لو نزل القرآن على جبل:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة الحشر / الآیة 21 ـ 24 1ـ التأثیر الخارق للقرآن الکریم

تکملة للآیات السابقة التی کانت تهدف إلى تحریک النفوس والقلوب الإنسانیة، وخاصّة عن طریق التذکیر بالنهایة التی یکون علیها الإنسان، والمصیر الذی ینتظره، والذی یجدر أن یهیّئه فی أبهى وأفضل صورة... تأتی هذه الآیات المبارکات التی هی آخر آیات سورة الحشر، والتی تأخذ بنظر الاعتبار مجمل ما ورد من آیات هذه السورة، لتوضّح حقیقة اُخرى حول القرآن الکریم، وهی: أنّ هذا الکتاب المبارک له تأثیر عمیق جدّاً حتى على الجمادات، حیث إنّه لو نزل على الجبال لهزّها وحرّکها وجعلها فی وضع من الإضطراب المقترن بالخشوع إلاّ أنّه ـ مع الأسف ـ هذا الإنسان القاسی القلب یسمع آیات الله تتلى علیه ولا تتحرّک روحه ولا یخشع قلبه، یقول سبحانه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأیته خاشعاً متصدّعاً من خشیة الله وتلک الأمثال نضربها للناس لعلّهم یتفکّرون).

فسّر الکثیر من المفسّرین هذه الآیات بأنّها تشبیه، وقالوا: إنّ الهدف من ذلک هو بیان

أنّ هذه الآیات إذا نزلت على الجبال بکلّ صلابتها وقوّتها إذا کان لها عقل وشعور ـ بدلا من نزولها على قلب الإنسان ـ فانّها تهتزّ وتضطرب إلى درجة أنّها تتشقّق، إلاّ أنّ قسماً من الناس ذوی القلوب القاسیة والتی هی کالحجارة أو أشدّ قسوة لا یسمعون ولا یعون ولا یتأثّرون أدنى تأثیر، وجملة: (وتلک الأمثال نضربها للناس) اعتبرت دلیلا وشاهداً على هذا الفهم.

وقد حملها البعض الآخر على ظاهرها وقالوا: إنّ کلّ الموجودات فی هذا العالم ـ ومن جملتها الجبال ـ لها نوع من الإدراک والشعور الخاصّ بها، وإذا نزلت هذه الآیات علیها فانّها ستتلاشى، ودلیل هذا ما ورد فی الآیة 74 من سورة البقرة فی وصف جماعة من الیهود، قال تعالى: (ثمّ قست قلوبکم من بعد ذلک فهی کالحجارة أو أشدّ قسوة وانّ من الحجارة لما یتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما یشقّق فیخرج منه الماء وانّ منها لما یهبط من خشیة الله).

والتعبیر بـ (مثل) یمکن أن یکون بمعنى هذا الوصف، کما جاءت هذه الکلمة مراراً مجسّدة لنفس المعنى، وبناءً على هذا، فإنّ التعبیر المذکور لا یتنافی مع هذا التّفسیر.

والشیء الممکن ملاحظته هنا، أنّه تعالى یقول فی البدایة: إنّ الجبال تخشع وتخضع للقرآن الکریم، ویضیف أنّها تتشقّق، إشارة إلى أنّ القرآن الکریم ینفذ تدریجیّاً فیها، وبعد کلّ فترة تظهر علیها آثار جدیدة من تأثیرات القرآن الکریم، إلى حدّ تفقد فیه قدرتها واستطاعتها فتکون کالعاشق الواله الذی لا قرار له ثمّ تنصدع وتنشقّ(1).

الآیات اللاحقة تستعرض قسماً مهمّاً من صفات جمال وجلال الله سبحانه، التی لکلّ واحدة منها الأثر العمیق فی تربیة النفوس وتهذیب القلوب، وتحوی الآیات القرآنیة الثلاثة خمسة عشر وصفاً لله سبحانه، أو بتعبیر آخر فإنّ ثمانی عشرة صفة من صفاته العظیمة تذکرها ثلاث آیات، وکلّ منها تتعلّق ببیان التوحید الإلهی والاسم المقدّس، وتوضّح للإنسان طریق الهدایة إلى العالم النورانی لأسماء وصفات الحقّ سبحانه، یقول تعالى: (هو الله الذی لا إله إلاّ هو عالم الغیب والشهادة هو الرحمن الرحیم).

هنا وقبل کلّ شیء یؤکّد على مسألة التوحید، التی هی أصل لجمیع صفات الجمال والجلال، وهی الأصل والأساس فی المعرفة الإلهیّة، ثمّ یذکر علمه بالنسبة للغیب والشهود.

«الشهادة» و«الشهود» ـ کما یقول الراغب فی المفردات ـ هی الحضور مقترناً بالمشاهدة سواء بالعین الظاهرة أو بعین البصیرة، وبناءً على هذا، فکلّ مکان تکون للإنسان فیه إحاطة حسیّة وعلمیة یطلق علیها عالم الشهود، وکلّ ما هو خارج عن هذه الحدود یطلق علیه «عالم الغیب» وکلّ ذلک فی مقابل علم الله سواء، لأنّ وجوده اللامتناهی فی کلّ مکان حاضر وناظر، فلا مکان ـ إذن ـ خارج حدود علمه وحضوره، قال تعالى: (وعنده مفاتح الغیب لا یعلمها إلاّ هو)(2).

والتوجّه بهذا الفهم نحو الذات الإلهیّة یؤدّی بالإنسان إلى الإیمان بأنّ الله حاضر وناظر فی کلّ مکان، وعندئذ یتسلّح بالتقوى، ثمّ یعتمد على رحمته العامّة التی تشمل جمیع الخلائق: (الرحمن) ورحمته الخاصّة التی تخصّ المؤمنین، (والرحیم) لتعطی للإنسان أملا، ولتعینه فی طریق بناء نفسه والتکامل بأخلاقه وسلوکه بالسیر نحو الله، لأنّ هذه المرحلة ـ الحیاة الدنیا ـ لا یمکن للإنسان أن یجتازها بغیر لطفه، لأنّها ظلمات وخطر وضیاع.

وبهذا العرض ـ بالإضافة إلى صفة التوحید ـ فقد بیّنت الآیة الکریمة ثلاثة من صفاته العظیمة، التی کلّ منها تلهمنا نوعاً من المعرفة والخشیة لله سبحانه.

أمّا فی الآیة اللاحقة، فبالإضافة إلى التأکید على مسألة التوحید فإنّها تذکر ثمانیة صفات اُخرى لله سبحانه، حیث یقول الباریء عزّوجلّ: (هو الله الذی لا إله إلاّ هو).

(الملک) الحاکم والمالک الحقیقی لجمیع الکائنات.

(القدّوس) المنزّه من کلّ نقص وعیب.

(السلام)(3) لا یظلم أحد، وجمیع الخلائق فی سلامة من جهته.

وأساساً فإنّ دعوة الله تعالى هی للسلامة (والله یدعو إلى دار السلام)(4).

وهدایته أیضاً باتّجاه السلامة (یهدی به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام)(5)

والمقرّ الذی اُعدّ للمؤمنین أیضاً هو: بیت السلامة (لهم دار السلام عند ربّهم).(6)

وتحیّة أهل الجنّة أیضاً لیست بشیء سوى السلام: (إلاّ قیلا سلاماً سلام).(7)

ثمّ یضیف سبحانه:

(المؤمن)(8) یعطی الأمان لأحبّائه، ویتفضّل علیهم بالإیمان.

(المهیمن) الحافظ والمراقب لکلّ شیء(9).

(العزیز) القادر الذی لا یقهر.

(الجبّار) مأخوذ من (جبر) یأتی أحیاناً بمعنى القهر والغلبة ونفوذ الإرادة، وأحیاناً بمعنى الإصلاح والتعویض، وجمع الراغب فی المفردات بین کلا المعنیین حیث یقول: «وأصل (جبر) إصلاح شیء بالقوّة والغلبة» وعندما یستعمل هذا اللفظ لله تعالى، فإنّه یبیّن أحد صفاته الکبیرة، حیث إنّ نفوذ إرادته، وکمال قدرته یصلح کلّ فساد. وإذا استعملت فی غیر الله أعطت معنى المذمّة، وکما یقول الراغب فإنّها تطلق على الشخص الذی یرید تعویض نقصه بإظهاره لاُمور غیر لائقة، وقد ورد هذا المصطلح عشر مرّات فی القرآن الکریم، تسع مرّات حول الأشخاص الظالمین والمستکبرین المتسلّطین على رقاب الاُمّة والمفسدین فی الأرض ومرّة واحدة فقط عن الله القادر المتعال، حیث ورد بهذا المعنى فی الآیة مورد البحث.

ثمّ یضیف سبحانه: (المتکبّر).

«المتکبّر» من مادّة (تکبّر) وجاءت بمعنیین:

الأوّل: إستعملت صفة المدح، وقد اُطلقت على لفظ الجلالة، وهو إتّصافه بالعلو والعظمة والسمات الحسنة بصورة عامّة.

والثّانی: استعملت صفة الذمّ وهو ما یوصف به غیر الله عزّوجلّ، حیث تطلق على الأشخاص صغار الشأن وقلیلی الأهمیّة... الذین یدّعون الشأن والمقام العالی، وینعتون أنفسهم بصفات حسنة غیر موجودة فیهم.

ولأنّ العظمة وصفات العلو والعزّة لا تکون لائقة لغیر مقام الله سبحانه، لذا استعمل هذا المصطلح هنا بمعناه الإیجابی حول الله سبحانه، وکلّما إستعمل لغیر الله أعطى معنى الذمّ.

وفی نهایة الآیة یؤکّد مرّة اُخرى مسألة التوحید التی کان الحدیث حولها ابتداءً حیث یقول تعالى: (سبحان الله عمّا یشرکون).

ومع التوضیح المذکور فإنّ من المؤکّد أنّ کلّ موجود لا یستطیع أن یکون شریکاً وشبیهاً ونظیراً للصفات الإلهیّة التی ذکرت هنا.

وفی آخر آیة مورد البحث یشیر سبحانه إلى ستّ صفات اُخرى حیث یقول تعالى:

(هو الله الخالق).

(الباریء)(10).

(المصوّر).

ولأنّ صفات الله لا تنحصر فقط بالتی ذکرت فی هذه الآیة فإنّه سبحانه یشیر إلى صفة أساسیة لذاته المقدّسة اللامتناهیة، حیث یقول عزّوجلّ: (له الأسماء الحسنى).

ولهذا السبب فإنّه سبحانه منزّه ومبرّأ من کلّ عیب ونقص (یسبّح له ما فی السماوات والأرض) ویعتبرونه تامّاً وکاملا من کلّ نقص وعیب.

وأخیراً ـ للتأکید الأکثر على موضوع نظام الخلقة ـ یشیر سبحانه إلى وصفین آخرین من صفاته المقدّسة، التی ذکر أحدهما فی السابق بقوله تعالى: (وهو العزیز الحکیم).

الاُولى دلیل کمال قدرته على کلّ شیء، وغلبته على کلّ قوّة.

والثانیة إشارة إلى علمه وإطّلاعه ومعرفته ببرامج الخلق وتنظیم الوجود وتدبیر الحیاة.

وبهذه الصورة فإنّ مجموع ما ورد فی الآیات الثلاث بالإضافة إلى مسألة التوحید التی تکرّرت مرّتین، فإنّ مجموع الصفات المقدّسة لله سبحانه تکون سبع عشرة صفة مرتبة بهذا الشکل:

1ـ عالم الغیب والشهادة.

2ـ الرحمن.

3ـ الرحیم.

4ـ الملک.

5ـ القدّوس.

6ـ السلام.

7ـ المؤمن.

8ـ المهیمن.

9ـ العزیز.

10ـ الجبّار.

11ـ المتکبّر.

12ـ الخالق.

13ـ الباریء.

14ـ المصوّر.

15ـ الحکیم.

16ـ له الأسماء الحسنى.

17ـ الموجود الذی تسبّح له کلّ موجودات العالم.

ومع صفة التوحید یصبح عدد الصفات ثمانی عشرة صفة، ویرجى الإنتباه إلى أنّ «التوحید» و«العزیز» جاء کلّ منها مرّتین.

ومن بین مجموع هذه الصفات فإنّنا نلاحظ تنظیماً خاصّاً فی الآیات الثلاث وهو: فی الآیة الاُولى یبحث عن أعمّ صفات الذات وهی (العلم) وأعمّ صفات الفعل وهی (الرحمة) التی هی أساس کلّ أعماله تعالى.

وفی الآیة الثانیة یتحدّث عن حاکمیته وشؤون هذه الحاکمیة وصفاته کـ (القدّوس والسلام والمؤمن والجبّار والمتکبّر) وبملاحظة معانی هذه الصفات ـ المذکورة أعلاه ـ فإنّ جمیعها من خصوصیات هذه الحاکمیة الإلهیّة المطلقة.

وفی الآیة الأخیرة یبحث مسألة الخلق وما یرتبط بها من إنتظام فی مقام تسلسل الخلقة والتصویر، وکذلک البحث فی موضوع القدرة والحکمة الإلهیّة.

وبهذه الصورة فإنّ هذه الآیات تأخذ بید السائرین فی طریق معرفة الله، وتقودهم من درجة إلى درجة ومن منزل إلى منزل، حیث تبدأ الآیات أوّلا بالحدیث عن ذاته المقدّسة، ومن ثمّ إلى عالم الخلقة، وتارةً اُخرى بالسیر نحو الله تعالى، حیث ترتفع روحیته إلى سمو الواحد الأحد، فیتطهّر القلب بالأسماء والصفات الإلهیّة المقدّسة، ویربى فی أجواء هذه الأنوار والمعارف، حیث تنمو براعم التقوى على ظاهر أغصان وجوده، وتجعله لائقاً لقرب جواره لکی یکون وجوداً منسجماً مع کلّ ذرّات الوجود، مردّدین معاً ترانیم التسبیح والتقدیس.

لذا فلا عجب أن تختص هذه الآیة بصورة متمیّزة فی الروایات الإسلامیة التی سنشیر إلیها فیما یلی...


1. «متصدّع» من مادّة «صدع»، بمعنى شقّ الأشیاء القویة، کالحدید والزجاج، وإذا قیل لوجع الرأس: «صداع»، فإنّه بسبب شعور الإنسان أنّ رأسه یرید أن یتشقّق من الألم.
2. الأنعام، 59.
3. فسّر البعض کلمة «سلام» هنا بمعنى «السلامة من کلّ عیب ونقص وآفة»، وبالنظر إلى أنّ هذا المعنى مندرج فی «القدّوس» والتی جاءت سابقاً، بالإضافة إلى أنّ کلمة «سلام» تقال فی القرآن الکریم فی الغالب بمعنى إعطاء السلامة للآخرین، وأساساً فإنّ کلمة سلام تقال عند اللقاء وتعنی إظهار الصداقة والمحبّة وبیان الروابط الحمیمة مع الطرف المقابل، فإنّ ما ذکرناه أعلاه هو الأنسب حسب الظاهر. (یرجى الإنتباه لذلک).
4. یونس، 25.
5. المائدة، 16.
6. الانعام، 127.
7. الواقعة، 26.
8. ذکر بعض المفسّرین أنّ المؤمن هنا بمعنى «صاحب الإیمان»، إشارة إلى أنّه أوّل شخص مؤمن بذات الله الطاهرة، وصفاته ورسله (وهو الله تعالى) إلاّ أنّ الذی ذکر أعلاه أنسب.
9. فی الأصل لهذا المصطلح قولان بین المفسّرین وأرباب اللغة، حیث اعتبره البعض من مادّة «هیمن» والتی تعنی المراقبة، والحفظ، والبعض الآخر اعتبره من مادّة «إیمان» تبدّلت الهمزة إلى الهاء بمعنى الباعث للهدوء، وورد هذا المصطلح مرّتین فی القرآن الکریم: الاُولى: حول القرآن نفسه، کما فی الآیة 48 من سورة المائدة، والثانیة: فی وصف الله سبحانه فی الآیة مورد البحث، والموردان مناسبان للمعنى الأوّل، (لسان العرب وکذلک تفسیر روح المعانی والتفسیر الکبیر).
کما نقل أبو الفتوح الرازی فی نهایة الآیة مورد البحث عن أبی عبیدة أنّه جاء فی کلام العرب خمس کلمات فقط على هذا الوزن: (مهیمن، مسیطر، مبیطر (طبیب الحیوانات) مبیقر (الذی یشقّ طریقه ویمضی فیه) مخیمر (اسم جبل)).
10. (الباریء) من مادّة «بُرء» على وزن «قفل» وهی فی الأصل بمعنى التحرّر والتخلّص من الاُمور السلبیة، ولذا یقال «باریء» للشخص الذی یوجد شیئاً غیر ناقص وموزون بصورة تامّة. وأخذه البعض ـ أیضاً ـ من مادّة «برى» على وزن «نفى» قطّ الخشب، حیث ینجز هذا العمل بقصد الموزونیة، وصرّح بعض أئمّة اللغة أیضاً بأنّ الباریء هو الذی یبدأ شیئاً لم یکن له نظیر فی السابق.
سورة الحشر / الآیة 21 ـ 24 1ـ التأثیر الخارق للقرآن الکریم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma