یفرّون من الحق کما تفرّ الحمر من الأسد

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المدّثّر / الآیة 49 ـ 56 محتوى السورة

تتابع هذه الآیات ما ورد فی الآیات السابقة من البحث حول مصیر المجرمین وأهل النّار، وتعکس أوضح تصویر فی خوف هذه الجماعة المعاندة ورعبها من سماع حدیث الحقّ والحقیقة.

فیقول اللّه تعالى أوّلاً: (فما لهم عن التذکرة معرضین)(1) لِمَ یفرّون من دواء القرآن الشافی؟ لِمَ یطعنون فی صدر الطبیب الحریص علیهم؟ حقّاً إنّه مثیرٌ (کأنّهم حمر مستنفرة * فرّت من قسورة).

«حمرٌ»: جمع (حمار) والمراد هنا الحمار الوحشی، بقرینة فرارهم من قبضة الأسد والصیاد، وبعبارة اُخرى أنّ هذه الکلمة ذات مفهوم عام یشمل الحمار الوحشی والأهلی.

«قسورة»: من مادة (قسر) أی القهر والغلبة، وهی أحد أسماء الأسد، وقیل هو السهم، وقیل الصید، ولکن المعنى الأوّل أنسب.

والمشهور أنّ الحمار الوحشی یخاف جدّاً من الأسد، حتى أنّه عندما یسمع صوته یستولی علیه الرعب فیرکض إلى کلّ الجهات کالمجنون، خصوصاً إذا ما حمل الأسد على فصیل منها، فإنّها تتفرق فی کل الجهات بحیث یعجب الناظر من رؤیتها.

وهذا الحیوان وحشی ویخاف من کل شیء، فکیف به إذا رأى الأسد المفترس؟!

على کل حال فإنّ هذه الآیة تعبیر بالغٌ عن خوف المشرکین وفرارهم من الآیات القرآنیة المربیة للروح، فشبههم بالحمار الوحشی لأنّهم عدیمو العقل والشعور، وکذلک لتوحشّهم من کل شیء، فی حین أنّه لیس مقابلهم سوى التذکرة.

(بل یرید کل امرىء منهم أن یؤتى صحفاً منشرة)(2)، وذلک لتکبّرهم وغرورهم الفارغ بحیث یتوقعون من اللّه تعالى أن ینزل على کلّ واحد منهم کتاباً.

وهذا نظیر ما جاء فی الآیة 93 من سورة الإسراء: (ولن نؤمن لرقیک حتى تنزل علینا کتاباً نقرؤه).

وکذا فی الآیة 124 من سورة الأنعام حیث یقول: (قالوا لن نؤمن حتى نؤتی مثل ما اُوتی رُسل اللّه).

وعلى هذا فإنّ کلاًّ منهم یتنظر أن یکون نبیّاً من اُولی العزم! وینزل علیه کتاباً خاصّاً من اللّه باسمه، ومع کل هذا فلیس هناک من ضمان فی أن یؤمنوا بعد کل ذلک.

وجاء فی بعض الرّوایات أنّ أبا جهل وجماعة من قریش قالوا للنّبی(صلى الله علیه وآله): لا نؤمن بک حتى تأتینا بصحف من السماء علیها فلان ابن فلان من ربّ العالمین، ویأتی الأمر علناً بإتباعک والإیمان بک.(3)

ولذا یضیف فی الآیة الاُخرى: (کل) لیس کما یقولون ویزعمون، فإنّ طلب نزول مثل هذا الکتاب وغیره هی من الحجج الواهیة، والحقیقة (بل لا یخافون الآخرة).

إذا کانوا یخافون الآخرة فما کانوا یتذرعون بکل هذه الذرائع، ما کانوا لیکذبوا رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)، وما کانوا لیستهزئوا بآیات اللّه تعالى، ولا بعدد ملائکته، ومن هنا یتّضح أثر الإیمان بالمعاد فی التقوى والطهارة من المعاصی والذنوب الکبیرة، والحقّ یقال إنّ الإیمان بعالم البعث والجزاء وعذاب القیامة یهب للإنسان شخصیة جدیدة یمکنه أن یغیر إنساناً متکبراً ومغروراً وظالماً إلى إنسان مؤمن متواضع ومتق عادل.

ثمّ یؤکّد القرآن على أنّ ما یفکرون به فیما یخصّ القرآن هو تفکّر خاطىء: (کلاّ إنّه تذکرة فمن شاء ذکره).

فإنّ القرآن الکریم قد أوضح الطریق، ودعانا إلى التبصر فیه، وأنار لنا السبیل لیرى الإنسان موضع أقدامه، وفی الوقت نفسه لا یمکن ذلک إلاّ بتوفیق من اللّه وبمشیئته تعالى، وما یذکرون إلاّ ما یشاء اللّه.

ولهذا الآیة عدّة تفاسیر:

إحداها: ما ذکرناه سابقاً، وهو أنّ الإنسان لا یمکنه الحصول على طریق الهدایة إلاّ بالتوسل باللّه تعالى وطلب الموفقیة منه.

وطبیعی أن هذا الإمداد والتوفیق الإلهی لا یتمّ إلاّ بوجود أرضیة مساعدة لنزوله.

والتّفسیر الآخر: ما جاء فی الآیة السابقة: (فمن شاء ذکره) یمکن أن یوجد وهماً أنّ کل شیء مرتبط بإرادة الإنسان نفسه، وأنّ إرادته مستقلة فی کل الأحوال، فتقول هذه الآیة رافعة بذلک هذا الإشتباه، إنّ الإنسان مرتبط بالمشیئة الإلهیّةُ، ولیس مختاراً حرّاً بشکل مطلق وهذه المشیئة هی الحاکمة على کل هذا العالم الموجود، وبعبارة اُخرى: إنّ هذا الاختیار والحریة المعطاة للإنسان فهی بمشیئته تعالى وإرادته، ویمکن سلبها أنّى شاء.

وأمّا التّفسیر الثّالث فإنّه یقول: إنّهم لا یمکنهم الإیمان إلاّ أن یشاء اللّه ذلک ویجبرهم ، ونعلم أنّ اللّه لا یجبر أحداً على الإیمان أو الکفر، والتّفسیر الأوّل والثّانی أنسب وأفضل.

وفی النهایة یقول: (وما یذکرون إلاّ ان یشاء اللّه هو أهل التقوى وأهل المغفرة).

فهو أهل لأن یخافوا من عقابه وأن یتقوا فی اتّخاذهم شریکاً له تعالى شأنه، وأن یأملوا مغفرته، وفی الحقیقة، أنّ هذه الآیة إشارة إلى الخوف والرجاء والعذاب والمغفرة الإلهیّة، وهی تعلیل لما جاء فی الآیة السابقة، لذا نقرأ فی حدیث ورد عن الإمام الصّادق(علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة أنّه قال: «قال اللّه: أنا أهل أن اتقى ولا یشرک بی عبدی شیئاً وأنا أهل إن لم یشرک بی شیئاً أن اُدخله الجنّة»(4).

وبالرغم من أنّ المفسّرین ـ کما رأینا ـ قد أخذوا التقوى هنا بمعناها المفعولی، وقالوا إنّ اللّه تعالى أهل لأن یتّقى من الشرک والمعصیة، ولکن هناک احتمالاً آخر، وهو أنّ تؤخذ بمعناها الفاعلی، أی أنّ اللّه أهل للتقوى من کلّ أنواع الظلم والقبح ومن کل ما یخالف الحکمة، وما عند العباد من التقوى هو قبسٌ ضعیف من ما عند اللّه، وإن کان التعبیر بالتقوى بمعناه الفاعلی والذی یُقصد به اللّه تعالى قلیل الاستعمال، على کل حال فإنّ الآیة قد بدأت بالإنذار والتکلیف، وانتهت بالدعوة إلى التقوى والوعد بالمغفرة.

ونتعرض هنا بالدعاء إلیه خاضعین متضرعین تعالى:

ربّنا! اجعلنا من أهل التقوى والمغفرة.

اللّهم! إن لم تشملنا ألطافک فإنّنا لا نصل إلى مرادنا، فامنن علینا بعنایتک.

اللّهم! أعنّا على طریق ملیء بالمنعطفات والهموم والمصائد الشیطانیة الصعبة، وأعنا على الشیطان المتهیء لإغوائنا، فبغیر عونک لا یمکننا المسیر فی هذا الطریق.

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سوره المدّثّر


1. «ما» مبتدأ و«لهم» خبر و«معرضین» حال الضمیر لهم «وعن التذکرة» جار ومجرور ومتعلق بالمعرضین، وقیل تقدیم (عن التذکرة) على (معرضین) دلالة على الحصر أی أنّهم أعرضوا عن التذکرة المفیدة فقط، على کل حال فإنّ المراد من التذکرة هنا کلّ ما هو نافع ومفید وعلى رأسها القرآن المجید.
2. «صحف» جمع صحیفة، وهی الورقة التی لها وجهان، وتطلق کذلک على الرسالة والکتاب.
3. تفسیر القرطبی، والمراغی، وتفاسیر اُخرى.
4. تفسیر البرهان، ج4، ص405.
سورة المدّثّر / الآیة 49 ـ 56 محتوى السورة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma