لا تستعجل بعذابهم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القلم / الآیة 46 ـ 50  سورة القلم / الآیة 51 ـ 52

استمراراً للاستجواب الذی تمّ فی الآیات السابقة للمشرکین والمجرمین، یضیف الباریء عزّوجلّ سؤالین آخرین، حیث یقول فی البدایة: (أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون).

أی إذا کانت حجّتهم أنّ الاستجابة لدعوتک تستوجب أجراً مادیاً کبیراً، وأنّهم غیر قادرین على الوفاء به، فإنّه کذب، حیث أنّک لم تطالبهم بأجر، کما لم یطلب أی من رسل الله أجراً.

«مغرم» من مادّة (غرامة) وهی ما یصیب الإنسان من ضرر دون أن یرتکب جنایة، و(مثقل) من مادّة (ثقل) بمعنى الثقل، وبهذا فإنّ الله تعالى أسقط حجّة اُخرى ممّا یتذرّع به المعاندون.

وقد وردت الآیة أعلاه وما بعدها (نصّاً) فی سورة الطور آیة 40 و41.

ثمّ یضیف واستمراراً للحوار بقوله تعالى: (أم عندهم الغیب فهم یکتبون).

حیث یمکن أن یدّعی هؤلاء بأنّ لهم إرتباطاً بالله سبحانه عن طریق الکهنة، أو أنّهم یتلقّون أسرار الغیب عن هذا الطریق فیکتبونها ویتداولونها، وبذلک کانوا فی الموقع المتمیّز على المسلمین، أو على الأقل یتساوون معهم.

ومن المسلّم به أنّه لا دلیل على هذا الادّعاء أیضاً، إضافةً إلى أنّ لهذه الجملة معنى (الاستفهام الإنکاری)، ولذا فمن المستبعد ما ذهب إلیه البعض من أنّ المقصود من الغیب هو

(اللوح المحفوظ)، والمقصود من الکتابة هو القضاء والقدر، وذلک لأنّهم لم یدّعوا أبداً أنّ القضاء والقدر واللوح المحفوظ فی أیدیهم.

ولأنّ العناد واللامنطقیة التی کان علیها أعداء الإسلام تؤلم رسول الله(صلى الله علیه وآله) وتدفعه إلى أن یدعو الله علیهم، لذا فإنّه تعالى أراد أن یخفّف شیئاً من آلام رسوله الکریم، فطلب منه الصبر وذلک قوله تعالى: (فاصبر لحکم ربّک).

أی انتظر حتى یهیء الله لک ولأعوانک أسباب النصر، ویکسر شوکة أعدائک، فلا تستعجل بعذابهم أبداً، واعلم بأنّ الله ممهلهم وغیر مهملهم، وما المهلة المعطاة لهم إلاّ نوع من عذاب الإستدراج.

وبناءً على هذا فإنّ المقصود من (حکم ربّک) هو حکم الله المقرّر الأکید حول انتصار المسلمین.

وقیل أنّ المقصود منها هو: أن تستقیم وتصبر فی طریق إبلاغ أحکام الله تعالى.

کما یوجد احتمال آخر أیضاً وهو أنّ المقصود بالآیة أنّ حکم الله إذا جاء فعلیک أن تستسلم لأمره تعالى وتصبر، لأنّه سبحانه قد حکم بذلک(1).

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل أنسب.

ثمّ یضیف تعالى: (ولا تکن کصاحب الحوت إذ نادى وهو مکظوم):

والمقصود من هذا النداء هو ما ورد فی قوله تعالى: (فنادى فی الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانک إنّی کنت من الظالمین)(2).

وبذلک فقد إعترف النّبی یونس(علیه السلام) بترک الأولى، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى، کما یحتمل أن یکون المقصود من هذا النداء هو اللعنة التی أطلقها على قومه فی ساعة غضبه، إلاّ أنّ المفسّرین إختاروا التّفسیر الأوّل لأنّ التعبیر  بـ «نادى» فی هذه الآیة یتناسب مع ما ورد فی الآیة 87 من سورة الأنبیاء، حیث من المسلّم انّه نادى ربّه عندما کان(علیه السلام) فی بطن الحوت.

«مکظوم» من مادّة (کظم) على وزن (هضم) بمعنى الحلقوم، و(کظم السقاء) بمعنى سدّ فوهة القربة بعد امتلائها، ولهذا السبب یقال للأشخاص الذین یخفون غضبهم وألمهم ویسیطرون على إنفعالاتهم ویکظمون غیظهم... بأنّهم: کاظمون، والمفرد: کاظم، ولهذا السبب یستعمل هذا المصطلح أیضاً بمعنى (الحبس).

وبناءً على ما تقدّم فیمکن أن یکون للمکظوم معنیان فی الآیة أعلاه: المملوء غضباً وحزناً، أو المحبوس فی بطن الحوت، والمعنى الأوّل أنسب، کما ذکرنا.

ویضیف سبحانه فی الآیة اللاحقة: (لولا أن تدارکه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم)(3).

من المعلوم أنّ یونس(علیه السلام) خرج من بطن الحوت، واُلقی فی صحراء یابسة، عبّر عنها القرآن الکریم بـ (العراء) وکان هذا فی وقت قَبِل الله تعالى فیه توبته وشمله برحمته، ولم یکن أبداً مستحقّ(علیه السلام) للذمّ.

ونقرأ فی قوله تعالى: (فنبذناه بالعراء وهو سقیم * وأنبتنا علیه شجرة من یقطین)(4) کی یستریح فی ظلالها.

کما أنّ المقصود من (النعمة) فی الآیة أعلاه هو توفیق التوبة وشمول الرحمة الإلهیة لحاله(علیه السلام) حسب الظاهر.

وهنا یطرح سؤالان:

الأوّل: هو ما جاء فی الآیتین 143 و144 من سورة الصافات فی قوله تعالى: (فلولا أنّه کان من المسبّحین * للبث فی بطنه إلى یوم یبعثون) وهذا مناف لما ورد فی الآیة مورد البحث.

وللجواب على هذا السؤال یمکن القول: کانت بإنتظار یونس(علیه السلام) عقوبتان: إحداهما شدیدة، والاُخرى أخفّ وطأة، الاُولى الشدیدة هی أن یبقى فی بطن الحوت إلى یوم یبعثون، والأخفّ: هو أن یخرج من بطن الحوت وهو مذموم وبعید عن لطف الله سبحانه، وقد کان جزاؤه(علیه السلام) الجزاء الثانی، ورفع عنه ما ألمّ به من البعد عن الألطاف الإلهیّة حیث شملته برکة الله عزّوجلّ ورحمته الخاصّة.

والسؤال الثانی: یتعلّق بما جاء فی قوله تعالى: (فالتقمه الحوت وهو ملیم)(5) وإنّ ما یستفاد من الآیة مورد البحث أنّه(علیه السلام) لم یکن ملوماً ولا مذموماً.

ویتّضح الجواب على هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ الملامة کانت فی الوقت الذی التقمه الحوت توّاً، وأنّ رفع المذمّة کان متعلّقاً بوقت التوبة وقبولها من قبل الله تعالى، ونجاته من بطن الحوت.

لذا یقول الباریء عزّوجلّ فی الآیة اللاحقة: (فاجتباه ربّه فجعله من الصالحین).

وبذلک فقد حمّله الله مسؤولیة هدایة قومه مرّة اُخرى، وعاد إلیه یبلّغهم رسالة ربّه، ممّا کانت نتیجته أن آمن قومه جمیعاً، وقد منّ الله تعالى علیهم بألطافه ونعمه وأفضاله لفترة طویلة.

وقد شرحنا قصّة یونس(علیه السلام) وقومه، وکذلک بعض المسائل الاُخرى حول ترکه لـ (الأولى) واستقراره فترة من الزمن فی بطن الحوت والإجابة على بعض التساؤلات المطروحة فی هذا الصدد بشکل مفصّل فی تفسیر الآیات 139 ـ 148 من سورة الصافات وکذلک فی تفسیر الآیات 87 و88 من سورة الأنبیاء.


1. فی هذه الصورة ستکون «اللام» فی (لحکم ربّک) هی لام التعلیل.
2. الأنبیاء، 87.
3. مع انّ «النعمة» مؤنث، إلاّ أنّ فعلها «تدارکه» جاء بصورة مذکر، وسبب هذا أنّ فاعل المؤنث یکون لفظیاً، وأنّ الضمیر المفعول أصبح فاصلا بین الفعل والفاعل (فتأمّل!).
4. الصافات، 145 و146.
5. الصافات، 142.
سورة القلم / الآیة 46 ـ 50  سورة القلم / الآیة 51 ـ 52
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma