الإنسان نعمَ الحکمُ لنفسه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القیامة / الآیة 7 ـ 15 سورة القیامة / الآیة 16 ـ 19

أنهت الآیات السابقة بسؤال کان قد وجهه المنکرون للبعث یوم القیامة، وهو یوم القیامة متى یأتی ذلک الیوم؟ وهذه الآیات هی التی تجیب عن هذه السؤال.

فتشیر أوّلاً إلى الحوادث السابقة للبعث، أی إلى التحول العظیم وإنعدام القوانین فی الأنظمة الکونیة فیقول تعالى: (فإذا برق(1) البصر) بمعنى اضطراب العین ودورانها من شدّة الخوف والرعب (وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر).

ذکرت معان متعددة للمفسّرین فی ما یراد بالجمع بین الشمس والقمر، فقیل هو اجتماعهما، أو طلوعهما کلیهما من المشرق وغروبهما من المغرب، وقیل اجتماعهما بعد زوال نوریهم(2) ویحتمل أن ینجذب القمر تدریجیاً بواسطة الشمس باتجاهها ثم اجتماعهما معاً بعد ذلک، وینتهی بالتالی ضیاؤهما.

على کلّ حال فقد اُشیر هنا إلى ظاهرتین من أهم الظواهر الإِنقلابیة لأواخر الدنیا، أی إلى زوال نور القمر واجتماع الشمس والقمر مع البعض، وهو ما اُشیر إلیه فی الآیات القرآنیة الاُخرى أیضاً، فیقول تعالى فی سورة التکویر: (إذا الشمس کورت) أی إذا أظلمت الشمس، ونعلم أنّ ضوء القمر من الشمس، وعندما یزول نور الشمس یزول بذلک نور القمر، وبالتالی تدخل الکرة الأرضیة فی ظلام دامس وعتمة مرعبة.

وبهذه الطریقة والتحول العظیم ینتهی العالم، ثم یبدأ بعث البشریة بتحول عظیم آخر (بنفخة الصور الثانیة والتی تعتبر نفخة الحیاة) فیقول الإِنسان فی ذلک الیوم: (یقول الإِنسان یومئذ أین المفر)(3).

أجل، الکفرة والمذنبون الذین کذبوا بیوم الدین یبحثون عن ملجأ فی ذلک الیوم لشدّة خجلهم، ویطلبون سبل الفرار لثقل خطایاهم وخوفهم من العذاب، کما کانوا یبحثون عن طریق الفرار فی الدنیا عندما کانوا یواجهون حادثةً خطیرة، فیقیسون ذلک الیوم بهذا! ولکن سرعان ما یقال لهم: (کلاّ لا وزر)(4).

فلا ملجأ إلاّ إلى الله تعالى: (الى ربّک یومئذ المستقر) وذکرت لهذه الآیة تفاسیر اُخرى غیر التفسیر المذکور أعلاه منها: إنّ الحکم النهائی لذلک الیوم هو بید الله تعالى.

أو أنّ المقر النهائی للإنسان فی الجنّة أو النّار هو بید الله.

أو أنّ الإستقرار للمحاکمة والحساب یومئذ یکون عنده، ولکن بالتوجه إلى الآیة التی تلیها نرى أنّ ما قلناه هو الأنسب والأوجه.

ویعتقد البعض أن هذه الآیة هی من الآیات التی تبیّن خط مسیر التکامل الأبدی للإنسان، وهی من جملة الآیات التی تقول: (وإلیه المصیر)(5) و(یا أیّها الإِنسان إنّک کادحٌ إلى ربّک کدحاً فملاقیه)(6) و(أن إلى ربّک المنتهى)(7) (8).

وبعبارة أوضح إنّ الناس فی حرکة دائبة فی هذا الطریق الطویل من حدود العدم إلى إقلیم الوجود، ولا یزالون فی حرکة فی هذا الإِقلیم نحو الوجود المطلق، والوجود الأزلی، وأنّ هذه الحرکة والسلوک التکاملی فی استمرار الى الأبد ما داموا لا ینحرفون عن هذا الصراط المستقیم حیث یدخلون فی کل یوم مرحلة جدیدة من التقرب إلى الله تعالى، وإذا انحرفوا عن مسیرهم فإنّهم سوف یسقطون وینتهون.

عندئذ یضیف فی إدامة هذا الحدیث: (ینبّؤا الإنسان یومئذ بما قدّم وأخّر) أمّا عن معنى هاتین العبارتین فقد ذکرت لهما تفاسیر عدیدة:

أوّلاً: المراد هو ما قدم من الأعمال فی حیاته، أو الآثار الباقیة منه بعد موته، ممّا ترک بین الناس من السنن الصالحة والسیئة والتی یعملون ویسیرون بها ووصول حسناتها وسیئاتها إلیه، أو الکتب والمؤلفات والأبنیة القائمة على الخیر والشرّ، والأولاد الصالحین والطالحین التی تصل آثارهم إلیه.

والثّانی: یمکن أن یراد به الأعمال الاُولى التی أتى بها. والأعمال الأخیرة التی أتى بها فی عمره، وبعبارة اُخرى أنّه یُنبّأ بجمیع أعماله.

والثّالث: أنّ المراد هو ما قدم من ماله لنفسه وما ترک لورثته، وقیل: ما قدم من الذنوب، وما أخر من طاعة الله أو بالعکس.

والوجه الأوّل هو الأنسب، لما ورد عن الإِمام الباقر(علیه السلام) فی تفسیر «(ینبّؤ) بما قدم من خیر وشرّ: وما أخر من سنّة لیستنّ بها من بعده فإن کان شرّاً کان علیه مثل وزرهم، ولا ینقص من وزرهم شیئاً، وإن کان خیراً کان له مثل أجورهم، ولا ینقص من أجورهم شیئاً»(9).

ثم یضیف فی الآیة الاُخرى ویقول: إنّ الله وملائکته یطلعون العباد على أعمالهم، وإن کان لا یحتاج إلى ذلک، لأنّ نفسه وأعضاءه هم الشهود علیه فی ذلک الیوم، فیقول تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصیرة * ولو ألقى معاذیره).

سیاق هذه الآیات فی الحقیقة هو نفس سیاق الآیات التی تشیر إلى شهادة الأعضاء على أعمال الإنسان، کالآیة 20 من سورة فصلت حیث یقول الله تعالى: (شهد علیهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما کانوا یعملون).

والآیة 65 من سورة یس: (وتکلمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون).

وعلى هذا فإنَّ أفضل شاهد على الإنسان فی تلک المحکمة الإلهیّة للقیامة هو نفسهُ، لأنهُ أعرف بنفسه من غیره، وإن کان الله تعالى قد أعطاه شواهد اُخرى کثیرة لإتمام الحجّة علیه.

«بصیرة»: لها معنى مصدری بمعنى (الرؤیا والإطلاع)، ومعنى وصفی (الشخص المطّلع) ولذا فسّره البعض بمعنى(الحجة والدلیل والبرهان) والذی هو واهب للمعرفة(10).

«معاذیر»: جمع (معذرة) وتعنی فی الأصل البحث عمّا تمحى به آثار الذنوب، وقد تکون أحیاناً أعذاراً واقعیة، واُخرى صوریة وظاهریة.

وقیل: المعاذیر جمع معذار، وهو الستر، والمعنى وإن أرخى الستور لیخفی ما عمل فإن نفسه شاهدة علیه، والأوّل أوجه.

على کل حال فإن الحاکم على الحساب والجزاء فی ذلک الیوم العظیم هو المطّلع على الأسرار الداخلیة والخارجیة، وکذلک نفس الإنسان المحاسب لنفسه، کما جاء فی الآیة 14 من سورة الإسراء: (اقرأ کتابک کفى بنفسک الیوم علیک حسیب).

إنّ الآیات مورد بحثنا وإن کانت تتحدث کلّها عن المعاد والقیامة، فإنَّ مفهومها واسع، ولذا فإنَّها تشمل عالم الدنیا، وتعلم الناس بأحوال أنفسهم وإنّه کان فیهم من یکتم ویغطی وجههُ الحقیقی بالکذب والاحتیال والتظاهر والمراء.

لذا ورد فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) حیث قال: «ما یصنع أحدکم أن یظهر حسناً ویسرّ سیئاً ألیس إذا رجع إلى نفسه یعلم أنّه لیس کذلک، والله سبحانه یقول: (بل الإِنسان على نفسه بصیرة)(11) إنّ السریرة إذا صلحت قویت العلانیة»(12).

وورد أیضاً فی حدیث صیام المریض عن الصادق (علیه السلام) عندما سأله أحد أصحابه: ما حد المرض الذی یفطر صاحبه؟ فأجاب الإمام: « بل الإِنسان على نفسه بصیرة، هو أعلم بما یطیق»(13).


1. «برق» من مادة «برق» ـ على وزن فرق ـ وهو الضوء الظاهر من بین السحب ویطلق على کل ما هو وضاء، و«برق البصر» فی هذه الآیة إشارة إلى الحرکة الشدیدة، والإضطراب الشدید للبصر من شدة الهول والخوف، وقیل هو سکون حدقة العین والنظر بدهشة إلى نقطة وغالباً ما تکون علامة الرعب، وهناک شواهد کثیرة على هذا المعنى فی أشعار العرب تشیر إلى إبراق البصر یُراد به التحیر، والتفسیر الأول أوجه.
2. یقول الطبرسی فی «تفسیر مجمع البیان» الجمع ثلاثة أنواع: جمعٌ فی المکان، وجمعٌ فی الزمان، وجمع الأوصاف فی الشیء الواحد (کاجتماع العلم والعدالة فی الإنسان) ولکن الجمع الذی یراد به اشتراک شیئین فی الصفة کزوال نوریّ القمر والشمس معاً هو تعبیر مجازی (إذ لابدّ من الاستفادة من القرینة) تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 395.
3. «المفر» اسم مکان من الفرار، واحتملهُ البعض الآخر مصدراً ولکنه بعید.
4. «وزر» على وزن قمر، وتعنی فی الأصل الملاجىء الجبلیة وأمثالها، ومنها یطلق على الوزیر لما یلتجأبه فی الاُمور، وعلى کل حال فإنّها تعنی فی هذه الآیة کل نوع من الملجأ والمخبأ.
5. التغابن، 3.
6. الإنشقاق، 6.
7. النجم، 42.
8. هناک نظرات اُخرى فی تفسیر هذه الآیات وضحنا ذلک فی تذییلها.
9. تفسیر البرهان، ج 4، ص 406 ومثله فی تفسیر القرطبی، ج 10، ص 6891.
10. «التاء» مصدرٌ على الإحتمال الأوّل، وتاء التأنیث على الاحتمال الثّانی، لأنّه یراد بالإنسان هنا الجوارح أو النفس، فالتأنیث مجازی، وقیل إن التاء تاء المبالغة للإخبار بشدّة معرفة الإنسان بنفسه.
11. القیامة، 14.
12. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 396.
13. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 396 وأورد الشیخ الصدوق فی من لا یحضره الفقیه، کتاب الصیام، ج 2، ص 133 (باب حد المرض الذی یفطر صاحبه) ح 1941.
سورة القیامة / الآیة 7 ـ 15 سورة القیامة / الآیة 16 ـ 19
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma