لا أمان للعاصین من عقاب الله:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة الملک / الآیة 15 ـ 18 سورة الملک / الآیة 19 ـ 21

بعد الأبحاث التی إستعرضناها فی الآیات السابقة بالنسبة لأصحاب النار وأصحاب الجنّة، والکافرین والمؤمنین، یشیر تعالى فی الآیات مورد البحث إلى بعض النعم الإلهیّة، ثمّ إلى أنواع من عذابه، وذلک للترغیب والتشویق بالجنّة لأهل الطاعة، والإنذار بالنار لأهل المعصیة، یقول تعالى: (هو الذی جعل لکم الأرض ذلولا فامشوا فی مناکبها وکلوا من رزقه وإلیه النشور).

«ذلول» بمعنى (مطیع) وهو أجمل تعبیر یمکن أن یطلق على الأرض، لأنّ هذا المرکب السریع السیر جدّاً، مع حرکته المتعدّدة، یلاحظ هادئاً إلى حدّ یبدو وکأنّه ساکناً بصورة مطلقة.

یقول بعض العلماء: إنّ للأرض أربع عشرة حرکة مختلفة، ثلاث منها هی:

الاُولى: حرکتها حول نفسها.

والثانیة: حول الشمس.

والثالثة: مع مجموعة المنظومة الشمسیة فی وسط المجرّة.

هذه الحرکات التی تکون سرعتها عظیمة، هی من التناسب والانسجام إلى حدّ لم یکن لیصدق أحد أنّ للأرض حرکة لولا إقامة البراهین القطعیة على حرکتها.

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى. فإنّ قشرة الأرض لیست قویّة وقاسیة إلى حدّ لا یمکن معه العیش فوقها، ولا ضعیفة لیّنة لا قرار لها ولا هدوء، وبذلک فإنّها مناسبة لحیاة البشر تماماً، فلو کان معظم سطح الکرة الأرضیة مغموراً بالوحل، والمستنقعات ـ مثلا ـ فعندئذ تتعذّر الاستفادة منها، وکذلک لو کانت الرمال الناعمة تغمرها فإن قدم الإنسان تغور فیها حتى الرکب، وکذا لو کانت مکوّناتها من الصخور الحادّة القاسیة فعندئذ یتعذّر المشی علیها، ومن هنا یتّضح معنى استقرار الأرض وهدوئها.

ومن جهة ثالثة فإنّ بعدها عن الشمس لیس هو بالقریب منها إلى حدّ یؤدّی بحرارة الشمس إلى أن تحرق کلّ شیء على وجهها، ولا هو ببعید عنها بحیث یتجمّد کلّ شیء على سطحها.

وکذلک بالنسبة لضغط الهواء على الکرة الأرضیة، فإنّه متناسب بما یؤدّی إلى هدوء الإنسان وراحته، فهو لیس بالشدید بالصورة التی یسبّب له الاختناق، ولا بالمنخفض بالشکل الذی یتلاشى فیه معه.

والأمر نفسه یقال فی الجاذبیة الأرضیة، هی لیست شدیدة إلى حدّ تتهشّم فیها عظام الإنسان، ولا بالضعیفة التی یکون فیها معلّقاً لا یستطیع الاستقرار فی مکان.

والخلاصة: إنّ الأرض (ذلول) ومطیعة ومسخّرة لخدمة الإنسان فی جمیع المجالات، والظریف هنا بعد وصفه تعالى للأرض بأنّها (ذلول) أمره لعباده بأن یسیروا فی (مناکبه).

و«مناکب» جمع (منکب) على وزن (مغرب) بمعنى الکتف، وبذلک تسخر الأرض للإنسان ویضع قدمیه علیها سائراً على کتفها وهی هادئة ومتوازیة ومحتفظة بتعادلها.

کما تحمل فی نفس الوقت إشارة إلى ضرورة السعی فی الأرض فی طلب الرزق والحصول علیه، وإلاّ فسیکون الحرمان نصیب القاعدین والمتخلّفین عن السعی.

إنّ التعبیر بـ (الرزق) ـ هنا ـ تعبیر جامع وشامل، حیث یعنی کافّة الموارد الأرضیة، وهو أعمّ من النعم الحیوانیة والنباتیة والمعدنیة التی فیها.

ویجب الالتفات إلى أنّ هذا لیس هو الهدف الأساس لخلقکم، إذ إنّ کلّ ذلک وسائل فی طریق (نشورکم) وبعثکم وحیاتکم الأبدیة.

وبعد هذا الترغیب والتشویق یستعرض تعالى اُسلوب التهدید والإنذار فیقول سبحانه: (أأمنتم من فی السماء أن یخسف بکم الأرض فإذا هی تمور).

نعم، إنّ الباریء تعالى إذا أمر أو أراد فإنّ هذه الأرض الذلول الهادئة تکون فی حالة هیجان وطغیان کدابة جموح، تبدأ بالزلازل، وتتشقّق وتدفنکم وبیوتکم ومدنکم تحت ترابها وحجرها، وتبقى راجفة مضطربة مزمجرة بعد أن تقضی علیکم وعلى مساکنکم التی متّعتم فیها برهة من الزمن.

جملة (فإذا هی تمور) یمکن أن تکون إشارة إلى قدرة الله سبحانه على أن یأمر الأرض أن تبتلعکم، وتنقلکم باستمرار ـ وأنتم فی داخلها ـ من مکان إلى آخر بحیث أنّ الهدوء لا یشملکم حتى وأنتم فی قبورکم.

وهکذا تفقد الأرض استقرارها وهدوءها إلى الأبد، وتسیطر الزلازل علیها، وهذا الأمر سهل الإدراک والتصوّر للذین عاشوا فی المناطق الزلزالیة، وشاهدوا کیف أنّ الزلازل تستمر عدّة أیّام أحیاناً وتبقى الأرض غیر مستقرّة وتسلب من سکّان تلک المناطق لذّة النوم والأکل والراحة، غیر أنّ تصوّر هذا الأمر بالنسبة إلى عامّة الناس الذین ألفوا هدوء الأرض أمر صعب.

التعبیر بـ (من فی السماء) إشارة إلى ذات الله المقدّسة، ولمّا کانت حاکمیته على جمیع السماوات ومن فیها من الاُمور المسلّمة، فما بالک بحاکمیته على الأرض، إنّها من الاُمور التی لا شکّ فیها ـ أیضاً ـ بل هی من باب الاُولى.

قال البعض: إنّ العبارة السابقة إشارة إلى ملائکة الله سبحانه فی السماء المکلّفین بتنفیذ أوامره تعالى.

ثمّ یضیف سبحانه: (أم أمنتم من فی السماء أن یرسل علیکم حاصب) فلا یلزم حتماً حدوث زلزلة لتدمیرکم، بل یکفی أن نأمر عاصفة رملیة لتدفنکم تحت رمالها... وحینئذ ستعلمون حقیقة إنذاری وتهدیدی: (فستعلمون کیف نذیر).

إنّ إدراک طبیعة هذا التساؤل سهل بالنسبة إلى الأشخاص الذین عاشوا فی المناطق الرملیة المتحرّکة والریاح (الحاصبة)، (وهی الریاح التی تحرّک کمیّات الحصى المتراکمة وتنقلها من مکان إلى آخر) فهؤلاء یدرکون إمکانیة دفن البیوت أو القرى فی لحظات تحت تلال من الحصى والرمال المتحرّکة، وکذلک القوافل السائرة فی وسط الصحراء.

وفی الحقیقة فإنّ الآیات أعلاه تؤکّد أنّ عذاب العاصین والمجرمین لا ینحصر فی یوم القیامة فقط، حیث یستطیع الباریء عزّوجلّ أن یقضی على حیاتهم فی هذه الدنیا بحرکة

بسیطة للأرض، أو بحرکة الریاح، وإن أفضل دلیل على هذه الإمکانیة الإلهیة هو وقوع مثل هذه الاُمور فی الاُمم السابقة.

لذا فإنّ الله تعالى یقول فی آخر آیة من هذه الآیات: (ولقد کذّب الذین من قبلهم فکیف کان نکیر)(1).

نعم فلقد عاقبنا قسماً من هؤلاء بالزلازل المدمّرة، وأقواماً آخرین بالصواعق، وبالطوفان، وبالریاح... وبقیت مدنهم المدمّرة موضع درس واعتبار لمن کان له قلب واع.


1. «نکیر» بمعنى «الإنکار» وجاءت هنا کنایة عن العقوبة، لأنّ إنکار الله تعالى مقابل أفعال هؤلاء القوم جاءت عن طریق مجازاتهم، وممّا یجب الانتباه له أنّ هذه الکلمة کانت فی الأصل «نکیری»، کما أنّ «نذیر» فی الآیة السابقة أصلها «نذیری»، فحذفت یاء المتکلّم وبقیت الکسرة تدلّ علیها.
سورة الملک / الآیة 15 ـ 18 سورة الملک / الآیة 19 ـ 21
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma