اُسوة للجمیع:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة الممتحنة / الآیة 4 ـ 6 1ـ نماذج خالدة

إنّ منهج القرآن (من أجل التأکید على تعالیمه القیّمة) یعتمد فی کثیر من الموارد طریقة الاستشهاد بنماذج أساسیة فی عالم الإنسانیة والحیاة، وبعد التشدید السابق الذی مرّ بنا خلال الآیات السابقة فی تجنّب عقد الولاء لأعداء الله، یتحدّث القرآن الکریم عن إبراهیم(علیه السلام) ومنهجه القدوة کنموذج رائد یحظى باحترام جمیع الأقوام وخصوصاً العرب منهم.

قال تعالى: (قد کانت لکم اُسوة حسنة فی إبراهیم والذین معه)(1).

إنّ حیاة إبراهیم(علیه السلام) الذی هو کبیر الأنبیاء، تلهمنا دروس العبودیة لله، والطاعة والجهاد فی سبیله، والوله والحبّ لذاته المقدّسة، إنّ هذا النّبی العظیم الذی کانت الاُمّة الإسلامیة من برکة دعائه، وهی معتزّة بالتسمیة التی أطلقها علیهم، هو لکم اُسوة حسنة فی هذا المجال.

والمراد من تعبیر (الذین معه) هم المؤمنون الذین ساروا برفقته فی هذا الطریق بالرغم من قلّة عددهم، وهنا رأی آخر فی تفسیر (الذین معه) یرى أنّ المقصود هم الأنبیاء الذین کانوا یشارکونه بالرأی، أو أنّ المقصود هم الأنبیاء المعاصرون له، وهو احتمال مستبعد، خاصّة إذا أخذنا ما یناسب المقام فی تشبیه القرآن الکریم لرسول الإسلام محمّد بإبراهیم(علیه السلام)، وتشبیه المسلمین بأصحابه وأعوانه.

وجاء فی التواریخ أیضاً أنّ جماعة فی «بابل» آمنوا بإبراهیم(علیه السلام) بعد مشاهدة المعاجز التی ظهرت على یدیه، وصاحبوه فی الهجرة، قال ابن الأثیر فی الکامل (ثمّ إنّ إبراهیم والذین اتّبعوا أمره أجمعوا على فراق قومهم فخرج مهاجراً)(2).

ثمّ یضیف سبحانه لتوضیح هذا المعنى: (إذ قالوا لقومهم إنّا براءوا منکم وممّا تعبدون من دون الله)(3).

وهکذا یکون الموقف القاطع والحاسم من جانب المؤمنین إزاء أعداء الله، بقولهم لهم: إنّنا لا نرتضیکم ولا نقبلکم، لا أنتم ولا ما تؤمنون به من معتقدات، إنّنا نبتعد وننفر منکم ومن أصنامکم التی لا قیمة لها.

ومرّة اُخرى یؤکّدون مضیفین: «کفرنا بکم»، والکفر هنا هو کفر البراءة الذی اُشیر له فی بعض الروایات ضمن ما ورد فی تعدّد أقسام الکفر الخمسة(4).

ویضیفون للمرّة الثالثة مؤکّدین بصورة أشدّ: (وبدا بیننا وبینکم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده).

وبهذا الإصرار وبهذه القاطعیة وبدون أی تردّد أو مواربة یعلن المؤمنون انفصالهم وإبتعادهم ونفرتهم من أعداء الله حتى یؤمنوا بالله وحده، وهم مستمرّون فی موقفهم وإلى الأبد ولن یتراجعوا عنه أو یعیدوا النظر فیه إلاّ إذا غیّر الکفّار مسارهم وتراجعوا عن خطّ الکفر إلى الإیمان.

ولأنّ هذا القانون العامّ کان له استثناء فی حیاة إبراهیم(علیه السلام) یتجسّد ذلک بإمکانیة هدایة بعض المشرکین حیث یقول سبحانه معقّباً: إنّ هؤلاء قطعوا کلّ إرتباط لهم مع قومهم الکافرین حتى الکلام الودود والملائم: (إلاّ قول إبراهیم لأبیه لأستغفرنّ لک وما أملک لک من الله من شیء).

إنّ هذا الاستثناء ـ فی الحقیقة ـ کان فی مسألة قطع کلّ إرتباط مع عبدة الأصنام من قبل إبراهیم(علیه السلام) وأصحابه، کما أنّ هذا الإستثناء کانت له شروطه ومصلحته الخاصّة، لأنّ القرائن تظهر لنا أنّ إبراهیم(علیه السلام) کان یرى فی عمّه (آزر) استعداداً لقبول الإیمان.

ولمّا کان (آزر) قلقاً من آثام سابقته الوثنیة وعبادته للأصنام أوعده إبراهیم(علیه السلام) أنّه إذا تبنّى طریق التوحید فإنّه(علیه السلام) سیستغفر له الله سبحانه، وقد عمل بما وعده به، إلاّ أنّ آزر لم یؤمن وبقی على ضلاله، وعندما اتّضح لإبراهیم أنّه عدوّ الله وسوف لن یؤمن أبداً، لم یستغفر له ثانیة وقطع علاقته به.

ولمّا کان المسلمون مطّلعین على منهج إبراهیم(علیه السلام) فی تعامله مع «آزر» بصورة إجمالیة، فقد کان من المحتمل أن یکون هذا الموقف موضع إحتجاج لأشخاص مثل (حاطب بن أبی بلتعة) حیث کانوا یقیمون العلاقات والإرتباطات السریّة مع الکفّار، ولهذا فالقرآن الکریم یقطع الطریق على مثل هذه التصوّرات ویعلن ـ صراحةً ـ أنّ هذا الاستثناء قد تمّ تحت شروط خاصّة، وکان اُسلوباً لاستدراج (آزر) إلى الهدى وإدخاله فی الإیمان، ولم یکن لأهداف دنیویة آنیة أو مصلحة وقتیة، لذا یقول عزّوجلّ فی بیان هذا المعنى: (وما کان إ ستغفار إبراهیم لأبیه إلاّ عن موعدة وعدها إیّاه فلمّا تبیّن له أنّه عدو لله تبّرأ منه إنّ إبراهیم لأوّاه حلیم)(5).

إلاّ أنّ بعض المفسّرین یرى أنّ هذا الأمر کان استثناءً من التأسّی بـ (إبراهیم)، وقالوا یجب الإقتداء به فی جمیع الاُمور إلاّ فی استغفاره لعمّه آزر.

إلاّ أنّ هذا المعنى بعیداً جدّاً لأنّه:

أوّلا: کان(علیه السلام) اُسوة فی جمیع الاُمور ومن ضمنها إتّباع هذا المنهج، وذلک بلحاظ أنّ الشروط التی توفّرت فی (آزر) توفّرت أیضاً فی بعض المشرکین وعند ذلک لابدّ من إظهاره المودّة لهم وتهیئة الأجواء الطیّبة لهم، وجذبهم للإیمان.

وثانیاً: أنّ إبراهیم(علیه السلام) نبی معصوم من أنبیاء الله العظام ومن المجاهدین اللامعین، وأعماله کلّها اُسوة للمؤمنین، وعندئذ لا داعی لاستثناء هذه المسألة من التأسّی به فیها.

وخلاصة القول أنّ إبراهیم(علیه السلام) وأصحابه کانوا من أشدّ المخالفین والمحاربین للشرک، ولابدّ لنا من الإقتداء بهم وأخذ الدروس والعبر من سیرتهم، بما فی ذلک ما یتعلّق بموقفه من «آزر» إذا توفّرت لنا نفس الشروط والخصوصیات ..(6).

وبما أنّ محاربة أعداء الله، والصرامة والشدّة معهم ـ خصوصاً مع تمتّعهم بقدرة ظاهریة ـ سوف لن تکون فاعلة إلاّ بالتوکّل على الله تبارک وتعالى، یضیف سبحانه فی نهایة الآیة: (ربّنا علیک توکّلنا وإلیک أنبنا وإلیک المصیر).

ونلاحظ ثلاثة اُمور فی هذه العبارة:

الأمر الأوّل: هو التوکّل، الثانی هو: التوبة والإنابة، الثالث: التأکید على حقیقة الرجوع النهائی فی کلّ شیء إلیه سبحانه، حیث إنّ کلّ أمر من هذه الاُمور یکون علّة وبنفس الوقت معلولا للآخر، فالإیمان بالمعاد والرجوع النهائی إلیه سبحانه یوجب التوبة، والتوبة تحیی روح التوکّل فی النفس الإنسانیة(7).

وفی الآیة اللاحقة یشیر القرآن الکریم إلى طلب آخر مهمّ وحسّاس لإبراهیم(علیه السلام)وأصحابه فی هذا المجال، حیث یقول تعالى: (ربّنا لا تجعلنا فتنة للذین کفرو).

من المحتمل أن یکون ما ورد فی الآیة إشارة إلى عمل «حاطب بن أبی بلتعة» واحتمال صدور شبیهه من أشخاص جهلة یکونون سبباً فی تقویة الظالمین، من حیث لا یشعرون، بل یتصوّرون أنّهم یعملون لمصلحة الإسلام، أو إنّ المراد فی الحقیقة دعاء بأنّه لا تجعلنا نقع فی قبضة الکافرین فیقولوا: إنّ هؤلاء لو کانوا على الحقّ ما غُلبوا، ویؤدّی هذا التوهّم إلى ضلالهم أکثر.

وهذا یعنی أنّ المسلمین ما کانوا یأبهون خوفاً على مصالحهم أو على أنفسهم; بل لکی لا یقع مبدأ الحقّ فی دائرة الشکّ ویکون الإنتصار الظاهری للکفّار دلیلا على حقّانیتهم، وهذا هو منهج الإنسان المؤمن الراسخ فی إیمانه، حیث إنّ جمیع ما یقوم به ویضحّی فی سبیله لا لأجل نفسه، بل لله سبحانه، فهو مرتبط به وحده، قاطع کلّ علاقة بما سواه، طالب کلّ شیء لمرضاته.

ویضیف فی نهایة الآیة: (واغفر لنا ربّنا إنّک أنت العزیز الحکیم).

فقدرتک یاالله لا تقهر، وحکمتک نافذة فی کلّ شیء.

إنّ هذه الجملة قد تکون إشارة لطلب المغفرة من الله سبحانه والعفو عن الزلل فی حالة حصول المیل النفسی والحبّ والولاء لأعداء الله.

وهذا درس لکلّ المسلمین کی یقتدوا بهؤلاء، وإذا ما وجد بینهم شخص منحرف کـ (حاطب) فلیستغفروا ربّهم ولینیبوا إلیه.

ومرّة اُخرى یؤکّد سبحانه فی آخر آیة من هذه الآیات على نفس الأمر الذی ذکر فی أوّل آیة، حیث یقول تعالى: (لقد کان لکم فیهم اُسوة حسنة لمن کان یرجو الله والیوم الآخر)(8).

لقد کانوا لنا اُسوة، لیس فقط فی موقفهم ضدّ منهج الکفر وعبدة الأوثان، بل هم اُسوة لنا فی الدعاء بین یدی الباریء عزّوجلّ، وقدوة لنا فی طلب المغفرة منه کما استعرضت الآیات السابقة نماذج فی ذلک.

إنّ هذا الإقتداء فی حقیقته یتمثّل فی الذین تعلّقوا بالله سبحانه، ونوّر الإیمان بالمبدأ والمعاد قلوبهم، ونهجوا منهج الحقّ وتحرّکوا فی طریقه... وبدون شکّ فإنّ هذا التأسّی والإقتداء یرجع نفعه إلى المسلمین أنفسهم قبل الآخرین، لذا یضیف سبحانه فی النهایة قوله: (ومن یتولّ فإنّ الله هو الغنی الحمید).

وذلک أنّ عقد الولاء مع أعداء الله یقوّی عودهم وشوکتهم وبالتالی یؤدّی إلى هزیمة المسلمین، وإذا تسلّطوا علیکم فسوف لن یرحموا صغیرکم وکبیرکم(9).


1. ذکر المفسّرون إحتمالات عدّة فی إعراب هذه الجملة، والظاهر أنّ (اُسوة حسنة) اسم کان، و«لکم» خبرها و(فی إبراهیم) متعلّق بـ (اُسوة حسنة) ولابدّ من الإلتفات ضمناً إلى أنّ «اُسوة» بمعنى «التأسّی» والإقتداء الذی یکون أحیاناً بالأعمال الجیّدة واُخرى بالسیّئة ولذا قیدت هنا بـ «الحسنة».
2. الکامل فی التاریخ، لابن الأثیر، ج1، ص100.
3. «براء» جمع «بریء» مثل «ظرفاء» و«ظریف».
4. اُصول الکافی، نقلاً عن تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 302.
5. التوبة، 114.
6. یتّضح لنا ممّا تقدّم أنّ الإستثناء هنا متّصل، والمستثنى منه جملة محذوفة یدلّ علیها صدر الآیة، وتقدیرها: (إنّ إبراهیم وقومه تبرّأوا منهم، ولم یکن لهم قول یدلّ على المحبّة إلاّ قول إبراهیم)، وطبقاً للتفسیر الثانی فإنّ الاستثناء سوف یکون منقطعاً، وهذا بحدّ ذاته إشکال آخر علیه.
7. یتّضح ممّا قلناه أنّ هذه الجملة هی کلام إبراهیم (علیه السلام) وأصحابه، بالرغم من أنّ بعض المفسّرین احتمل کونها جملة مستقلّة ونزلت بعنوان إرشاد للمسلمین ضمن هذه الآیات، وهو احتمال بعید.
8. قال بعض المفسّرین: إنّ «لمن» فی الآیة أعلاه «بدل» عن «لکم»: (التفسیر الکبیر; وتفسیر روح المعانی، ذیل الآیات مورد البحث).
9. بناءً على هذا فإنّ جملة (من یتولّ) جملة شرطیة، ولها جزاء محذوف تقدیره: (من یتولّ فقد أخطأ حظّ نفسه وأذهب ما یعود نفعه إلیه) (تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 272).
سورة الممتحنة / الآیة 4 ـ 6 1ـ نماذج خالدة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma