أصحاب البستان والمصیر المؤلم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القلم / الآیة 26 ـ 33 1ـ الإستئثار بالنعم بلاء عظیم

الآیات الشریفة ـ أعلاه ـ استمرار لقصّة أصحاب الجنّة، التی مرّت علینا فی الآیات السابقة... فلقد تحرّکوا فی الصباح الباکر على أمل أن یقطفوا محصولهم الکثیر، ویستأثروا به بعیداً عن أنظار الفقراء والمحتاجین، ولا یسمحوا لأی أحد من الفقراء بمشارکتهم فی هذه النعمة الإلهیة الوافرة، غافلین عن تقدیر الله... فإذا بصاعقة مهلکة تصیب جنّتهم فی ظلمة اللیل فتحوّلها إلى رماد، فی وقت کان أصحاب الجنّة یغطّون فی نوم عمیق.

یقول القرآن الکریم: (فلمّا رأوها قالوا إنّا لضالّون).

المقصود من (ضالّون) یمکن أن یکون عدم الإهتداء إلى طریق البستان أو الجنّة، أو تضییع طریق الحقّ کما احتمل البعض، إلاّ أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر.

ثمّ أضافوا: (بل نحن محرومون) أی أردنا أن نحرم الفقراء والمحتاجین من العطاء إلاّ أنّنا حرمنا أکثر من الجمیع، حرمنا من الرزق المادّی، ومن البرکات المعنویة التی تحصل عن طریق الإنفاق فی سبیل الله للفقراء والمحتاجین.

(قال أوسطهم ألم أقل لکم لولا تسبّحون).

ألم أقل لکم اذکروا الله بالتعظیم وتجنّبوا مخالفته واشکروا نعمته وامنحوا المحتاجین شیئاً

ممّا تفضّل الله به علیکم؟! لکنّکم لم تصغوا لما قلته لکم، وأخیراً وصلتم إلى هذه النتیجة البائسة فی هذا الیوم الأسود.

ویستفاد ممّا تقدّم أنّ أحدهم کان شخصاً مؤمناً ینهاهم عن البخل والحرص، إلاّ أنّهم کانوا لا یسمعون کلامه، ولقد أفصح عن رأیه بقوّة بعد هذه الحادثة، وأصبح منطقه أکثر حدة وقاطعیة، وقد وبّخهم کثیراً على موقفهم من الفقراء، ووجّه لهم ملامة عنفیة.

وتستیقظ ضمائرهم فی تلک اللحظة ویعترفون بخطئهم وذنوبهم و(قالوا سبحان ربّنا إنّا کنّا ظالمین).

إنّ التعبیر بـ (أوسطهم) فی الآیة السابقة یمکن أن یکون بلحاظ حدّ الاعتدال فی العقل والفکر والعلم وقیل: إنّه الوسط فی السنّ والعمر، إلاّ أنّه مستبعد جدّاً، وذلک لعدم وجود إرتباط بین العمر وهذه المقالة الوافیة المعبّرة، والإرتباط یکون عادة ـ بمثل هذا الکلام بین العقل والفکر.

والتعبیر بـ (لولا تسبّحون) مأخوذ بلحاظ أنّ أصل وجذر کلّ الأعمال الصالحة هو الإیمان ومعرفة الله وتسبیحه وتنزیهه.

وقد فسّر البعض «التسبیح» هنا بمعنى (شکر النعمة) والتی من ملازماتها إعانة المحرومین، وهذان التّفسیران لا یتنافیان مع بعضهما البعض، وهما مجموعان فی مفهوم الآیة الکریمة.

لقد سبق تسبیحهم (الإعتراف بالذنب)، ولعلّ هذا کان لرغبتهم فی تنزیه الله تعالى عن کلّ ظلم بعیداً عمّا نزّل بجنّتهم من دمار وبلاء عظیم، وکأنّ لسان حالهم یقول: ربّنا إنّنا کنّا نحن الظالمین لأنفسنا وللآخرین، ولذا حقّ علینا مثل هذا العذاب، وما أصابنا منک هو العدل والحکمة.

کما یلاحظ فی قسم آخر من آیات القرآن الکریم ـ أیضاً ـ أنّ التسبیح قبل الإقرار بالظلم، حیث نقرأ ذلک فی قصّة یونس(علیه السلام) عندما أصبح فی بطن الحوت، وذلک قوله: (لا إله إلاّ أنت سبحانک إنّی کنت من الظالمین)(1).

والظلم بالنسبة لهذا النّبی العظیم هو بمعنى ترک الأولى، کما أوضحنا ذلک فی تفسیر هذه الآیة.

إلاّ أنّ المسألة لم تنته إلى هذا الحدّ، حیث یقول تعالى: (فأقبل بعضهم على بعض یتلاومون).

والملاحظ من منطوق الآیة أنّ کلّ واحد منهم فی الوقت الذی یعترف بذنبه، فإنّه یلقی بأصل الذنب على عاتق الآخر، ویوبّخه بشدّة، وأنّه کان السبب الأساس فیما وصلوا إلیه من نتیجة بائسة مؤلمة، وکلّ منهم ـ أیضاً ـ یؤکّد أنّه لم یکن غریباً عن الله والعدالة إلى هذا الحدّ.

نعم، هکذا تکون عاقبة کلّ الظالمین عندما یصبحون فی قبضة العذاب الإلهی، ومع الإقرار بالذنب فإنّ کلا منهم یحاول التنصّل ممّا لحق بهم، ویسعى جاهداً لتحویل مسؤولیة البؤس والدمار على الآخرین.

ویحتمل أن یکون شعور کلّ منهم ـ أو غالبیتهم ـ بالأدوار المحدودة لهم فیما حصل، هو الذی دفع کلا منهم للتخلّی عن مسؤولیة ما حصل، وذلک کأن یقترح شخص شیئاً، ویؤیّده الآخر فی هذا الإقتراح، ویتبنّى ثالث هذا العمل، ویظهر الرابع رضاه بسکوته... ومن الواضح فی مثل هذه الأحوال مساهمة الجمیع فی هذه الجریمة ومشارکتهم فی الذنب.

ثمّ یضیف تعالى: (قالوا یاویلنا إنّا کنّا طاغین).

لقد اعترفوا فی المرحلة السابقة بالظلم، وهنا اعترفوا بالطغیان، والطغیان مرحلة أعلى من الظلم، لأنّ الظالم یمکن أن یستجیب لأصل القانون إلاّ أنّ غلبة هواه علیه یدفعه إلى الظلم، أمّا الطاغی فإنّه یرفض القانون ویعلن تمرّده علیه ولا یعترف برسمیّته.

ویحتمل أن یکون المقصود بالظلم هو: (ظلم النفس)، والمقصود بالطغیان هو (التجاوز على حقوق الآخرین).

وممّا یجدر ملاحظته أنّ العرب تستعمل کلمة (ویس) عندما یواجهون مکروهاً ویعبّرون عن إنزعاجهم منه، کما أنّهم یستعملون کلمة (ویح) أحیاناً، وأحیاناً اُخرى (ویل) وعادةً یکون استعمال الکلمة الاُولى فی المصیبة البسیطة، والثانیة للأشدّ، والثالثة للمصیبة الکبیرة، واستعمال کلمة (الویل) من قبل أصحاب البستان یکشف عن أنّهم کانوا یعتبرون أنفسهم مستحقّین لأشدّ حالات التوبیخ.

وأخیراً ـ بعد عودة الوعی إلى ضمائرهم وشعورهم، بل وإعترافهم بالذنب والإنابة إلى الله ـ توجّهوا إلى الباریء عزّوجلّ داعین، وقالوا: (عسى ربّنا أن یبدلنا خیراً منها إنّا إلى ربّنا راغبون)(2) فقد توجّهنا إلیه ونرید منه انقاذنا ممّا تورّطنا فیه...

السؤال: والسؤال المطروح هنا: هل أنّ هؤلاء ندموا على العمل الذی أقدموا علیه، وقرّروا إعادة النظر فی برامجهم المستقبلیة، وإذا شملتهم النعمة الإلهیّة مستقبلا فسیؤدّون حقّ شکرها؟ أم أنّهم وبّخوا أنفسهم وکثر اللوم بینهم بصورة موقتة، شأنهم شأن الکثیر من الظالمین الذین یشتدّ ندمهم وقت حلول العذاب، وما إن یزول الضرّ الذی حاقّ بهم إلاّ ونراهم یعودون إلى ما کانوا علیه سابقاً من ممارسات مریضة؟

الجواب: اختلف المفسّرون فی ذلک، والمستفاد من سیاق الآیة اللاحقة أنّ توبتهم لم تقبل، بلحاظ عدم إکتمال شروطها وشرائطها، ولکن یستفاد من بعض الرّوایات قبول توبتهم، لأنّها کانت عن نیّة خالصة، وعوضهم عن جنّتهم باُخرى أفضل منها، ملیئة بأشجار العنب المثمرة.

ویقول تعالى فی آخر آیة من هذه الآیات، بلحاظ الإستفادة من هذا الدرس والاعتبار به: (کذلک العذاب ولعذاب الآخرة أکبر لو کانوا یعلمون).

وهکذا توجّه الآیة خطابها إلى کلّ المغرورین، الذین سحرهم المال وأبطرتهم الثروة والإمکانات المادیة، وغلب علیهم الحرص والاستئثار بکلّ شیء دون المحتاجین... بأنّه لن یکون لکم مصیر أفضل من ذلک. وإذا ما جاءت صاعقة وأحرقت تلک الجنّة، فمن الممکن أن تأتی صاعقة أو عذاب علیکم من أمثال الآفات والحروب المحلیة والعالمیة المدمّرة، وما إلى ذلک، لتذهب بالنعم التی تحرصون علیها.


1. الأنبیاء، 87.
2. «راغبون» من مادّة «رغبة»، هذه المادّة کلّما کانت متعدیة بـ «إلى» أو «فی» تکون بمعنى المیل إلى شیء معیّن، وکلّما کانت متعدیّة بـ «عن» تکون بمعنى الإنصراف وعدم الإعتناء بشیء معیّن.
سورة القلم / الآیة 26 ـ 33 1ـ الإستئثار بالنعم بلاء عظیم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma