لاقدرة لهم للدفاع ولا طریقاً للفرار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المرسلات / الآیة 29 ـ 40 سورة المرسلات / الآیة 41 ـ 50

فی هذه الآیات تبیان لمصیر المکذبین بیوم القیامة، والمنکرین لتلک المحکمة الإلهیّة العادلة، تبیان یدخل الرعب والرهبة فی قلب الإنسان، ویوضح أبعاد الفاجعة، یقول تعالى: (انطلقوا إلى ما کنتم به تکذبون)، انطلقوا إلى جهنّم التی طالما کنتم تستهزئون بها، توجهوا إلى أنواع العذاب التی هیئتموها بأعمالکم السیئة.

(انطلقوا): من مادة (إنطلاق) وهو الإنتقال من غیر مکث، ویظهر منه کذلک الحریة المطلقة، وهذا فی الحقیقة توضیح لحالهم فی عرصة المحشر إذ یوقفوهم للحساب مدّة طویلة، ثمّ یترکونهم ویقال لهم: انطلقوا إلى جهنّم من غیر مکث أو توقف. ومن الممکن أن یکون المتکلم هنا هو الله تعالى، أو ملائکة العذاب، وعلى کلّ حال فإنّه سیاق ممزوج بالتوبیخ الشدید الذی یعتبر بحدّ ذاته عذاباً مؤلماً.

ثمّ یعمد إلى مزید من التوضیح حول هذا العذاب، فیقول سبحانه:(انطلقوا إلى ظل ذی ثلاث شعب): توجهوا نحو ظلّ من دخان خانق له ثلاث شعب: شعبة من الأعلى، وشعبة من الجهة الیمنى، وشعبة من الجهة الیسرى، وعلى هذا الأساس فإنّ دخان النّار الممیت هذا یحیط بهم من کل جانب ویحاصرهم.

ثمّ یقول تعالى: (لا ظلیل ولا یغنی من اللهب) فلیس فی هذا الظل راحة، ولا یمنع من الإحتراق بالنّار لأنّه نابع من النّار.

وربّما کان التعبیر بـ (ظل) سبباً لتصور وجود الظل الذی یخفف من حرارة النّار، ولکنّ هذه الآیة تنفی هذا التصور وتقول: لیس هذا الظل کما تتصورون، أنّه ظل محرق وخانق، وناتج من دخان النّار الغلیظ الذی یعکس حرارة اللهب بصورة کاملة(1) ویشهد على هذا الحدیث قوله تعالى فی سورة الواقعة حول أصحاب الشمال: (فی سموم وحمیم * وظل من یحموم * لابارد ولا کریم).(2)

وقیل: إنّ هذه الشعب الثلاث هی انعکاس للتکذیبات الثلاثة لأساس الدین، وهی التوحید والنبوّة والمعاد، لأنّ تکذیب المعاد لا ینفصل عن التکذیب بالنبوّة والتوحید، وقیل، إنّهاإشارة إلى مبادىء الذنوب الثلاثة: القوّة الغضبیة والشهویة والوهمیة، نعم، إنّ ذلک الدخان المظلم تجسید لظلمات الشهوات.

ثمّ یضیف وصفاً آخر لتلک النار المحرقة: (إنّها ترمی بشرر کالقصر)(3) لیس کشرر نار هذه الدنیا التی لا تکون أحیاناً إلاّ بمقدار رأس الإبرة، التعبیر بـ «القصر» هنا تعبیر ملیء بالمعنى، وربّما یتوهّم أحد أنّه لو قیل شررٌ کالجبل کان أنسب، ولکن لا ینبغی نسیان أنّ الجبال کما اُشیر إلیها فی الآیات السابقة هی أساس أنواع البرکات وعیون المیاه العذبة والسائغة، ولکن قصور الظالمین هی التی تکون منشأ للنیران المحرقة والشرر المتطایر منه(4).

ثمّ ینتهی فی الآیة الاُخرى إلى وصف آخر من أوصاف هذه النّار المحرقة، فیقول تعالى: (کأنّه جمالت صفر)(5).

«جماله»: جمع «جمل»، وهو البعیر(مثل الحجر والحجارة) و«صفر» ـ على وزن قفل ـ جمع أصفر ویطلق أحیاناً على اللون الداکن المائل إلى الأسود، ولکنّ الأوّل یبدو أنسب، لأنّ شرر النّار یکون أصفر مائلاً إلى الحمرة، وفی الآیة السابقة شبّه حجم الشرر بالقصر الکبیر، وفی هذه الآیة من حیث الکثرة واللون والسرعة والحرکة والتفرق لجمیع الجهات شبهها بمجموعة من الجمال الصفر المتجهة إلى کل صوب.

وإذا کان الشرر هکذا، فکیف بالنار المحرقة نفسها، وما جعل من العذاب الألیم فی تلک النّار؟!

ویعود مرة اُخرى فی آخر قسم من الآیات لینبّه بذلک التنبیه المکرر، فیقول: (ویل یومئذ للمکذبین).

ثمّ یبدأ فصلاً آخر من علامات ذلک الیوم المهول، فیضیف تعالى: (هذا یوم لا ینطقون)(6).

نعم إنّ الله یختم فی ذلک الیوم على أفواه المجرمین والمذنبین کقوله فی الآیة 65 من سورة یس: (الیوم نختم على أفواههم)، وکذلک ما ورد فی آخرها: (وتکلمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم) وطبقاً لآیات اُخر فإنّ جلودهم تبدأ بالتکلم وتکشف عن جمیع الخفایا.

ثمّ یضیف تعالى فی القول: (ولا یؤذن لهم فیعتذرون)(7) لیس لهم الرخصة فی الکلام، ولا فی الإعتذار والدفاع عن أنفسهم، لأنّ الحقائق واضحة هناک، ولیس لدیهم ما یقولوه، نعم یجب أن یعاقب هذا اللسان الذی أساء الاستفادة من الحریة وسعى فی تکذیب الأنبیاء، والإستهزاء بالأولیاء، وإبطال الحق وإحقاق الباطل.. یجب أن یعاقب على أعماله بالإقفال والختم، لإبطال مفعوله، وهذا عذاب شدید وألیم بحدّ ذاته أن لا یتمکن الإنسان هناک من الدفاع عن نفسه أو الإعتذار.

روی عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «الله أجل وأعدل وأعظم من أن یکون لعبده عذر ولا یدعه یعتذر به، لکنه فلج فلم یکن له عذر»(8).

وبالطبع یستفاد من بعض الآیات القرآنیة أنّ المجرمین یتحدثون أحیاناً فی یوم القیامة، وقد ذکرنا السبب فیما سبق أنّ ذلک لتعدد المواقف فی یوم القیامة، ففی بعض المواقف یتوقف اللسان ویبدأ دور الأعضاء بالشهادة، وأحیاناً اُخرى ینطق اللسان بکلمات الحسرة والندم والأسف الشدید.

ثمّ یکرر تعالى فی نهایة هذا المقطع قوله: (ویل یومئذ للمکذّبین).

فی المقطع الآخر یوجه الخطاب إلى المجرمین لیحکی عمّا یجری فی ذلک الیوم فیقول تعالى: (هذا یوم الفصل جمعناکم والأولین) جمعنا فی هذا الیوم جمیع البشر من دون استثناء للحساب، وفصل الخصام فی هذه العرصة والمحکمة العظمى.

ویقول: والآن إذا کان لکم قدرة على الفرار من العقاب فاعملوا ما بدا لکم: (فإن کان لکم کیدٌ فکیدون)(9).

هل یمکنکم الهرب من دائرة نفوذ حکومتی؟

أو هل یمکنکم التغلّب على قدرتی؟

أو هل تستطیعون دفع الفدیة لتتحرروا؟

أو أنّ لکم القدرة على أن تخدعوا الملائکة الموکلین بکم وبحسابکم؟

اعملوا ما بدا لکم ولکن اعلموا أنّکم لا تستطیعون!!

فی الحقیقة إنّه أمرٌ تعجیزی، أی أنّ الإنسان یعجز أمام هذا الأمر، کالذی جاء فی شأن القرآن المجید حیث یقول تعالى: (إن کنتم فی ریب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله).(10)

(کید): على وزن (صید) یقول الراغب فی مفرداته: هو نوع من الاحتیال، ویکون أحیاناً مذموماً، وأحیاناً ممدوحاً، وإن کان الغالب استعماله فی الذم (کما هو الحال فی الآیة محل بحثنا).

ومن الطبیعی أنّهم لم یستطیعوا شیئاً فی ذلک الیوم، لأنّ ذلک الیوم تنقطع فیه جمیع الأسباب والوسائل أمام الإنسان، کما ورد فی الآیة 166 من سورة البقرة: (وتقطعت بهم الإسباب).

والملاحظ أنّه یقول من جهة: ذلک الیوم (یوم الفصل) ومن جهة اُخرى یقول: ذلک الیوم (یوم الجمع) وکلاهما یتحققان فی وقت واحد، فیجمعون أوّلاً فی تلک المحکمة العظیمة، ثمّ یفصلون کل حسب عقیدته وعمله فی صفوف مختلفة، حتى الذین ینطلقون إلى الجنان فإنّ لهم صفوفاً ودرجات، والمتوجهون إلى جهنّم أیضاً لهم صفوف ودرکات مختلفة، نعم إنّ ذلک الیوم هو یوم فصل الحق عن الباطل، والظالم عن المظلوم.

ثمّ أنّه تعالى أعاد تلک الجملة المهددة والمنبّهة مرّة اُخرى، وقال: (ویل یومئذ للمکذبین).


1. «لا ظلیل» صفة لـ (ظل) ولهذا جاء مجروراً.
2. الواقعة، 42 ـ 44.
3. «شرر» على وزن (ضرر) جمع «شرارة»، وهو ما یتطایر من النّار، وأخذت من مادة (الشر).
4. نقل بعض المفسّرین کالفخر الرازی عن ابن عباس فی تفسیر «القصر» فقال: أعواد فی الصحراء کانوا یقطعونها ثمّ یجمعوها ویضعوها فوق بعض للشتاء (لا یستبعد هذا التفسیر أیضاً وذلک لما کانوا یشبهون الأعواد المجموعة والمتراصة بالقصر العالی).
5. لعلّ ضمیر (کأنّه) یعود على (قصر) أو إلى (الشرر) وبما أنّ (شرر) بصیغة الجمع فلا یمکن ذلک من دون تأویل إلاّ أن نجعل (شرر) اسم جمع.
6. یجب الإلتفات إلى أن (یوم) هنا غیر مُنَوَّن، لأنه اُضیف إلى مفهوم الجملة (لا ینطقون).
7. قد یتساءل عن السبب فی کون جملة (فیعتذرون) مرفوعة فی حین أن القاعدة تنص على النصب وحذف النون، قیل: أنّهم ترکوا الإعتذار، لأنّهم لا عذر لهم ولیس لعدم الإذن الإلهی.
8. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 490، ح 22.
9. «النون» فی «فکیدون» مکسورة وجاءت الکسرة محل یاء المتکلم، وأصلها (فکیدونی) فحذفت الیاء وبقیت الکسرة لتدل على الیاء، وضمیر المتکلم یعود إلى ذات الله المقدّسة طبقاً لظاهر الآیات، واحتمال رجوعه إلى شخص النّبی(صلى الله علیه وآله) بعید جدّاً.
10. البقرة، 23.
سورة المرسلات / الآیة 29 ـ 40 سورة المرسلات / الآیة 41 ـ 50
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma