تأثیر الدعاء والمناجاة فی أعماق اللیل

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المزّمل / الآیة 6 ـ 10 سورة المزّمل / الآیة 11 ـ 19

تستمر هذه الآیات فی البحث حول عبادة اللیل والتعالیم المعنویة الموجودة قراءة القرآن فی اللیل، وهی بمنزلة بیان الدلیل على ما جاء فی الآیات السالفة، فیقول تعالى: (إنّ ناشئة اللیل هی أشدُّ وطأً وأقوم قیل)(1).

«الناشئة»: من مادة (نش)، على وزن نثر، وتعنی الحادثة، وقد ذکر هنا ثلاثة تفاسیر لما یراد منها.

الأوّل: المراد به ساعات اللیل الحادثة بالتوالی، أو أنّها تخصّ الساعات الأخیرة للیل والسحر.

والآخر: إنّ المراد هو إحیاء اللیل بالصلاة والعبادة وقراءة القرآن کما ورد فی حدیث عن الإمامین الصادق والباقر(علیهما السلام) حیث قالا: «هی القیام فی آخر اللیل إلى صلاة اللیل»(2).

وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة، قال: «قیامه عن فراشه لا یرید إلاّ اللّه».(3)

والثّالث: الحالات المعنویة والروحیة والنشاط والجذوة الملکوتیة التی تحصل فی القلب الإنسان وروحه فی هذه الساعات الخاصّة باللیل، والتی تکون آثارها فی روح الإنسان أعمق واستمرارها أکثر، والتّفسیران الثّانی والثّالث متلازمان، ویمکن جمعها فی ما یراد بمعنى الآیة.

«وطأً»: تعنی فی الأصل وضع القدم، وتعنی کذلک الموافقة.

والتعبیر بـ (أشدّ وط): العناء والمشقّة الحاصلة فی عبادة اللیل، أو أنّه یعنی التأثیرات الثابتة والراسخة الحاصلة من شعاع هذه العبادات فی روح الإنسان، والمعنى الثّانی أوجه.

ویحتمل أن یراد له التوافق الحاصل بین قلب الإنسان وعینه واُذنه وبالتالی تعبئتها فی طریق العبادة.

«أقوم»: من القیام، ویراد بکونها أثبت للقول وأصوب لحضور القلب.

«قیلاً»: تعنی القول، وتشیر هنا إلى ذکر اللّه وقراءة القرآن.

ومحصلة ذلک أنّ هذه الآیة من الآیات التی تحتوی على أبلغ الأحادیث حول العبادة اللیلیة، ورمز إظهار المحبّة مع المحبوب فی ساعات یختلی فیها الحبیب بحبیبه وأکثر من غیرها.

ویضیف فی الآیة الاُخرى: (إنّ لک فی النهار سبحاً طویل).

أی إنّک مشغول بهدایة الخلق وإبلاغ الرسالة وحلّ المشاکل المتنوعة، ولا مجال لک بالتوجه التام إلى ربّک والإنقطاع إلیه بالذکر، فعلیک باللیل والعبادة فیه.

وهناک معنى أدق وتفسیر یناسب الآیات السابقة أیضاً هو: أنّک تتحمل فی النهار مشاغل ثقیلة ومساعی کثیرة، فعلیک بعبادة اللیل لتقوى بها روحک وتستعد للفعالیات والنشاطات الکثیرة فی النهار.

«سبح»: على وزن مدح، وتعنی فی الأصل الحرکة والذهاب والإیّاب، ویطلق على السباحة لما فیها من الحرکة المستمرة، وکأنّه یشبه المجتمع الإنسانی بالمحیط اللامتناهی الذی یغرق فیه الکثیر من الناس، وأمواجه المتلاطمة تتحرک فی کل الجهات، وفیها من السفن المضطربة التی تبحث عن الملجأ الأمین، والرّسول(صلى الله علیه وآله) هو المنجی الوحید للغریق ، وقرآنه سفینة النجاة الوحیدة فی هذا المحیط، فعلى هذا السبّاح العظیم أن یهییء نفسه یومیاً بالعبادة اللیلة لإتمام هذه المهمّة والرسالة العظیمة.

وبعد الإشارة إلى العبادة اللیلیة، والإشارة الإجمالیة إلى الآثارها العمیقة یذکّر القرآن بخمسة أوامر اُخرى مکملة لتلک فیقول: (واذکر اسم ربّک).

والطبیعی أنّ المراد لیس ذکر الاسم فحسب، بل التوجه إلى المعنى، لأنّ الذکر اللفظی مقدمة للذکر القلبی، والذکر القلبی یبعث على صفاء القلب والروح ویروی منهل المعرفة والتقوى فی القلب.

المراد بـ «الربّ» هو الإشارة إلى التوجه إلى النعم اللامتناهیة وذلک عند الإتیان بذکره المقدس، وأن یکون ذکره ملازماً مع التوجه إلى تربیته تعالى شأنه لنا، ویبیّن بعض المفسّرین مراحل لذکر الربّ تعالى.

المرحلة الاُولى: ذکره تعالى کما أشیر إلى ذلک.

المرحلة الثّانیة: الذکر القلبی لذاته المقدسة، کما هو فی الآیة 205 من سورة الأعراف: (واذکر ربّک فی نفسک تضرعاً وخیفة).

ثمّ تبدأ المرحلة الثّالثة، وفیها یتعدى الذکر مقام الرّبوبیة لیصل إلى مقام مجموعة الصفات الجمالیة والجلالیة المجتمعة فی اللّه تعالى، کما هو فی الآیة 41 من سورة الأحزاب حیث یقول: (یا أیّها الذین آمنوا اذکروا اللّه ذکراً کثیر) وعلى هذا الأساس یستمر هذا الذکر لیتکامل فی مراحلة لیوصل الذاکر نفسه إلى أوج الکمال.(4)

ویقول فی الأمر الثّانی: (وتبتّل إلیه تبتیل).(5)

«التبتل»: من (البتل) على وزن (حتم)، وتعنی فی الأصل الإنقطاع، ولهذا سمّیت «مریم العذارء»(علیها السلام) بالبتول، لأنّها لم تتخذ لنفسها زوجاً وسمّیت الزّهراء(علیها السلام) بالبتول لأنّها کانت أفضل نساء عصرها فی السیرة والسلوک، وکانت بالغة درجة الإنقطاع إلى اللّه تعالى.

فالتبتل هو التوجه القلبی التام إلى اللّه تعالى، والإنقطاع عن غیره إلیه تعالى، والإتیان بالأعمال الخالصة للّه، وکذا الخلوص له تعالى.

وما روی عن الرّسول(صلى الله علیه وآله) قوله: «لا رهبانیة، ولا تبتل فی الإسلام»(6)، فهو اشارة لما هو حاصل فی أوساط المسیحیین فی ترکهم للدنیا، إذ أنّهم اعتزلوا الزواج لاعتزالهم الدنیا، واعتزلوا بذلک الوظائف الاجتماعیة، وهذا ما لم یکن حاصلاً عند المسلمین، إذ أن أحدهم یعیش فی أوساط المجتمع الإنسانی وهو فی نفس الوقت متوجّه إلى اللّه تعالى.

وممّا روی عن أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) «التبتل رفع الید إلى اللّه حال الصّلاة»(7) والواضح أنّ هذا هو مظهر من مظاهر الإخلاص والإنقطاع إلى اللّه.

على أیّ حال فإنّ ذلک الذکر للّه تعالى وهذا الإخلاص هما الثّروة العظیمة لأهل اللّه فی مهامهم الثقیلة لهدایة الخلق.

ثمّ ینتهی إلى الأمر الثّالث فیقول: (ربّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو فاتّخذه وکیل) وهنا تأتی مسألة إیداع الاُمور إلى اللّه، وذلک بعد مرحلة ذکر اللّه والإخلاص، إیداع الاُمور للربّ الذی بیده الحاکمیة والرّبوبیة على المشرق والمغرب والمعبود الوحید المستحق للعبادة، وهذا التعبیر فی الحقیقة هو بمنزلة الدلیل على موضوع التوکل على اللّه، فکیف لا یتوکل الإنسان علیه، ولا یودعه أعماله، ولیس فی العالم الواسع من حاکم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غیره؟

وبالتالی یقول فی الأمر الرّابع والخامس: (واصبر على ما یقولون واهجرهم هجراً جمیل).

ویأتی هنا مقام الصبر والهجران، لکثرة إتهامات الأعداء وإیذاءهم له فی طریق الدعوة إلى اللّه، فالفلاح إذا أراد قطف الورود، علیه أن یصبر ویتحمل أذى الأشواک، مضافاً إلى ذلک یلزم الإبتعاد عنهم وهجرانهم أحیاناً، ولیبقى فی مأمن من شرّهم، ویعطیهم بذلک درساً بالغاً، ولا یعنی ذلک قطع سبل التربیة والتبلیغ والدعوة إلى اللّه.

وعلى هذا فإنّ الآیات المذکورة آنفاً تعتبر وثیقة من الأوامر تعطی للنّبی(صلى الله علیه وآله) ولمن یحذو حذوه هذا المفهوم، وهو أن یستمد العون من عبادة اللیل والدعاء والتضرع إلى اللّه تعالى ویسقی هذه الشجرة بماء ذکر اللّه تعالى، والإخلاص والتوکل والصبر والهجران الجمیل، یالها من صحیفة جامعة وجمیلة!

التعبیر بـ «ربّ المشرق والمغرب» إشارة إلى الحاکمیة والرّبوبیة على العالم المشهور کلّه.

«الهجر الجمیل»: کما أشرنا من قبل، یعنی الهجران الملازم للشفقة والاستمرار بالدعوة إلى اللّه الذی یعتبر أحد طرق التربیة فی مراحل خاصّة، ولا یتنافی ذلک مع الجهاد فی المراحل الاُخرى، فلکل أمر مقام.

وبعبارة اُخرى أنّ ذلک لا یعتبر من الإبتعاد عنهم وعدم الإکتراث بهم، بل هو اکتراث بحدّ ذاته، وما قیل من أنّ الجهاد نسخ هذه الآیات فلیس صحیحاً.

یقول المرحوم الطّبرسی فی مجمع البیان فی ذیل الآیة: وفی هذا دلالة على وجوب الصبر على الأذى لمن یدعو إلى الدین والمعاشرة بأحس الأخلاق، واستعمال الرفق لیکونوا أقرب إلى الإجابة(8).


1. «الناشئة» اسم فاعل واحتمل کونها مصدراً کالعاقبة.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 378.
3. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 448، ح 16.
4. تفسیر الکبیر، ج 30، ص 177 (مع الاقتباس).
5. «التبتل» یجب أن یکون التبتل هنا حسب القاعدة مفعول مطلق وهو مصدر من باب (تفعل) ولکنّه جاء على وزن تفعیل، لحفظ توافق أواخر الآیات، ویمکن أن یکون مصدر إشارة إلى أنّ الإنقطاع إلى اللّه لا یکون کلّه اکتسابیاً، ولا یکون هبة بتمامه أیضاً، بل یکون ذلک بشروط السعی والعمل الجاد للعبد المتقی من جهة، وبلطف اللّه وعنایته من جهة اُخرى.
6. المفردات، ومجمع البحرین مادة البتل.
7. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 450، ح 27.
8. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 379.
سورة المزّمل / الآیة 6 ـ 10 سورة المزّمل / الآیة 11 ـ 19
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma