قلنا: إنّ هذه السورة تبیّن من أحوال نوح(علیه السلام) وما یرتبط بأمر دعوته، وتعلم السائرین فی طریق اللّه تعالى اُموراً مهمّة فی إطار الدعوة إلى الحق وبالخصوص فی مقابل الاُمم المعاندة، وتبدأ أوّلاً بذکره فی بعثته(علیه السلام) فیقول تعالى: (إنّا ارسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومک من قبل أن یأتیهم عذاب ألیم).
من الممکن أن یکون هذا العذاب الألیم هو عذاب الدنیا أو عذاب الآخرة، والأنسب أن یکون الإثنان معاً، وإن کانت القرائن فی آخر آیات هذه السورة تشیر إلى أن هذا العذاب هو عذاب الدنیا.
التأکید على الإنذار والترهیب غالباً ما یؤثر تأثیراً بالغاً، مع أنّ الانبیاء کانوا منذرین تارةً ومبشرین تارةً آُخرى، کما یتمّ الإعتماد فی سائر الدنیا على التحذیرات والعقوبات لضمان تطبیق القوانین.
نوح(علیه السلام) الذی کان هو من اُولی العزم، وصاحب أوّل شریعة إلهیّة، وله دعوة عالمیة، جاء إلى قومه بعد صدور هذا الأمر إلیه قال: (قال یا قوم إنّی لکم نذیر مبین).
الهدف هو أن تعبدوا اللّه الذی لا إله إلاّ هو، وتترکوا من دونه، وتتقوا وتطیعوا أمری الذی هو أمر اللّه: (أن اعبدوا اللّه واتقوه وأطیعون).
فی الحقیقة أنّ نوح(علیه السلام) قد لخّص مضمون دعوته فی ثلاث جمل: عبادة اللّه الواحد، والحفاظ على التقوى، وطاعة القوانین والأوامر التی جاء بها من عند اللّه والتی تمثل مجموعة من العقائد والأخلاق والأحکام.
ثمّ ذکر النتائج المهمّة المترتبة على استجابتهم الدعوة فی جملتین لترغیبهم فقال: (یغفر لکم من ذنوبکم).(1)
فی الحقیقة أنّ القاعدة المعروفة «الاسلام یجب ما قبله» هی قانون موجود فی کل الأدیان الإلهیّة والتوحیدیة ولیست منحصرة بالإسلام.
ثمّ یضیف: (ویؤخرکم إلى أجل مسمّى إنّ أجل اللّه إذا جاء لا یؤخر لو کنتم تعلمون)، یستفاد جیداً من هذه الآیة أنّ «الأجل» وموعد عمر الإنسان قسمان، هما: الأجل المسمّى، والأجل النهائی، أو بعبارة اُخرى الأجل الأدنى، والأجل الأقصى أو الأجل المعلق، والأجل الحتمی، القسم الأوّل للأجل قابل للتغیر والتبدیل، فقد یتدنى ویقل عمر الفرد کثیراً بسبب الذنوب والاعمال السیئة وهذا نوع من أنواع العذاب الإلهی، وبالعکس فإنّ التقوى وحسن العمل والتدبیر یمکن أن تکون سبباً لتأخیر الأجل، ولکن الأجل النهائی لا یتغیر بأی حال من الأحوال، ویمکن توضیح هذا الموضوع بمثال واحد، وهو أنّه لیس باستطاعة الإنسان أن یبقى خالداً، وإذا کانت جمیع الأجهزة البدنیة تعمل جیداً ففی النهایة سوف یصل شیئاً فشیئاً إلى زمن ینتهی عمره بعجز فی القلب، ولکن تطبیق الأوامر الصحیة ومجابهة الأمراض یمکن أن یطیل فی عمر الإنسان، وفی حالة عدم مراعاة هذه الاُمور فإنّ من المحتمل أن یقلل ذلک من عمره ویحین أجله بسرعة.(2)