیضاً تحذّر وبطرق مختلفة المنکرین للبعث، وتوقظهم ببیانات مختلفة من نوم الغفلة العمیق; فتأخذ بأیدیهم أوّلاً إلى ما مضى من التاریخ لتریهم الأراضی المترامیة الأطراف التی کانت ملکاً للأقوام السابقین، فیقول تعالى: (ألم نهلک الأولین).

إنّ آثارهم واضحة على صفحات البسیطة. ولیس على صفحات التاریخ فحسب، أقوام ـ کقوم عاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط وقوم فرعون ـ عوقبوا جزاءاً لأعمالهم فبعض أبیدوا بالطوفان وآخرون بالصاعقة، وجماعة بقوة الریاح، وقوم بالزلزلة وأحجار السماء.

(ثم نُتبعُهُم الآخرین) لأنّها سنّة مستمرة لا تبعیض فیها ولا استثناء، وهل یمکن أن یعاقب جماعة لجرم ما، ویقبل ذلک الجرم من آخرین؟!

ولذا یضیف تعالى فی الآیة الاُخرى: (کذلک نفعل بالمجرمین).

هذه الآیة فی الحقیقة هی بمنزلة بیان الدلیل على هلاک الاُمم الاُولى ویستتبعه هلاک الاُمم الاُخرى، لأنّ العذاب الإِلهی لیس فیه جانب الثأر ولا الإِنتقام الشخصی. بل إِنّه تابع لأصل الإِستحقاق ومقتضى الحکمة.

وقال البعض: إنّ المراد من (الأولین) هم الاُمم المتوغلة فی الماضی البعید کقوم نوح وعاد

وثمود، و(الآخرین) اللاحقون بهم من الاُمم الغابرة أمثال قوم لوط وقوم فرعون ولکنّنا نلاحظ أنّ (نتبعهم) جاءت بصیغة فعل مضارع، والحال أنّ عبارة (ألم نهلک) وردت بصیغة الماضی، فیتضح من ذلک أنّ (الأولین) هم الاُمم السابقة الذین هلکوا بالعذاب الإلهی و(الآخرین) هم الکفّار المعاصرون للنّبی(صلى الله علیه وآله) أو الذین یأتون إلى الوجود فیما بعد، ویتلوثون بالجرائم والمعاصی والظلم والفساد.

ثمّ یضیف مستنتجاً: (ویل یومئذ للمکذبین).

(یومئذ): إشارة إلى یوم البعث الذی یعاقب فیه المکذبون بالعقوبات الشدیدة، والتکرار هو لتأکید المطلب، وما احتمله البعض من أنّ هذه الآیة ناظرة إلى العذاب الدنیوی، والآیة المشابهة لها والتی وردت سابقاً ناظرة إلى العذاب الاُخروی یبدو بعیداً جدّاً.

ثمّ یمسک القرآن بأیدیهم لیأخذهم إلى عالم الجنین ویریهم عظمة الله وقدرته وکثرة مواهبه فی هذا العالم الملیء بالأسرار، لیفهموا قدرة الله تعالى على المعاد والبعث من جهة وأنّهم غارقون فی نعمه اللامتناهیة من جهة اُخرى، فیقول تعالى: (ألم نخلقکم من ماء مهین) أی تافه وحقیر (فجعلناه فی قرار مکین)(1).

مَقرّ فیه ضمان لجمیع ظروف الحیاة والتربیة والنمو والمحافظة على نطفة الإنسان، فهو عجیب وظریف وموزون بحیث یثیر إعجاب کل إنسان.

ثمّ یضیف تعالى: إنّ بقاء النطفة فی ذلک المکان المکین والمحفوظ إنّما هو لمدة معینة: (إلى قدر معلوم).

مدة لا یعلمها إلاّ الله تعالى، مدة مملوءة بالتغیرات والتحولات الکثیرة بحیث ترتدی النطفة فی کل یوم لباساً جدیداً من الحیاة یؤدّی به إلى التکامل فی داخل ذلک المخبأ.

ثمّ یستنتج من قدرته تعالى على خلق الإنسان الکامل والشریف من نطفة حقیرة بأن الله تعالى نعم القادر: (فقدرنا فنعم القادرون)(2) (3) وهذا الدلیل اعتمده القرآن مرات عدیدة لإثبات مسألة المعاد منها قوله تعالى: (یا أیها الناس إن کنتم فی ریب من البعث فإنا خلقناکم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلقة وغیر مخلقة لنبیّن لکم ونقرّ فی الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثمّ نخرجکم طفلاً ثمّ لتبلغوا أشدکم... ذلک بأنّ الله هو الحق وأنّه یحیی الموتى وأنّه على کل شیء قدیر).(4)

ثمّ یعود فی النهایة لیکرر تلک الآیة وهو قوله: (ویل یومئذ للکذبین) الویل لاُولئک الذین یرون آثار قدرة الله تعالى ثمّ ینکرونها، یقول أمیر المؤمنین(علیه السلام): «أیّها المخلوق السوی، والمنشأ المرعی فی ظلمات الأرحام ومضاعف الأستار، بُدئت من سلالة من طین، ووضعت فی قرار مکین، إلى قدر معلوم، وأجل مقسوم، تمور فی بطن اُمّک جنیناً لا تحیر دعاء، ولا تسمع نداءً، ثمّ اُخرجت من مقرّک إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداک لإِجترار الغذاء من ثدی اُمّک، وعرفک عند الحاجة مواضع طلبک وإرادتک؟!»(5).

ثمّ یقول تعالى: (ألم نجعل الأرض کفات(6) * أحیاءً وأموات)(7).

«کفات»: ـ على وزن کتاب ـ و(کفت) ـ على وزن کشف ـ هو جمع وضم الشیء للآخر، ویقال أیضاً لسرعة طیران الطیور «کفات» لجمعه لأجنحته حال الطیران السریع حتى یتمکن من شق الهواء والتقدم أسرع.

والمراد هو أنّ الأرض مقر لجمیع البشر، إذ تجمع الأحیاء على ظهرها وتهییء لهم جمیع ما یحتاجونه، وتضم أمواتهم فی بطنها، فلو أنّ الأرض لم تکن مهیئة لدفن الأموات لسببت العفونة والأمراض الناتجة منها فاجعة لجمیع الأحیاء.

نعم، إنّ الأرض هی کالاُم التی تجمع أولادها حولها وتضمهم تحت أجنحتها، وتغذیهم، وتلبسهم، وتسکنهم، وتقضی جمیع حوائجهم، وتحفظ أمواتهم فی قلبها أیضاً، وتمتصهم وتزیل مساویء آثارهم.

وفسّر بعضهم «الکفات» بالطیران السریع، والآیة تشیر إلى حرکة الأرض حول الشمس والحرکات الاُخرى والتی کانت غیر مکتشفة زمن نزول القرآن.

ولکن بملاحظة الآیة الاُخرى أی (أحیاءً وأموات) یتضح أنّ التفسیر الأوّل أنسب، ویؤید ذلک قول أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) عند رجوعه من صفین ووصوله قرب الکوفة، حیث قال وهو ینظر إلى مقبرة خارج الکوفة: «هذه کفات الأموات» أی مساکنهم. ثم نظر إلى منازل الکوفة فقال: «هذه کفات الأحیاء» ثم تلا هذه الآیات: (ألم نجعل الأرض کفاتاً أحیاءً وأموات)(8).

ثمّ یشیر تعالى إلى إحدى النعم الإلهیّة العظیمة فی الأرض، فیضیف: (وجعلنا فیها رواسی شامخات)(9) هذه الجبال التی قاربت بارتفاعها السماء، واتصلت اُصولها بالبعض الآخر قد لزمت الأرض کالدرع من جهة لحفظها من الضغط الداخلی والضغوط الناتجة من الجزر والمد الخارجی، ومن جهة اُخرى تمنع اصطکاک الریاح مع الأرض حیث تمدّ قبضتها فی الهواء لتحرکه حول نفسها وکذلک تنظم حرکة الأعاصیر والریاح من جهة ثالثة، ولهذا تکون الجبال باعثة على إستقرار أهل الأرض.

وفی آخر الآیة إشارة إلى إحدى البرکات الاُخرى للجبال فیضیف تعالى: (وأسقیناکم ماء فرات) ماءاً سائغاً وباعثاً للحیاة، لکم ولحیواناتکم ولبساتینکم. صحیح أنّ کل ماء مستساغ هو من المطر، ولکن للجبال الدور الأهم فی الإیفاء بهذا الغرض، فإنّ کثیراً من العیون والقنوات هی من الجبال، ومصدر الأنهار العظیمة هو من الجلید المتراکم على قمم الجبال، حیث تعتبر من الذخائر المائیة المهمّة للإنسان، إنّ قمم الجبال تکون باردة على الدوام لبعدها عن سطح الأرض، ولهذا فأنّها تحافظ على الجلید المتراکم علیها لآجال طویلة حتى تتأثر بشعاع الشمس فیتحول إلى ماء ویتدفق بالتالی على شکل أنهار وجداول.

ثمّ یقول فی نهایة هذا القسم: (ویل یومئذ للمکذبین).

اُولئک الذین ینکرون کل هذه الآیات وعلامات قدرة الله التی یرونها بأعینهم، وکذلک یشاهدون النعم الإلهیّة التی غرقوا فیها، ثمّ ینکرون البعث ومحکمة القیامة التی هی مظهر العدل والحکمة الإلهیّة!!


1. «قرار» هو محل الإستقرار و(مکین) یعنی محفوظ، وأصله من المکانة المشتقة من التمکن (وتأتی المکانة أحیاناً بمعنى المنزلة).
2. للآیة حذف تقدیره (فنعم القادرون نحن)أی أن المحذوف هو المخصوص بالمدح.
3. قال بعض المفسّرین إن معنى الآیة هکذا: (إنا قدرنا النطفة بمقاییس ضروریة ومقادیر مختلفة، وخصوصیات فی جسم الإنسان وروحه، فنعم القادرون) ولکن هذا المعنى یبدو بعیداً لأن متن القرآن والقراءة المعروفة له غیر مشددة ولذا یبدو بعیداً وإن قال بعض إن المادة الثلاثیة المجردة وردت بمعنى التقدیر، ولکن فی الاستعمالات العادّیة لا تستعمل کلمة (قادر) بهذا المعنى.
4. الحج، 5 و6.
5. نهج البلاغة، الخطبة 163.
6. «کفاتاً» مفعول ثانی لـ (جعلن) وهو مصدر قد جاء بصیغة اسم فاعل.
7. «أحیاءً وأمواتاً» حال لضمیر مفعول محذوف تقدیره (کفاتاً لکم أحیاءً أموات).
8. تفسیر البرهان، ج 4، ص 417 (نقلاً عن تفسیر علی بن إبراهیم).
9. «رواسی» جمع «راسیة»، وهی الثابتات، و«شامخات» جمع «شامخ»، أی عال، وتأتی بعض العبارات کالقول (شمخ بأنفه) کنایة عن التکبر (مفردات الراغب).
سورة المرسلات / الآیة 16 ـ 28 سورة المرسلات / الآیة 29 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma