اجتنب أصحاب هذه الصفات

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القلم / الآیة 8 ـ 16 1ـ الرذائل الأخلاقیة

بعد أن تعرّضت الآیات السابقة إلى الأخلاق السامیة لرسول الله (صلى الله علیه وآله)، تلتها الآیات أعلاه مستعرضة أخلاق أعدائه لیتّضح لنا الفرق بین الأخلاقیتین، وذلک من خلال المقارنة بینهما.

یقول تعالى فی البدایة: (فلا تطع المکذّبین).

إنّهم اُناس ضالّون، ویدفعون الآخرین للتکبّر على الله ورسوله، وینهونهم عن قبول مبدأ الهدایة، وقد استهانوا، واستخفّوا بقیم الحقّ، وإنّ الطاعة والإستجابة لهؤلاء سوف لن تکون نتیجتها إلاّ الضلال والخسران.

ثمّ یشیر تعالى إلى جهد هؤلاء المتواصل فی إقناع الرّسول(صلى الله علیه وآله) بمصالحتهم والإعراض عن آلهتهم وضلالهم فیقول: (ودّوا لو تدهن فیدهنون).

إنّ من أمانیهم ورغبتهم أن تلین وتنعطف باتّجاههم، وتغضّ الطرف عن تکلیفک الرسالی من أجلهم.

ونقل المفسّرون أنّ هذه الآیات نزلت حینما دعا رؤساء مکّة وساداتها رسول الله(صلى الله علیه وآله)

للسیر على نهج أجدادهم فی الشرک بالله وعبادة الأوثان، وقد نهى الله تعالى رسوله الکریم عن الإستجابة لهم وإطاعتهم(1).

ونقل البعض الآخر أنّ (الولید بن المغیرة) وکان أحد زعماء الشرک قد عرض على رسول الله(صلى الله علیه وآله) أموالا طائلة، وحلف أنّه سیعطیها لـ (محمّد) إذا تخلّى عن مبدئه ودینه(2).

والذی یستفاد من لحن الآیات ـ بصورة واضحة ـ وممّا جاء فی التواریخ، أنّ المشرکین الذین أعمى الله بصیرتهم، عندما شاهدوا التقدّم السریع للإسلام وانتشاره، حاولوا إعطاء رسول الله(صلى الله علیه وآله) بعض المکاسب فی مقابل تقدیم تنازلات مماثلة، فی محاولة لترتیب نوع من الصلح معه(صلى الله علیه وآله)، وهذا هو منهج أهل الباطل ـ دائماً ـ فی الظروف والأحوال التی یشعرون فیها أنّهم سیخسرون کلّ شیء ویفقدون مواقفهم، لذا فإنّهم اقترحوا علیه (صلى الله علیه وآله) إعطاءه أموالا طائلة، کما اقترحوا تزویجه بأجمل بناتهم، کما عرضوا علیه جاهاً ومقاماً وملکاً بارزاً، وما إلى ذلک من اُمور کانوا متعلّقین بها ومتفاعلین معها ومتهالکین علیها، ویقیسون الرّسول بقیاسها.

إلاّ أنّ القرآن الکریم حذّر الرّسول(صلى الله علیه وآله) مراراً من مغبّة إبداء أی تعاطف مع عروضهم وإقتراحاتهم الماکرة وأکّد على عدم مداهنة أهل الباطل أبداً.

کما جاء فی قوله تعالى: (وأن احکم بینهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن یفتنوک عن بعض ما أنزل الله إلیک).(3)

«یدهنون» من مادّة (مداهنة) مأخوذة فی الأصل من (الدهن) وتستعمل الکلمة فی مثل هذه الموارد بمعنى إظهار اللین والمرونة، وفی الغالب یستعمل هذا التعبیر فی مجال إظهار اللین والمیل المذموم کما فی حالة النفاق.

ثمّ ینهى سبحانه مرّة اُخرى عن اتّباعهم وطاعتهم، حیث یسرد الصفات الذمیمة لهم، والتی کلّ واحدة منها یمکن أن تکون وحدها سبباً للإبتعاد عنهم والصدود عن الإستجابة لهم.

یقول تعالى: (ولا تطع کلّ حلاّف مهین).

تقال کلمة «حلاّف» على الشخص الکثیر الحلف، والذی یحلف على کلّ صغیرة وکبیرة، وهذا النموذج فی الغالب لا یتسّم بالصدق، ولذا یحاول أن یطمئن الآخرین بصدقه من خلال الحلف والقسم.

«مهین» من (المهانة) بمعنى الحقارة والضّعة، وفسّرها البعض بأنّها تعنی الأشرار أو الجهلة أو الکاذبین.

ثمّ یضیف عزّوجلّ: (همّاز مشّاء بنمیم).

«همّاز» من مادّة (همز)، (على وزن رمز) ویعنی: الغیبة وإستقصاء عیوب الآخرین.

«مشّاء بنمیم» تطلق على الشخص الذی یمشی بین الناس بإیجاد الإفساد والفرقة، وإیجاد الخصومة والعداء فیما بینهم (وممّا یجدر الإلتفات إلیه أنّ هذین الوصفین وردا بصیغة المبالغة، والتی تحکی غایة الإصرار فی العمل والاستمرار بهذه الممارسات القبیحة).

ثمّ یسرد تعالى أوصافاً اُخرى لهم، حیث یقول فی خامس وسادس وسابع صفة ذمیمة لأخلاقهم: (منّاع للخیر معتد أثیم).

ومن صفاتهم أیضاً أنّهم لیسوا فقط مجانبین لعمل الخیر، ولا یسعون فی سبیله، ولا یساهمون فی إشاعته والعون علیه... بل إنّهم یقفون سدّاً أمام أی ممارسة تدعو إلیه، ویمنعون کلّ جهد فی الخیر للآخرین، وبالإضافة إلى ذلک فإنّهم متجاوزون لکلّ السنن والحقوق التی منحها الله عزّوجلّ لکلّ إنسان ممّا تلطف به من خیرات وبرکات علیه.

وفوق هذا فهم مدنسون بالذنوب، محتطبون للآثام، بحیث أصبح الذنب والإثم جزءاً من شخصیاتهم وطباعهم التی هی منّاعة للخیر، معتدیة وآثمة.

وأخیراً یشیر إلى ثامن وتاسع صفة لهم حیث یقول تعالى: (عتّل بعد ذلک زنیم).

«عتل» کما یقول الراغب فی المفردات: تطلق على الشخص الذی یأکل کثیراً ویحاول أن یستحوذ على کلّ شیء، ویمنع الآخرین منه.

وفسّر البعض الآخر کلمة (عتلّ) بمعنى الإنسان السیء الطبع والخُلُق، الذی تتمثّل فیه الخشونة والحقد، أو الإنسان سیء الخُلُق عدیم الحیاء.

«زنیم» تطلق على الشخص المجهول النسب، والذی ینتسب لقوم لا نسبة له معهم، وهی فی الأصل من (زنمة)، (على وزن عظمة) وتقال للجزء المتدلّی من اُذن الغنم، فکأنّها لیست من الاُذن مع أنّها متصلة بها.

والتعبیر بشکل عام إشارة إلى أنّ هاتین الصفتین هما أشدّ قبحاً وضعة من الصفات السابقة کما استفاد ذلک بعض المفسّرین.

وخلاصة البحث أنّ الله تعالى قد أوضح السمات الأساسیة للمکذّبین، وبیّن صفاتهم القبیحة وأخلاقهم الذمیمة بشکل لا نظیر له فی القرآن بأجمعه، وبهذه الصورة یوضّح لنا أنّ الأشخاص الذین وقفوا بوجه الإسلام والقرآن، وعارضوا الرّسول الکریم (صلى الله علیه وآله) کانوا من أخسّ الناس وأکثرهم کذباً وإنحطاطاً وخسّة، فهم یتتبعون عیوب الآخرین، نمّامون، معتدون، آثمون، لیس لهم أصل ونسب، وفی الحقیقة أنّنا لا نتوقّع أن یقف بوجه النور الرسالی إلاّ أمثال هؤلاء الأشرار.

ویحذّر سبحانه فی الآیة اللاحقة من الإستجابة لهم والتعامل معهم بسبب کثرة أموالهم وأولادهم: بقوله: (أن کان ذا مال وبنین).

وممّا لا شکّ فیه أنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) لم یکن لیستسلم لهؤلاء أبداً، وهذه الآیات ما هی إلاّ تأکید على هذا المعنى، کی یکون خطّه الرسالی وطریقته العملیة واضحة للجمیع، ولن تنفع جمیع الاغراءات المادیّة فی عدوله عن مهمّته الرسالیة.

وبناءً على هذا فإنّ الجملة أعلاه تأتی تکملة للآیة الکریمة: (ولا تطع کلّ حلاّف مهین).

إلاّ أنّ البعض اعتبر ذلک بیاناً وعلّة لظهور هذه الصفات السلبیة، حیث الغرور الناشىء من الثروة وکثرة الأولاد جرّهم ودفعهم إلى مثل هذه الرذائل الأخلاقیة، ولهذا یمکن ملاحظة هذه الصفات فی الکثیر من الأغنیاء والمقتدرین غیر المؤمنین، إلاّ أنّ لحن الآیات یتناسب مع التّفسیر الأوّل أکثر، ولهذا اختاره أغلب المفسّرین.

وتوضّح الآیة اللاحقة ردود فعل هؤلاء الأشخاص ذوی الصفات الأخلاقیة المریضة إزاء الآیات الإلهیّة، حیث یقول تعالى: (إذا تتلى علیه آیاتنا قال أساطیر الأوّلین).

وبهذا المنطق السقیم والحجج الواهیة یعرض عن آیات الله عزّوجلّ، فیضلّ ویغوى ویدعو الآخرین للغی والضلال، ولهذا یجب عدم الاستجابة لهؤلاء وعدم السماع لهم فی مثل هذه الاُمور، والإعراض عنهم وعدم طاعتهم، وهذا تأکید للنهی عن طاعتهم الذی تعرّضت إلیه الآیات السابقة.

وتوضّح لنا آخر آیة ـ من هذه الآیات ـ مفردة من مفردات الجزاء الذی سیلاقیه أمثال هؤلاء فیضیف سبحانه: (سنسمّه على الخرطوم).

وهذا التعبیر کاشف ومعبّر عن سوء النهایة المذلّة لهؤلاء، إذ جاء التعبیر أوّلا بالخرطوم الذی یستعمل للفیل وللخنزیر فقط، وهو دلالة واضحة فی تحقیرهم.

وثانیاً: أنّ الأنف فی لغة العرب غالباً ما یستعمل کنایة عن العزّة والعظمة، کما یقال للفارس حین إذلاله: مرّغوا أنفه بالتراب، کنایة عن زوال عزّته.

وثالثاً: أنّ وضع العلامة تکون عادة للحیوانات فقط، بل حتى بالنسبة إلى الحیوانات فإنّها لا تعلّم فی وجوهها ـ خصوصاً اُنوفها ـ أضف إلى ذلک أنّ الإسلام قد نهى عن مثل هذا العمل.

ومع کلّ ما تقدّم تأتی الآیة الکریمة ببیان معبّر واف وواضح أنّ الله تعالى سیذلّ هؤلاء الطغاة الذین امتلؤا عجباً بذواتهم، المتمادین فی عنادهم وإصرارهم على الباطل، وتجاوزهم على الرّسول والرسالة... سیذلّهم بتلک الصورة التی تحدّثت عنها الآیة ویفضحهم على رؤوس الأشهاد لیکونوا موضع عبرة للجمیع.

إنّ التاریخ الإسلامی ینقل لنا کثیراً من صور الإذلال والإمتهان لأمثال هذه المجموعة المخالفة للحقّ المعاندة فی ضلالها، المکابرة فی تمسّکها بالباطل، بالرغم من تقدّم الرسالة الإسلامیة وقوّتها وإنتصاراتها، کما أنّ فضیحتهم فی الآخرة ستکون أدهى وأمرّ.

قال بعض المفسّرین: إنّ أکثر آیات هذه السورة کان یقصد بها (الولید بن المغیرة) أحد رموز الشرک الذی واجه الإسلام وتعرّض لرسوله الأمین محمّد(صلى الله علیه وآله)، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ هذا القصد، لا یمنع من تصمیم وتوسعة مفهوم الآیات الکریمة وشمولیته(4).


1. التفسیر الکبیر، ج 30، ص 85; وتفسیر المراغی، ج 29، ص 31.
2. تفسیر القرطبی، ج 10، ص 6710.
3. المائدة، 49.
4. قال البعض: إنّ وضع العلامة على الأنف قد تحقّق عملیّاً فی غزوة بدر، حیث وجّهت ضربات إلى اُنوف بعض سادات الکفر وکبرائهم، وقد بقیت آثارها على اُنوفهم، وإذا کان المقصود فی ذلک (الولید بن المغیرة) فقد توفّی بذلّ قبل غزوة بدر.
وجاء فی الخطبة المعروفة للإمام علی بن الحسین(علیه السلام) فی مسجد الشام قوله: «أنا ابن من ضرب خراطیم الخلق حتى قالوا: لا إله إلاّ الله» یقصد الإمام علی(علیه السلام) (بحار الأنوار، ج 45، ص 138).
إنّ لهذا التعبیر وبلحاظ ما جاء فی الآیة مورد البحث، حیث یقول تعالى: (سنسمه على الخرطوم) دلالة فی غایة اللطف والروعة، حیث یرینا أنّ الإرادة الإلهیة قد تحقّقت على ید عبده المخلص علی بن أبی طالب (علیه السلام).

 

سورة القلم / الآیة 8 ـ 16 1ـ الرذائل الأخلاقیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma