العجز عن السجود

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القلم / الآیة 42 ـ 45 سورة القلم / الآیة 46 ـ 50

تعقیباً للآیات السابقة التی استجوب الله تعالى فیها المشرکین والمجرمین استجواباً موضوعیاً، تکشف لنا هذه الآیات جانباً من المصیر البائس فی یوم القیامة لهذه الثلّة المغرمة فی حبّها لذاتها، والمکثرة للادّعاءات، هذا المصیر المقترن بالحقارة والذلّة والهوان.

یقول تعالى: (یوم یکشف عن ساق ویُدعون إلى السجود فلا یستطیعون)(1).

جملة (یکشف عن ساق) کما قال جمع من المفسّرین، کنایة عن شدّة الهول والخوف والرعب وسوء الحال، إذ إنّ المتعارف بین العرب عند مواجهتهم أمراً صعباً أنّهم یشدّون ثیابهم على بطونهم ممّا یؤدّی إلى کشف سیقانهم.

ونقرأ جواب ابن عبّاس المفسّر المعروف عندما سئل عن تفسیر هذه الآیة قال: کلّما خفی علیکم شیء من القرآن ارجعوا إلى الشعر فإنّ الشعر دیوان العرب، ألم تسمعوا قول الشاعر:

وقامت الحرب بنا على ساق.

إنّ هذا القول کنایة عن شدّة أزمة الحرب.

وقیل: إنّ (ساق) تعنی أصل وأساس الشیء، کساق الشجرة، وبناءً على هذا فإنّ جملة (یکشف عن ساق) تعنی أنّ أساس کلّ شیء یتّضح ویتبیّن فی ذلک الیوم، إلاّ أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر.

وفی ذلک الیوم العظیم یدعى الجمیع إلى السجود للباریء عزّوجلّ، فیسجد المؤمنون، ویعجز المجرمون عن السجود، لأنّ نفوسهم المریضة وممارساتهم القبیحة قد تأصّلت فی طباعهم وشخصیاتهم فی عالم الدنیا، وتطفح هذه الخصال فی الیوم الموعود وتمنعهم من إحناء ظهورهم للذات الإلهیّة المقدّسة.

وهنا یثار سؤال: إنّ یوم القیامة لیس بیوم تکالیف وواجبات وأعمال، فلِمَ السجود؟

یمکن إستنتاج الجواب من التعبیر الذی ورد فی بعض الأحادیث، نقرأ فی الحدیث التالی عن الإمام الرض(علیه السلام) فی قوله تعالى: (یوم یکشف عن ساق ویدعون إلى السجود) قال: «حجاب من نور یکشف فیقع المؤمنون سجّداً وتدمج أصلاب المنافقین فلا یستطیعون السجود»(2).

وبتعبیر آخر: فی ذلک الیوم تتجلّى العظمة الإلهیّة، وهذه العظمة تدعو المؤمنین للسجود فیسجدون، إلاّ أنّ الکافرین حرموا من هذا الشرف واللطف.

وتعکس الآیة اللاحقة صورة جدیدة لحالتهم حیث یقول سبحانه: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة)(3).

هذه الآیة الکریمة تصف لنا حقیقة المجرمین عندما یدانون فی إجرامهم ویحکم علیهم، حیث نلاحظ الذلّة والهوان تحیط بهم، وتکون رؤوسهم مطأطئة تعبیراً عن هذه الحالة المهینة.

ثمّ یضیف تعالى: (وقد کانوا یدعون إلى السجود وهم سالمون).

إلاّ أنّهم لن یسجدوا أبداً، لقد صحبوا روح التغطرس والعتوّ والکبر معهم فی یوم القیامة فکیف سیسجدون؟

إنّ الدعوة للسجود فی الدنیا لها موارد عدیدة، فتارةً بواسطة المؤذّنین للصلاة الفردیة وصلاة الجماعة، وکذلک عند سماع بعض الآیات القرآنیة وأحادیث الرّسول(صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومین(علیهم السلام)... ولذا فإنّ الدعوة للسجود لها مفهوم واسع وتشمل جمیع ما تقدّم.

ثمّ یوجّه الباریء عزّوجلّ الخطاب لنبیّه الکریم ویقول: (فذرنی ومن یکذّب بهذا الحدیث).

وهذه اللهجة تمثّل تهدیداً شدیداً من الواحد القهّار لهؤلاء المکذّبین المتمردین، حیث یخاطب الرّسول (صلى الله علیه وآله) بقوله: لا تتدخّل، واترکنی مع هؤلاء، لاُعاملهم بما یستحقّونه، وهذا الکلام الذی یقوله ربّ قادر على کلّ شیء، ـ باعث ضمناً على إطمئنان الرّسول(صلى الله علیه وآله)والمؤمنین أیضاً، ومشعر لهم بأنّ الله معهم وسیقتصّ من جمیع الأعداء الذین یثیرون المشاکل والفتن والمؤامرات أمام الرّسول والرسالة، ولن یترکهم الله تعالى على تمادیهم.

ثمّ یضیف سبحانه: (سنستدرجهم من حیث لا یعلمون * وأملی لهم إنّ کیدی متین).

نقرأ فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «إذا أحدث العبد ذنباً جدّد له نعمة فیدع الاستغفار، فهو الإستدراج»(4).

والذی یستفاد من هذا الحدیث ـ والأحادیث الاُخرى فی هذا المجال ـ أنّ الله تعالى یمنح ـ أحیاناً ـ عباده المعاندین نعمة وهم غارقون فی المعاصی والذنوب وذلک کعقوبة لهم، فیتصوّرون أنّ هذا اللطف الإلهی قد شملهم لجدارتهم ولیاقتهم له فیأخذهم الغرور المضاعف، وتستولی علیهم الغفلة... إلاّ أنّ عذاب الله ینزل علیهم فجأة ویحیط بهم وهم بین أحضان تلک النعم الإلهیّة العظیمة... وهذا فی الحقیقة من أشدّ ألوان العذاب ألماً.

إنّ هذا اللون من العذاب یشمل الأشخاص الذین وصل طغیانهم وتمردّهم حدّه الأعلى، أمّا من هم دونه فی ذلک فإنّ الله تعالى ینبّههم وینذرهم عن ممارساتهم الخاطئة عسى أن یعودوا إلى رشدهم، ویستیقظوا من غفلتهم، ویتوبوا من ذنوبهم، وهذا من ألطاف الباریء عزّوجلّ بهم.

وبعبارة اُخرى: إذا أذنب عبد فإنّه لا یخرج من واحدة من الحالات الثلاث التالیة:

إمّا أن ینتبه ویرجع عن خطئه ویتوب إلى ربّه.

أو أن ینزل الله علیه العذاب لیعود إلى رشده.

أو أنّه غیر أهل للتوبة ولا للعودة للرشد بعد التنبیه له، فیعطیه الله نعمة بدل البلاء وهذا هو: (عذاب الإستدراج) والذی اُشیر له فی الآیات القرآنیة بالتعبیر أعلاه وبتعابیر اُخرى.

لذا یجب على الإنسان المؤمن أن یکون یقظاً عند إقبال النعم الإلهیة علیه، ولیحذر من أن یکون ما یمنحه الله من نعم ظاهریة یمثّل فی حقیقته (عذاب الاستدراج) ولذلک فإنّ المسلمین الواعین یفکّرون فی مثل هذه الاُمور ویحاسبون أنفسهم باستمرار، ویعیدون تقییم أعمالهم دائماً، کی یکونوا قریبین من طاعة الله، ویؤدّون حقّ الألطاف والنعم التی وهبها الله لهم.

جاء فی حدیث أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق(علیه السلام) قال: إنّی سألت الله تبارک وتعالى أن یرزقنی مالا فرزقنی، وإنّی سألت الله أن یرزقنی ولداً فرزقنی، وسألته أن یرزقنی داراً فرزقنی، وقد خفت أن یکون ذلک استدراجاً؟ فقال: «أمّا مع الحمد فلا»(5).

والتعبیر بـ (أملی لهم) إشارة إلى أنّ الله تعالى لا یستعجل أبداً بجزاء الظالمین، والاستعجال یکون عادةً من الشخص الذی یخشى فوات الفرصة علیه، إلاّ أنّ الله القادر المتعال أیّما شاء وفی أی لحظة فإنّه یفعل ذلک، والزمن کلّه تحت تصرّفه.

وعلى کلّ حال فإنّ هذا تحذیر لکلّ الظالمین والمتطاولین بأن لا تغرّهم السلامة والنعمة أبداً، ولیرتقبوا فی کلّ لحظة بطش الله بهم(6).


1. «یوم» ظرف متعلّق بمحذوف تقدیره: (اذکروا یوم...)، واحتمل البعض ـ أیضاً ـ أنّه متعلّق بـ «فلیأتوا» فی الآیة السابقة، إلاّ أنّ هذا المعنى مستبعد.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 395، ح 49.
3. «ترهقهم» من مادّة «رهق»، (على وزن شفق) بمعنى التغطیة والإحاطة.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 340.
5. أصول الکافی، نقلا عن تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 397، ح 59.
6. سبق کلام حول عقوبة «الاستدراج» فی الآیة 182 من سورة الأعراف، وکذلک فی الآیة 178 سورة آل عمران.
سورة القلم / الآیة 42 ـ 45 سورة القلم / الآیة 46 ـ 50
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma