الوجوه الضاحکة والوجوه العابسة فی ساحة القیامة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القیامة / الآیة 20 ـ 25 سورة القیامة / الآیة 26 ـ 30

ترجع هذه الآیات مرّة اُخرى لتکمل البحوث المتعلقة بالمعاد. وخصوصیات اُخرى من القیامة، وکذلک تبیّن علل إنکار المعاد فیقول تعالى (کلاّ بل تحبّون العاجلة)(1) فلیس الأمر کما یتصور من أن دلائل المعاد خفیّة ولا یمکنکم الاطلاع علیها، بل إنّکم عشقتم الدنیا. ولهذا السبب ترکتم الآخرة (وتذرون الآخرة).

إنّ الشک فی قدرة الله تعالى وجمع العظام وهی رمیم لیس هو الدافع لإنکار المعاد، بل إنّ حبّکم الشدید للدنیا والشهوات والمیول المغریة هی التی تدفعکم الى رفع الموانع عن طریق ملذاتکم، وبما أنّ المعاد والشریعة الإلهیّة توجد موانع وحدوداً کثیرة على هذا الطریق، لذا تتمسکون بإنکار أصل الموضوع، وتترکون الآخرة بتمامها.

وکما ذکرنا سابقاً أنَّ إحدى العلل المهمّة للمیول الى المادیة وإنکار المبدأ والمعاد هو کسب الحریة المطلقة للانجراف وراء الشهوات واللذات والذنوب، ولا ینحصر هذا فی العهود السابقة، بل یتجلّى هذا المعنى فی عالم الیوم بصورة أوضح.

وهاتان الآیتان تؤکّدان ما ورد فی الآیات السابقة والتی قال فیها تعالى شأنه: (بل یرید الإنسان لیفجر أمامه) وقال أیضاً: (یسأل أیّان یوم القیامة).

ثمّ ینتهی إلى تبیان أحوال المؤمنین الصالحین والکفّار المسیئین فی ذلک الیوم، فیقول تعالى: (وجوه یومئذ ناضرة).

«ناضرة»: من مادة (نضرة) وتعنی البهجة الخاصّة التی یحصل علیها الإنسان عند وفور النعمة والرفاه، ووفورها یلازم السرور والجمال والنورانیة، أی أنَّ لون محیاهم یحکی عن أحوالهم، کیف أنّهم أغرقوا فی النعم الإلهیة، وهذا شبیه لما جاء فی الآیة 24 من سورة المطفّفین: (تعرف فی وجوههم نضرة النعیم).

هذا من ناحیة العطایا المادیة، وأمَّا عن العطایا الروحیة فیقول تعالى: (إلى ربّها ناظرة)نظرة بعین القلب وعن طریق شهود الباطن، نظرة تجذبهم إلى الذات الفریدة وإلى ذلک الکمال والجمال المُطْلَقَیْن، وتهبهم اللذة الروحانیة والحال الذی لا یوصف، إذ أنَّ لحظة منها أفضل من الدنیا وما فیها. والجدیر بالذکر أن تقدیم (إلى ربّه) على (ناظرة) تفید الحصر، أی ناظرة إلى الله فقط لا إلى غیره.

وإذا قیل إنَّ أهل الجنان ینظرون إلى غیر الله تعالى أیضاً، فإنّنا نقول: إذا نظروا إلى غیره فإنّهم سوف یرون آثار الله فیها، والنظر إلى الأثر هو نظرٌ إلى المؤثر، وبعبارة اُخرى أنَّهم یرونه فی کلّ مکان. ویرون تجلی قدرته وجلاله وجماله فی کل شیء، ولذا فإنَّ نظرهم إلى نعم الجنان لایجرهم إلى الغفلة عن النظر إلى ذات الله.

ولهذا السبب ورد فی بعض الرّوایات فی تفسیر هذه الآیة: (إنّهم ینظرون الى رحمة الله ونعمته وثوابه)(2) لأنّ النظر إلى ذلک هو بمثابة النظر إلى ذاته المقدّسة.

قال بعض الغافلین: إن هذه الآیة تشیر إلى شأنه فی یوم القیامة، ویقولون: إنَّ الله سوف یُرى بالعین الظاهرة فی یوم القیامة، والحال إنّ مشاهدتهُ بالعین الظاهرة تستلزم جسمانیتهُ. والوجود فی المکان، والکیفیة والحالة الخاصّة وجود جسمانی، ونعلم أنَّ ذاتهُ المقدّسة منزَّهة عن مثل هذا الاعتقاد الملوث، کما اعتمد القرآن هذا المعنى فی آیاتهِ مرات عدیدة، منها ما فی الآیة 103 من سورة الأنعام: (لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار) وهذه الآیة مطلقة لا تختص فی الدنیا.

على کل حال فإنّ عدم النظر الحسی إلى الله تعالى أمرٌ واضح لا یحتاج البحث فیه أکثر من هذا، ویقُرُّ بذلک من لهُ أدنى اطلاع على القرآن والمفاهیم إلاسلامیة.

وقال البعض فی معنى الناظرة أقوالاً اُخرى مثلاً: ناظرة من مادة الإنتظار، أی أنَّ المؤمنین لا ینتظرون شیئاً إلاّ من الله تعالى، وحتى أنّهم لا یعتمدون على أعمالهم الصالحة وأنَّهم ینتظرون رحمة الله ونعمته بشکل دائم.

وإذا قیل إنَّ هذا الإنتظار سیکون مصحوباً مع نوع من الإنزعاج، والحال أنَّ المؤمن لا شیء یزعجهُ فی الجنان، فیقال: إنّ ذلک الإنتظار المصحوب بالإنزعاج هو ما لا یُطمأن عقباه، أما إذا ما وُجد الاطمئنان، فسیکون مثل هذا الإنتظار مصحوباً بالهدوء(3).

والجمع بین معنى (النظر) و(الإنتظار) غیر بعید، لجواز استعمال اللفظ الواحد فی المعانی المتعددة، وإذا کان المراد هو أحد المعنیین، فإن الأرجح هو المعنى الأوّل.

وننهی هذا الکلام بحدیث مسند إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) إذ قال: «إذا دخل أهل الجنّة الجنّة یقول الله تعالى تریدون شیئاً أزیدکم؟ فیقولون: ألم تبیض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنّة وتنجینا من النّار»؟

قال: « فیکشف الله تعالى الحجاب فما أعطوا شیئاً أحبّ إلیهم من النظر الى ربّهم»!(4)

والظریف هو ما ورد فی حدیث عن أَنس بن مالک، عن النّبی(صلى الله علیه وآله) قال: «ینظرون إلى ربّهم بلا کیفیة ولا حد محدود ولا صفة معلومة»(5)، وهذا الحدیث تأکید على المشاهدة الباطنیة لا العینیة.

وفی النقطة المقابلة لهذه الجماعة المؤمنة، هناک جماعة تکون وجوههم مقطبة. (وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذ بَاسِرَةٌ).

«باسرة»: من مادة (بسر) على وزن (نصر)، وهو الشیء غیر الناضج والعمل الذی لم یأت حینه، ولذا یقال لفاکهة النخل غیر الناضجة (بسر) على وزن (عسر) ویطلق على عبوس الوجه. وهذا الوصف هو ردّ فعل الإِنسان قبل وصول العذاب والاذى إلیه.

فعندما ینظر الکافرون إلى علامات العذاب وصحائف أعمالهم الخالیة من الحسنات والمملوءة بالسیئات، یصیبهم الندم والحسرة والحزن ویعبسون وجوههم لذلک.

(تظن أن یفعل بها فاقرة).

یرى الکثیر من المفسّرین بأنَّ (الظن) هنا بمعنى العلم. أی أنَّهم یوقنون بمثل هذا العذاب، والحال أنَّ بعضهم یرى أنَّ (ظن) هنا بمعناها المعروف أی الاحتمال القوی، ومن الطبیعی أنَّهم یوقنون إجمالاً بأنّهم سوف یعذبون، ولکن لیس بمثل هذا العذاب الشدید(6).

«فاقرة»: من مادة (فقرة) على وزن (ضربة) وجمعها (فقار) وتعنی حلقات الظهر، ویقال للحادثة الثقیلة التی تکسر حلقات الظهر «فاقرة»، «والفقیر» قیل له ذلک لهذا الوجه، أی أنّهُ مکسور الظهر(7).

على کل حال فإنّ هذا التعبیر کنایة للعقوبات الثقیلة والتی تنتظر هذه الجماعة فی جهنّم، إنّهم ینتظرون عذاباً قاصماً، والحال إنَّ الجماعة السابقة منتظرون لرحمة الله تعالى ومستعدون للقاء المحبوب. هؤلاء لهم أسوأ العذاب. وأولئک لهم أسمى النِعَمِ الجسمانیة والمواهب واللذات الروحانیة.


1. قال البعض إن «کلاّ» إشارة الى نفی تدبرهم للقرآن المجید، ولیس هذا المعنى صحیحاً لأنّ المخاطب هو نفس النّبی(صلى الله علیه وآله) ولها جانب اعتراضی کما قلنا فی الآیات المتعلقة بالقرآن، وأمّا الآیات التی نحن بصدد البحث فیها فإنّها تتمیم للآیات السابقة حول القیامة.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 464 و465.
3. یعتقد البعض أنّ «النظر» الذی یعنی الإنتظار لا یتعدى بـ «إلى» بل یتعدى بدون حرف الجر، ولکن هنا شواهد من أشعار العرب تشیر إلى أن (النظر) الذی یعنی الإنتظار یتعدى کذلک بـ (إلى) (راجع تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 398; وتفسیر القرطبی، ج 10، ص 6900).
4. تفسیر روح المعانی، ج 29، ص 145.
5. تفسیر المیزان، ج 20، ص 204.
6. من جملة الشواهد التی جاءوا بها لهذا الموضوع هو أنّ الظن إذا کان بمعنى العلم فیجب أن یکون (أن) بعد (تظن) مخففة من الثقیلة والحال هو (أن) مصدر بقرینة إعمالها النصب.
7. «فاقرة» صفة الموصوف محذوف وتقدیرهُ (داهیة فاقرة) و(تظن) فعلٌ و(وجوه) فاعله، وفی التقدیر (أرباب الوجوه) أو (ذوات الوجوه).
سورة القیامة / الآیة 20 ـ 25 سورة القیامة / الآیة 26 ـ 30
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma