ذرنی والمکذبین المستکبرین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المزّمل / الآیة 11 ـ 19المراحل الأربع للعذاب الإلهی

أشارت الآیة الأخیرة من الآیات السابقة إلى أقوال المشرکین البذیئة، وعدائهم وإیذائهم للنّبی(صلى الله علیه وآله)، أمّا فی هذه الآیات فإنّ اللّه تعالى یهددهم بالعذاب الألیم، ویدعوهم إلى ترک ما هم علیه، ویواسی المؤمنین الأوائل، فیقول تعالى شأنه: (وذرنی والمکذبین أولی النعمة ومهلهم قلیل).

أی دعنی وایّاهم، واترک عقابهم لی ومهلهم قلیلاً. لتتمّ الحجّة علیهم ولتظهر ماهیتهم الحقیقیة، ویُثقلوا ظهورهم بالخطایا فعندها یحلّ علیهم غضبی.

ولم یمض کثیر حتى ازدادت شوکة المسلمین، ووجهوا ضرباتهم القویة لأعداء الرسالة، وذلک فی معارک بدر وحنین والأحزاب، وبالتالی کان العذاب الإلهی ینتظرهم فی البرزخ، حتى یخلدوا بعد ذلک فی النّار فی یوم القیامة.

والتعبیر بـ «اُولی النعمة» إشارة الغرور والغفلة الناجمة من کثرة الأموال والثروة المادیة، ولهذا یذکرهم القرآن فی الصنف الأوّل من المخالفین على طول تاریخ الأنبیاء، وفی الحقیقة أنّ

هذه الآیة مشابهة للآیة 34 من سورة سبأ حیث یقول تعالى: (وما أرسلنا فی قریة من نذیر إلاّ قال مترفوها إنّا بما اُرسلتم به کافرون) فی حین أنّ هؤلاء لابدّ أن یلبوا دعوة الحق قبل غیرهم لیشکروا اللّه على ما أنعم علیهم بهذه الوسیلة.

ثمّ یقول مصرّحاً: (إنّ لدینا أنکالاً وجحیم).

«الأنکال»: جمع (نکل)، على وزن (فکر) وهی السلاسل الثقال، وأصلها من نکول الضعف والعجز، أی أنّ الإنسان یفقد الحرکة بتقیید أعضائه بالسلاسل.

نعم، لقد تنعموا فی الدنیا وأخذوا حریتهم المطلقة، ولهذا لابدّ لهم من القیود والنّار.

وکذا یضیف: (وطعاماً ذا غصّة وعذاباً ألیم).

هذا مصیر من کان یتلذذ بالطعام بعکس ما کان طعامهم فی الدنیا الحرام، حیث العذاب الألیم، ولما تمتع به المغرورون والمستکبرون من الراحة غیر المشروعة فی هذه الدنیا، والطعام الموصوف بالغصّة هو بحدّ ذاته عذاب ألیم، ثمّ یتبع ذلک بذکر العذاب الألیم على إنفراد، وهذا یشیر إلى أنّ أبعاد العذاب الاُخروی لایعلم شدّته وعظمته إلاّ اللّه تعالى، ولهذا ورد فی حدیث أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) سمع قارئاً یقرأ هذه فصعق.(1)

وجاء فی حدیث آخر أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) هو الذی کان یتلو الآیة فصعق(2)، وکیف لا یکون هذا الطعام ذا غصّة فی حین أنّ الآیة 6 من سورة الغاشیة تقول: (لیس لهم طعام إلاّ من ضریع).

وکذا نقرأ فی الآیة 43 و44 من سورة الدخان: (إنّ شجرت الزقوم طعام الأثیم).

ثمّ یشرح ما یجری فی ذلک الیوم الذی یظهر فیه هذا العذاب فیقول: (یوم ترجف الأرض والجبال وکانت الجبال کثیباً مهیل).

«الکثیب»: یراد به الرمل المتراکم، و«المهیل» من هیل ـ على وزن کیل ـ هو صبّ شیء ناعم کالرمل على شیء، ویراد بالمعنى هنا الرمل الناعم وما لا یستقر، والمعنى أنّ الجبال تتلاشى بحیث تظهر بهیئة الرمل الناعم، وإذا ما دیست بالأقدام فإنّها تطمس فیها.

وللقرآن المجید تعابیر مختلفة عن مصیر الجبال فی یوم القیامة، وتحکی عن إنعدامها وتبدیلها بالأتربة الناعمة (أوردنا شرحاً مفصلاً حول المراحل المختلفة لانعدام الجبال والتعابیر المختلفة للقرآن فی هذا الباب فی ذیل الآیة 105 من سورة طه).

ثمّ یقارن بین بعثة النّبی(صلى الله علیه وآله) ومخالفة الأشداء العرب، وبین نهوض موسى بن عمران بوجه الفراعنة فیقول تعالى: (انّا أرسلنا إلیکم رسولاً شاهداً علیکم کما أرسلنا إلى فرعون رسولاً * فعصى فرعون الرّسول فأخذناه أخذاً وبیل).

إنّ هدف النّبی(صلى الله علیه وآله) هدایتکم والإشراف على أعمالکم کما کان هدف موسى(علیه السلام) هدایة فرعون وأتباعه والإشراف على أعمالهم.

لم یکن جیش فرعون مانعاً من العذاب الإلهی، ولم تکن سعة مملکتهم وأموالهم وثراؤهم سبباً لرفع هذا العذاب، ففی النهایة اُغرقوا فی أمواج النیل المتلاطمة إذ أنّهم کانوا یتباهون بالنیل، فبماذا تفکرون لأنفسکم وأنتم أقل عدّة وعدداً من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وکیف تغترون بأموالکم وأعدادکم القلیلة؟!

«الوبیل»: من (الوبل) ویراد به المطر الشدید والثقیل، وکذا یطلق على کل ما هو شدید وثقیل بالخصوص فی العقوبات، والآیة تشیر إلى شدّة العذاب النازل کالمطر.

ثمّ وجه الحدیث إلى کفّار عصر نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) ویحذرهم بقوله: (فکیف تتقون إن کفرتم یوماً یجعل الولدان شیب)(3) (4).

بلى إنّ عذاب ذلک الیوم من الشدّة والثقل بحیث یجعل الولدان شیباً، وهذه کنایة عن شدّة ذلک الیوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة، وهناک من یقول: إنّ الإنسان یقع أحیاناً فی شدائد العذاب فی الدنیا بحیث یشیب منها الرأس فی لحظة واحدة.

على أی حال فإنّ الآیة تشیر إلى أنّکم على فرض أنّ العذاب الدنیوی لا ینزل علیکم کما حدث للفراعنة؟ فکیف بکم وعذاب یوم القیامة؟

فی الآیة الاُخرى یبیّن وصفاً أدقّ لذلک الیوم المهول فیضیف: (السماء منفطرٌ به کان وعده مفعول).

إنّ الکثیر من الآیات الخاصّة بالقیامة وأشراط الساعة تتحدث عن انفجارات عظیمة وزلازل شدیدة ومتغیرات سریعة، والآیة أعلاه تشیر إلى جانب منها.

فما حیلة الإنسان الضعیف العاجز عندما یرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلک الیوم؟!(5)

وفی النّهایة یشیر القرآن إلى جمیع التحذیرات والإنذارات السابقة فیقول تعالى: (إنّ هذه تذکرة).

إنّکم مخیرون فی اختیار السبیل، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبیلاً، ولا فضیلة فی اتّخاذ الطریق إلى اللّه بالإجبار والإکراه، بل الفضیلة أن یختار الإنسان السبیل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ اللّه تعالى هدى الإنسان إلى النجدین، وجعلهما واضحین کالشمس المضیئة فی وضح النهار، وترک الاختیار للإنسان نفسه حتى یدخل فی طاعته سبحانه بمحض إرادته، وقد احتملت احتمالات متعددة فی سبب الإشارة إلى التذکرة، فقد قیل أنّها إشارة إلى المواعظ التی وردت فی الآیات السابقة، وقیل هی إشارة إلى السورة بکاملها، أو إشارة إلى القرآن المجید.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقیام اللیل کما جاء فی الآیات من السورة، والمخاطب هو النّبی(صلى الله علیه وآله) والآیة تدل على توسعة الخطاب وتعمیمه لسائر المسلمین، ولهذا فإنّ المراد من «السبیل» فی الآیة هو صلاة اللیل، والتی تعتبر سبیل خاصّ ومهمّة تهدی إلى اللّه تعالى، کما ذکرت فی الآیة 26 من سورة الدهر بعد أن اُشیر إلى صلاة اللیل بقوله تعالى: (ومن اللیل فاسجد له وسبحه لیلاً طویل).

ویقول بعد فاصلة قصیرة: (إنّ هذه تذکرة فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبیل) وهی بعینها الآیة التی نحن بصدد البحث فیه(6).

وبالطبع هذا التّفسیر مناسب، والأنسب منه أن تکون الآیة ذات مفهوم أوسع حیث تستوعب هذه السورة جمیع مناهج صنع الإنسان وتربیته کما أشرنا إلى ذلک سابقاً.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 380.
2. تفسیر روح المعانی، ج 29، ص 107.
3. «یوماً» مفعول به لتتقون، و«تتقون» ذلک الیوم یراد به تتقون عذاب ذلک الیوم، وقیل (یوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (کفرتم) والإثنان بعیدان.
4. «شیب» جمع «أشیب» ویراد به المسن، وهی من أصل مادة شیب ـ على وزن عیب ـ والمشیب یعنی تغیر لون الشعر إلى البیاض.
5. «المنفطر» من الانفطار بمعنى الإنشقاق، والضمیر (به) یعود للیوم، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلک الیوم والسماء جائزة للوجهین أی أنّه تذکر وتؤنث.
6. تفسیر المیزان، ج20، ص147.
سورة المزّمل / الآیة 11 ـ 19المراحل الأربع للعذاب الإلهی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma