الوعود الإلهیة وجزاء المکذبین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المرسلات / الآیة 1 ـ 15 محتوى هذه الأیمان

ذکرت فی صدر السورة ابتداءً خمسة أقسام، وذلک فی خمس آیات. وهناک کلام کثیر فی تفسیر معانیها:

یقول تعالى: (والمرسلات عرف)(1) أی قسماً بالتی تُرسل تباعاً.

(فالعاصفات عصف) التی تُسرع فی حرکتها کالعاصفة.

(والناشرات نشر)... التی توسّع وتنشر ما وکّلت به.

(فالفارقات فرق)... التی تفرق وتفصل.

(فالملقیات ذکر) التی تلقی بالآیات الموقظة والمذکرّة.

(عذراً أو نذر)(2) إمّا لاتمام الحجة أو للانذار.

والآن لِنَرَ ما هو مفهوم هذه الأیمان المغلظّة التی تخبر عن مسائل مهمّة؟ یوجد هنا ثلاث تفاسیر مهمّة:

إنّ هذه الأیمان الخمسة إشارة إلى الریاح والعواصف التی لها الأثر البالغ فی کثیر من مسائل الطبیعة فی العالم، فیصبح معنى الآیات حینئذ: اُقسم بالریح المتوالیة الهبوب.

واُقسم بالأعاصیر السریعة.

واُقسم بالناشرات السحاب التی تنزل المطر إلى الأراضی المیتة.

واُقسم بالریاح التی تفرّق السحاب بعد هطول المطر.

واُقسم بالریاح المذکّرة بالله بهذه المعطیات النافعة.

(وقیل أنّ (فالعاصفات عصف) إشارة إلى أعاصیر العذاب النقیضة للریاح الباعثة للحیاة والتی تعتبر بدورها سبباً للتذکر والیقظة).

إنّ هذه الأیمان إشارة إلى (ملائکة السماء): أی اُقسم بالملائکة المرسلة تباعاً إلى الأنبیاء (والملائکة المرسلین بالمناهج المعروفة)، واُقسم بأولئک المسرعین کالأعصار لتنفیذ مهامهم، والذین ینشرون ما أنزل الله على الأنبیاء، وأولئک الذین یفصلون بعملهم هذا الحق عن الباطل، والذین یلقون ذکر الحق وأوامر الله على الأنبیاء.

القسم الأوّل والثّانی ناظر إلى الریاح والأعاصیر، والقسم الثّالث والرّابع والخامس یتعلق بنشر آیات الحق بواسطة الملائکة، ثمّ فصل الحق عن الباطل، وبعد ذلک إلقاء الذکر والأوامر الإلهیّة على الأنبیاء بقصد إتمام الحجّة والإنذار.

وما یمکن أن یکون شاهداً على التفسیر الثّالث هو:

أوّلاً: فصل المجموعتین من الأقسام التی فی الآیات (بالواو)، والحال أنّ البقیة عطفت بالفاء وهی علامة إرتباطها.

ثانیاً: إنّ هذه الأیمان کما سوف نرى واردة لموضوع الآیة السابعة، أی أحقیّة البعث والمعاد وواقعیته، ونعلم أنّ تغیّراً عظیماً یحصل فی الدنیا عند البعث حیث العواصف الشدیدة والزلازل والحوادث المهیبة من جهة، ثمّ تشکیل محکمة العدل الإلهیّة من جهة اُخرى وعندها تنشر الملائکة صحائف الأعمال وتفصل بین المؤمنین والکافرین، وتلقی بالحکم الإلهی فی هذا المجال.

وطبقاً لهذا التّفسیر سوف یتناسب القسم مع المقسم له، ولهذا فإنّ التّفسیر الأخیر أفضل.

«الذکر» فی جملة: (فالملقیات ذکر) أمّا أن یکون بمعنى العلوم الملقاة على الأنبیاء، أو

الآیات النازلة علیهم، ونعلم أنّ القرآن جاء التعبیر عنه بالذکر کما فی الآیة 6 من سورة الحجر: (وقالوا یا أیّها الذی نزل علیه الذکر إنّک لمجنون).

کلمة «الملقیات» بصیغة الجمع مع أنّ ملک الوحی ـ أی جبرئیل(علیه السلام) ـ واحد لیس إلاّ، لما یستفاد من الرّوایات أنّ جماعات کثیرة من الملائکة کانوا یصحبون جبرئیل(علیه السلام) عند نزول الآیات القرآنیة، کقوله تعالى فی الآیة 15 من سورة عبس: (بأیدی سفرة).

والآن لابدّ أن نرى الغرض من هذه الأیمان، الآیة التالیة ترفع الستار عن هذا المعنى، فتقول: (إنّما توعدون لواقع).

إنّ البعث والنشور، والثواب والعقاب والحساب والجزاء کلها حق لا ریب فیه.

ویرى البعض أنّها إشارة إلى جمیع الوعود الإلهیّة، وتشمل وعود الصالحین والطالحین، فی الدنیا کانت أو فی الآخرة، ولکنّ الآیات التالیة توحی أنّ المراد هو الوعد بالقیامة(3).

وهنا وإن لم یستدل فی هذه الآیة على مسألة المعاد واکتفى بالادعاء، فإنّ ظرافة الموضوع تکمن فی أنّ مواضیع الأیمان السابقة تُعتبر بحدّ ذاتها دلائل للمعاد، منها إحیاء الأراضی المیتة بالأمطار، وهذا نموذج ممّا یحدث فی المعاد، ثمّ نزول التکالیف الإلهیّة على الأنبیاء وإرسال الرسل ممّا لا یکون الهدف منه واضحاً ومفهوماً إلاّ بوجود المعاد، وهذا یُشیر إلى أنّ واقعة البعث أمر حتمی.

وجاء ما یشابه هذا الموضوع فی الآیة 23 من سورة الذاریات إذ یقول الله تعالى: (فوربّ السماء والأرضِ إنّه لحق) القسم بالربّ یعتبر إشارة إلى أنّ ربوبیة الربّ وتدبیره عالَم الخلق یستوجب عدم ترکه للخلق دون رزق.

ثمّ ینتهی إلى تبیان علامات ذلک الیوم الموعود، فیقول: إذا تحقّق ذلک الیوم الموعود فإنّ النجوم سوف تنطفیء وتمحى (فإذا النجوم طمست).

(وإذا السماء فرجت) أی انشقت.

(وإذا الجبال نسفت) أی زالت وانقلعت من مکانها.

(طمست): من مادة (طمس) ـ على وزن شمس ـ وهو محو وزوال آثار الشیء، ومن الممکن أن تشیر العبارة هنا إلى محو نور النجوم أو اختفائها، ولکن التفسیر الأول أنسب، کقوله فی الآیة 2 من سورة التکویر: (وإذا النجوم انکدرت).

نسفت: من مادة (نسف) ـ على وزن حذف ـ وفی الأصل، بمعنى وضع حبوب الغذاء فی الغربال وتحریکه لعزل القشور عن الحبوب، ویعنی هنا تفتیت الجبال ثمّ نسفها فی الریح، ونستوحی من بعض آیات القرآن المجید أنّ انقراض العالم یلازم وقوع حوادث مهولة بحیث یتلاشى نظام العالم بکامله. وحلول نظام الآخرة الجدید مکان ذلک النظام، ولا یمکن وصف تلک الحوادث بأی بیان لما فیها من الرعب والعجب، وهل یوصف حادث تنقلع فیه الجبال وتندک لتتحول إلى غبار وتکون کالصوف المنفوش؟! وکما یرى بعض المفسّرین أنّ هذه الحوادث عظیمة للغایة بحیث إنّ أشد الزلازل المهیبة فی الدنیا بالنسبة لها کفرقعة صغیرة یفرقعها الأطفال للّعب بها مقابل أقوى قنبلة ذریة.

وعلى أی حال فإنّ هذه التعابیر القرآنیة تشیر إلى الإختلاف الکبیر بین أنظمة الآخرة وأنظمة الدنیا.

ثمّ أشار القرآن بعد ذلک إلى ما یجری فی البعث، فیضیف: وفی ذلک الوقت یتمّ تعیین وقت للأنبیاء والرسل لیأتوا إلى ساحة المحشر ویدلوا بشهادتهم: (وإذا الرسل أقِّتَتْ)(4) وهو کقوله: (فلنسألن الذین أرسل إلیهم ولنسألن المرسلین).(5) ثمّ یضیف تعالى: (لأی یوم اُجِّلَتْ)(6)، أی لماذا تمّ تأخیر هذه الشهادة ولأی وقت؟ ثم یقول: (لیوم الفصل) یوم فصل الحق عن الباطل، فصل صفوف المؤمنین عن الکافرین، والأبرار عن الأشرار، ویوم حکم الله المطلق على الجمیع، وقد جاء هذا الحوار لبیان عظمة ذلک الیوم، ویا لهُ من تعبیر بلیغ عمیق لذلک الیوم،... إنّه «یوم الفصل»!!.

ثمّ یبیّن عظمة ذلک الیوم أیضاً، فیقول تعالى: (وما أدراک ما یوم الفصل) إنّ الرسول(صلى الله علیه وآله)بعلمه الواسع وبنظره الحاد الذی کان یرى من خلاله أسرار الغیب لم یکن مطلعاً بصورة کاملة على أبعاد عظمة ذلک الیوم، فکیف بسائر الناس؟ وقد قلنا مراراً إنّنا لا نستطیع الإحاطة والعلم بجمیع أسرار القیامة العظیمة فنحن سجناء قفص الدنیا، وما نتصوره عن ذلک الیوم لیس إلاّ شبحاً وخیالاً یحکی عن مجریات الآخرة.

وفی آخر آیة من آیات بحثنا هدد الله تعالى المکذبین بیوم القیامة تهدیداً شدیداً وقال: (ویل یومئذ للمکذبین).

ویل: قیل هو الهلاک، وقیل المراد به العذاب المتنوع، وقیل هو واد فی جهنّم ملیء بالعذاب، وتستخدم هذه الکلمة عادة فیما یخص الحوادث المؤسفة، وهنا تحکی الآیة عن مصیر المکذبین المؤلم فی ذلک الیوم(7).

المراد بالمکذبین هنا هم المکذبون بیوم القیامة، ونعلم أنّ من لا یؤمن بیوم القیامة ومحکمة العدل الإلهی وبالحساب والجزاء یسهل علیه أن یرتکب الذنوب والظلم والفساد، بعکس الإیمان الراسخ بذلک الیوم فإنّه یهب الإنسان التقوى والإحساس بالمسؤولیة.


1. «عرفاً» بمعنى متتابعاً، وأصله بمعنى (عرف الفرس) المتساقط بعضها على البعض الآخر، وفُسر أحیاناً بالعمل الحسن والمعروف.
2. «عذراً أو نذراً» محله من الإعراب النصب على أنّه (مفعول لأجله) وقیل (حال).
3. العطف بالفاء أیضاً یقوی هذا المعنى.
4. «أقّتت» أصلها «وقِّتت» من مادة «وقت» إذ أن الواو المضمومة بدلت إلى الهمزة، ویعنی توقیت الوقت لرسل الله تعالى، وهذا واضح إذ لا یُعین لهم وقت بل یتعیّن لعملهم، أی لشهادتهم على الاُمم، ولذا قیل إن فی الآیة حذفاً.
5. الأعراف، 6.
6. طبقاً لهذا التفسیر فإن الضمیر فی (أجلت) یعود إلى شهادة الأنبیاء والرسل على الاُمم، وهو ما یستفاد منه فی الآیة السابقة، وقیل إنّه یعود إلى جمیع الاُمور المرتبطة بالأنبیاء وما أعطوا من الأخبار بالثواب والعقاب وحوادث القیامة وغیرها، وقیل: إنّها إشارة إلى جمیع الاُمور التی وردت فی الآیات السابقة کظلام النجوم وغیرها، ولکن من الواضح أن التّفسیر الأوّل أنسب، لأنّ مرجع الضمیر فی الآیة متصل بذلک.
7. ورد مزید من التوضیح فی باب معنى «ویل» واختلافه مع (ویس) و(ریح) فی هذا التفسیر، ذیل الآیة 60 من سورة الذاریات.
سورة المرسلات / الآیة 1 ـ 15 محتوى هذه الأیمان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma