بدأت هذه السورة بآیة تؤکّد على قطع کلّ علاقة بأعداء الله، وتختتم هذه السورة بآیة تؤکّد هی الاُخرى على نفس المفهوم والموقف من أعداء الله: (یاأیّها الذین آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله علیهم) وبتعبیر آخر فإنّ ختام السورة رجوع إلى مطلعها.
ویحذّر القرآن الکریم من أن یتّخذ أمثال هؤلاء أولیاء وأن تفشى لهم الأسرار فیحیطون علماً بخصوصیات الوضع الإسلامی.
ویرى البعض أنّ الآیة صریحة فی أنّ المراد بالمغضوب علیهم فیها هم (الیهود) إذن أنّهم ذکروا فی آیات قرآنیة اُخرى بهذا العنوان، قال تعالى: (فباؤوا بغضب على غضب)(1).
وهذا التّفسیر یتناسب أیضاً مع سبب النزول الذی ذکر لهذه الآیة، حیث تحدّثنا بعض الرّوایات أنّ قسماً من فقراء المسلمین کانوا یذهبون بأخبار المسلمین إلى الیهود مقابل إعطائهم شیئاً من فواکه أشجارهم، فنزلت الآیة أعلاه ونهتهم عن ذلک(2).
ومع ذلک فإنّ للآیة مفهوماً واسعاً حیث یشمل جمیع الکفّار والمشرکین، والتعبیر بـ «الغضب» فی القرآن الکریم لا ینحصر بالیهود فقط، إذ ورد بشأن المنافقین أیضاً کما فی الآیة 6 من سورة الفتح، بالإضافة إلى أنّ سبب النزول لا یحدّد مفهوم الآیة.
وبناءً على هذا فإنّ ما جاء فی الآیة الشریفة یتناسب مع أمر واسع جاء فی أوّل آیة من هذه السورة تحت عنوان (موالاة أعداء الله).
ثمّ تتناول الآیة أمراً یعتبر دلیلا على هذا النهی حیث یقول تعالى: (قد یئسوا من الآخرة کما یئس الکفّار من أصحاب القبور)(3).
ذلک أنّ موتى الکفّار سیرون نتیجة أعمالهم فی البرزخ حیث لا رجعة لهم لجبران ما مضى من أعمالهم السیّئة، لذلک فإنّهم یئسوا تماماً من النجاة، وهؤلاء المجرمون فی هذه الدنیا قد غرقوا فی آثامهم وذنوبهم إلى حدّ فقدوا معه کلّ أمل فی نجاتهم، کما هو الحال بالنسبة للموتى من الکفّار.
إنّ مثل هؤلاء الأفراد من الطبیعی أن یکونوا أشخاصاً غیر اُمناء ولا یعتد بکلامهم وعهدهم، ولا اعتبار لودّهم وصداقتهم، لأنّهم یائسون تماماً من رحمة الله، ولهذا السبب فإنّهم یرتکبون أقبح الجرائم وأرذل الأعمال، وجماعة هذه صفاتها کیف تثقون بها وتعتمدون علیها وتتّخذونها أولیاء؟!
اللهمّ، لا تحرمنا أبداً من لطفک ورحمتک الواسعة ..
ربّنا، وفّقنا لنکون أولیاء لأولیائک وأعداء لأعدائک، وثبّت أقدامنا فی هذا السبیل ..
إلهنا، وفّقنا للتأسّی بأنبیائک وأولیائک...
آمین یاربّ العالمین
نهایة سورة الممتحنة