مصدر النفاق وعلامات المنافقین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المنافقون / الآیة 1 ـ 4 سورة المنافقون / الآیة 5 ـ 8

نذکر مقدّمة قبل الدخول فی تفسیر هذه الآیات، وهی أنّ الإسلام طرح مسألة النفاق والمنافقین مع هجرة الرّسول(صلى الله علیه وآله) وأصحابه إلى المدینة، وبدایة استحکام اُسس الإسلام وظهور عزّه، فلم تبرز ظاهرة النفاق فی مکّة، لأنّ الأعداء کانوا لا یخشون الإسلام ویستطیعون التعبیر عن کلّ شیء بدون حذر، ولا حاجة إلى التخفّی أو اللجوء إلى النفاق فی وقوفهم بوجه الإسلام.

لکن عندما استحکم الإسلام واتّسع فی المدینة، وأصبح أعداؤه من الضعف بحیث یصعب علیهم التجاهر فی عدائهم، بل قد یتعذّر ذلک علیهم فی بعض الأحیان، لهذا اختار أعداء الإسلام المهزومون أن یواصلوا خططهم التخریبیة من خلال إظهار الإسلام وإبطان الکفر، وانخرطوا ظاهراً فی صفوف المسلمین، بینما ظلّوا محافظین على کفرهم فی باطنهم.

وهکذا تکون غالباً طبیعة أعداء کلّ ثورة ودعوة بعد إشتداد عودها وقوّة ساعدها، إذ تواجه الکثیر من الأعداء وکأنّهم أصدقاء.

ومن هنا نستطیع أن نفهم لماذا نزلت کلّ تلک الآیات التی تصف المنافقین وتشرح حالهم، فی المدینة ولم تنزل فی مکّة.

وممّا یجدر الإشارة إلیه أنّ هذه المسألة ـ أی مسألة النفاق ـ غیر محصورة بعصر الرّسول، بل إنّ جمیع المجتمعات ـ وخاصّة الثوریة منها ـ تکون عرضة للإصابة بهذه الظاهرة الخطیرة، ولذلک یجب أن یدرس القرآن الکریم وما جاء فیه من تجارب وإرشادات من خلال هذه النظرة الحیویة، لا من خلال اعتبارها مسألة تاریخیة لا علاقة لها بالواقع، وبهذا یمکن إستلهام الدروس والحکم لمکافحة النفاق وخطوط المنافقین فی المجتمعات الإسلامیة فی الوقت الحاضر.

کذلک لابدّ من معرفة صفاتهم التی ذکرها القرآن بشکل تفصیلی، لیتمّ التعرّف علیهم من خلال استکناه خطوطهم ومؤامراتهم.

وممّا تجدر الإشارة إلیه أیضاً أنّ خطر المنافقین یفوق خطر باقی الأعداء، لخفائهم وعدم القدرة على تشخیصهم بسهولة من جهة، ولکونهم أعداء یعیشون فی داخل الجسم الإسلامی وربّما ینفذون إلى قلبه نفوذاً یصعب معه فرزهم وتحدیدهم من جهة اُخرى.

ویأتی خطرهم ثالثاً من إرتباطاتهم مع سائر عناصر المجتمع بعلاقات بحیث تصعب مکافحتهم.

ولهذا نرى أنّ أکثر الضربات التی تلقّاها الإسلام على مدى التاریخ جاءته من هذا المعسکر ـ أی معسکر النفاق، ولهذا ـ أیضاً ـ نلاحظ أنّ الإسلام شنّ حملات شدیدة جدّاً علیهم، ووجّه إلیهم ضربات عنیفة لم یوجّهها إلى غیرهم.

وبعد هذه المقدّمة نرجع إلى تفسیر الآیات.

إنّ أوّل صفة یذکرها القرآن للمنافقین هی: إظهار الإیمان الکاذب الذی یشکّل الظاهرة العامّة للنفاق، حیث یقول تعالى: (إذا جاءک المنافقون قالوا نشهد إنّک لرسول الله)(1) ویضیف (والله یعلم إنّک لرسوله واللّه یشهدإنّ المنافقین لکاذبون).

وهذه أوّل علامة من علامات المنافقین، حیث اختلاف الظاهر مع الباطن، ففی الوقت الذی یظهر المنافقون الإیمان ویدعونه بألسنتهم، نرى قلوبهم قد خلت من الإیمان تماماً، وهذه الظاهرة تشکّل المحور الرئیسی للنفاق.

وممّا تجدر الإشارة إلیه أنّ الصدق والکذب على نوعین: «صدق وکذب خبری» و«صدق وکذب مخبری»، یکون المعیار والمقیاس فی القسم الأوّل هو موافقته وعدم موافقته للواقع، بینما یکون المقیاس فی القسم الثانی هو موافقته وعدم موافقته للاعتقاد، فإذا جاء الإنسان بخبر مطابق للواقع ولکنّه غیر مطابق لاعتقاده، فهذا من الکذب المخبری، وفی حالة مطابقته لعقیدته فهو صادق.

وبناءً على هذا فإنّ شهادة المنافقین على رسالة الرّسول لیست من قبیل الکذب الخبری لأنّها مطابقة للواقع، ولکنّها من نوع الکذب المخبری إذ تخالف اعتقاد المنافقین، لذلک جاء التعبیر القرآنی: (والله یعلم إنّک لرسوله والله یشهد إنّ المنافقین لکاذبون).

بعبارة اُخرى: إنّ المنافقین لم یریدوا الإخبار عن واقعیة رسالة رسول الله وإنّما أرادوا الإخبار عن إعتقادهم برسالته، وهذا من الکذب المحض.

ومن الملاحظ أنّ المنافقین استخدموا کلّ الطرق لتأکید شهادتهم(2)، غیر أنّ الله کذّبهم بشدّة وبنفس اللهجة التی أکّدوا فیها شهادتهم. وهذه إشارة إلى أنّ المنافقین یجب أن یواجهوا بنفس الشدّة التی یؤکّدون فیها على صدقهم.

ونشیر هنا إلى أنّ «المنافق» فی الأصل من مادّة (نفق) على وزن «نفخ» بمعنى النفوذ والتسرّب و«نفق» «على وزن شفق» أی القنوات والتجاویف التی تحدث فی الأرض، وتستغل للتخفّی والتهرّب والإستتار والفرار.

وأشار بعض المفسّرین إلى أنّ بعض الحیوانات کالذئاب والحرباء والفأر الصحراوی، تتّخذ لها غارین: الأوّل واضح تدخل وتخرج منه بصورة مستمرّة، والآخر غیر واضح ومخفی تهرع إلیه فی ساعات الخطر ویسمّى «النفقاء»(3).

والمنافق هو الذی إختار طریقاً مشبوهاً ومخفیّاً لینفذ من خلاله إلى المجتمع، ویهرب عند الخطر من طریق آخر.

وتذکر الآیة اللاحقة العلامة الثانیة: (اتّخذوا أیمانهم جنّة فصدّوا عن سبیل الله إنّهم ساء ما کانوا یعملون).

ذلک لأنّهم یظهرون الإیمان ویبطنون الکفر، ویضعون الموانع والعراقیل فی طریق هدایة الناس، ولیس هناک أقبح من أن یمنع الإنسان غیره من الإهتداء.

«جنّة» من مادّة (جنّ) (على وزن فنّ) وهی فی الأصل بمعنى إخفاء شیء من الحسّ، ویطلق هذا الإسم على (الجنّ) لأنّه مخلوق غیر واضح، ویقال للدرع الذی یستر الإنسان من ضربات العدو فی لغة العرب (جُنّة) ویقال أیضاً للبساتین المکتّظة بالشجر بسبب إستتار أراضیها فتسمّى (جَنّة).

على کلّ حال فإنّ من علامات المنافقین التستر باسم الله المقدّس، وإیقاع الأیمان المغلّظة لإخفاء وجوههم الحقیقیّة، وإلفات أنظار الناس نحوهم، وبذلک یصدّونهم عن الرشد (الصدّ عن سبیل الله).

وبهذا یتّضح أنّ المنافقین فی حالة حرب دائمة ضدّ المؤمنین، وأنّ الظواهر التی یتخفّون وراءها لا ینبغی أن تخدع أحداً.

وقد یضطرّ الإنسان أحیاناً إلى الیمین، أو أنّ هذا الیمین سیساعده على إظهار أهمیّة الموضوع، بید أنّه لا ینبغی أن یکون یمیناً کاذباً أو بدون ضرورة ولا موجب.

جاء فی الآیة 74 من سورة التوبة: (یحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا کلمة الکفر).

ذکر المفسّرون مفهومین لمعنى التعبیر بـ (صدّوا عن سبیل الله) الأوّل: الإعراض عن طریق الله، والآخر: منع الآخرین عن سلوک هذا الطریق، وقد لا یتعذّر الجمع بین المعنیین فی إطار الآیة (مورد البحث) غیر أنّ لجوءهم إلى الحلف بالله کذباً یجعل المعنى الثانی أکثر مناسبة، لأنّ الهدف من القسم هو صدّ الآخرین وتضلیلهم.

فمرّة یقیمون مسجد (ضرار)، وعندما یسألون ما هو هدفکم من ذلک؟ یحلفون أن لا هدف لهم سوى الخیر کما فی الآیة 107 من سورة التوبة.

ومرّة اُخرى یعلنون إستعدادهم للمشارکة فی الحروب القریبة السهلة التی یحتمل الحصول على غنائم فیها، ولکن حینما یدعون إلى المشارکة فی معرکة تبوک الصعبة والشاقّة تجدهم یختلقون الحجج ویلفّقون الأعذار، ویحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معکم (یهلکون أنفسهم والله یعلم إنّهم لکاذبون)(4).

وفی یوم الحشر یلجأ المنافقون لنفس الاُسلوب فی الحلف، کما جاء فی الآیة 18 من سورة المجادلة.

وبذلک یتّضح أنّ هذا السلوک صار جزءاً من کیانهم، فهم لا یمتنعون عنه حتى فی مشهد الحشر بین یدی الله تعالى.

وتتطرّق الآیة اللاحقة إلى ذکر السبب الذی یقف وراء هذه الأعمال السیّئة، حیث یقول تعالى: (ذلک بأنّهم آمنوا ثمّ کفروا فطبع على قلوبهم فهم لا یفقهون).

والمقصود بالإیمان ـ کما یعتقد بعض المفسّرین ـ هو الإیمان الظاهری الذی یخفی وراءه الکفر.

ولکن یبدو أنّ الآیة ترید أن تقول: إنّهم کانوا مؤمنین حقّاً وذاقوا طعم الإیمان ولمسوا حقّانیة الإسلام والقرآن، ثمّ انتهجوا منهج الکفر مع إحتفاظهم بظاهر الإیمان أو الإیمان الظاهری، وقد سلب الله منهم حسّ التشخیص وحرمهم إدراک الحقائق، لأنّهم أعرضوا عن الحقّ، وأداروا له ظهورهم بعد أن شخّصوه وعرفوه حقّاً.

والواقع أنّ المنافقین مجموعتان:

المجموعة الاُولى: کان إیمانها منذ البدایة ظاهریاً وصوریاً.

والثانیة: کان إیمانها حقیقیّاً فی البدایة ثمّ ارتدّوا ولزموا طریق النفاق.

والظاهر أنّ الآیة ـ مورد البحث ـ تتعرّض للمجموعة الثانیة.

وتشبه هذه الآیة 74 من سورة التوبة التی تقول: (وکفروا بعد إسلامهم).

على کلّ حال فإنّ عدم قدرتهم على إدراک الحقائق الواضحة تعتبر علامة ثالثة من علامات نفاقهم.

ومن الواضح أنّهم غیر مجبرین على ذلک، لأنّهم قد هیّأوا مقدّماته بأنفسهم.

وتوضّح الآیة اللاحقة علامات المنافقین بشکل أکثر وضوحاً، إذ یقول تعالى: (وإذا رأیتهم تعجبک أجسامهم) فهم یتمتّعون بظواهر جمیلة وأجسام لطیفة.

(وإن یقولوا تسمع لقولهم) لأنّه ینطوی على شیء من التحسین والعذوبة.

وفی الوقت الذی یتأثّر الرّسول بحدیث بعضهم ـ کما یبدو من ظاهر التعبیر ـ فکیف بالآخرین؟!

هذا فیما یخصّ ظاهرهم، أمّا باطنهم فـ (کأنّهم خشب مسنّدة).

فأجسامهم خالیة من الروح، ووجوههم کالحة، وکیانهم خاو منخور من الداخل، لیس لهم أیّة إرادة ولا یتمتّعون بأیّة استقلالیة (کالأخشاب المسنّدة) المکدّسة.

روى بعض المفسّرین فی صفة رئیس المنافقین (عبدالله بن اُبی) «کان عبدالله بن اُبی رجلا جسیماً صبیحاً فصیحاً ذلق اللسان، وقوم من المنافقین فی مثل صفته، وهم رؤساء المدینة، وکانوا یحضرون مجلس رسول الله(صلى الله علیه وآله) فیستندون فیه، ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن، فکان النّبی ومن حضر یعجبون بهیاکلهم ویسمعون إلى کلامهم»(5).

وکان هؤلاء یتمیّزون بالضعف والخواء فی داخلهم، لا یعرفون التوکّل والاعتماد على الله ولا على أنفسهم، فهم کما یصفهم القرآن الکریم فی آیة اُخرى: (یحسبون کلّ صیحة علیهم).

یسیطر علیهم الخوف والرعب وسوء الظنّ، وتغمر أرواحهم النظرة السوداء السیّئة... تجدهم فی خوف دائم من ظلمهم وخیانتهم حتى اعتبر ذلک علامة ممیّزة لهم (الخائن خائف).

وقد نبّه القرآن الکریم فی نهایة الآیة قائلا: (هم العدو فاحذرهم) أی هم الأعداء الواقعیون.

ویضیف (قاتلهم الله أنّى یؤفکون) أی کیف ینحرفون عن الحقّ.

ولا یرید القرآن بهذا التعبیر الإخبار، وإنّما یرید لعنهم وذمّهم بشدّة، وهو أشبه بالتعابیر التی یستخدمها الناس فی ذمّ بعضهم البعض.


1. ذکرت «إنّ» هنا مکسورة، لأنّ لام التأکید قد جاءت فی بدایة الخبر، وفی هذه الصورة یقدّم التقدیر (البیان فى غریب اعراب القرآن).
2. الإستفادة من «جملة الاسمیّة» و ایضاً «إنّ» و «لام التأکید».
3. تفسیر روح البیان، ج 9، ص 529.
4. التوبة، 42.
5. تفسیر الکشّاف، ج 4، ص 540.
سورة المنافقون / الآیة 1 ـ 4 سورة المنافقون / الآیة 5 ـ 8
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma