ممّا لا شکّ فیه أنّ الإمام علی(علیه السلام) لم یکن من طائفة الأغنیاء من أصحاب الرّسول(صلى الله علیه وآله)حیث البساطة فی حیاته وزهده فی عیشه، ومع هذا الحال وإحتراماً للحکم الإلهی، تصدّق فی تلک الفترة القصیرة ـ ولمرّات عدیدة، وناجى الرّسول(صلى الله علیه وآله)، وهذه المسألة واضحة ومسلّمة بین المفسّرین وأصحاب الحدیث کما أسلفنا.

إلاّ أنّ البعض ـ مع قبول هذا الموضوع ـ یصرّون على عدم اعتبار ذلک فضیلة وحجّتهم فی ذلک أنّ کبار الصحابة عندما أحجموا عن هذا العمل فذلک لأنّهم لم تکن لهم حاجة عند رسول الله(صلى الله علیه وآله)، أو لم یکن لدیهم وقت کاف، أو أنّهم کانوا یفکّرون بعدم إحراج الفقراء... وبناءً على هذا فإنّها لا تحسب فضیلة للإمام علی، أو أنّها لا تسلب فضیلة من الآخرین(1).

ویبدو أنّهم لم یدقّقوا فی متن الآیة التالیة حیث یقول سبحانه موبّخاً: (أأشفقتم أن تقدّموا بین یدی نجواکم صدقات) حتى أنّه سبحانه یعبّر فی نهایة الآیة بالتوبة، والتی ظاهرها دالّ على هذا المعنى، ویتّضح من هذا التعبیر أنّ الإقدام على الصدقة والنجوى مع الرّسول (صلى الله علیه وآله)کانت عملا حسناً، وإلاّ فلا ملامة ولا توبة.

وبدون شکّ فإنّ قسماً من أصحاب الرّسول المعروفین قبل هذا الحادث کانت لهم نجوى مع الرّسول (لأنّ الأفراد العادیین والبعیدین قلّما احتاجوا إلى مناجاة الرّسول).

إلاّ أنّ هؤلاء الصحابة المعروفین بعد حکم الصدقة، امتنعوا من النجوى، والشخص الوحید الذی إحترم ونفّذ هذا الحکم هو الإمام علی (علیه السلام).

وإذا قبلنا ظاهر الآیات والروایات التی نقلت فی هذا المجال وفی الکتب الإسلامیة المختلفة ولم نقم أهمیّة للاحتمالات الضعیفة الواهیة فلابدّ أن نضمّ صوتنا إلى صوت عبدالله بن عمر بن الخطاب الذی جعل هذه الفضیلة بمنزلة تزویج فاطمة، وإعطاء الرایة یوم فتح خیبر، وأغلى من حمر النعم.

1. التفسیر الکبیر وتفسیر روح البیان، ذیل الآیات مورد البحث.