قوا أنفسکم وأهلیکم النار:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة التّحریم / الآیة 6 ـ 8 1ـ تعلیم وتربیة العائلة

تخاطب الآیات السابقة جمیع المؤمنین، وترسم لهم المنهج الصالح لتربیة الزوجات والأولاد والاُسرة بشکل عامّ، فهی تقول أوّلا: (یاأیّها الذین آمنوا قوا أنفسکم وأهلیکم ناراً وقودها الناس والحجارة).

وذلک بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء، وحفظ العائلة من الانحراف بالتعلیم والتربیة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وتهیئة الأجواء الصالحة والمحیط الطاهر من کلّ رذیلة ونقص.

وینبغی مراعاة هذا البرنامج الإلهی منذ اللحظات الاُولى لبناء العائلة، أی منذ أوّل مقدّمات الزواج، ثمّ مع أوّل لحظة لولادة الأولاد، ویراعى ویلاحظ بدقّة حتى النهایة.

وبعبارة اُخرى: إنّ حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفیر المسکن والمأکل، بل الأهمّ تربیة نفوسهم وتغذیتها بالاُصول والتعالیم الإسلامیة وتنشئتها نشأة تربویة صحیحة.

والتعبیر بـ «قوا» إشارة إلى أنّ ترک الأطفال والزوجات دون أیّة متابعة أو إرشاد سیؤدّی إلى هلاکهم ودخولهم النار شئنا أم أبینا، لذا علیکم أن تقوهم وتحذّروهم من ذلک.

«الوقود» هو المادّة القابلة للإشتعال مثل (الحطب) وهو بمعنى المعطی لشرارة النار کالکبریت ـ مثلا ـ فإنّ العرب یطلقون علیه (الزناد).

وبناءً على هذا فإنّ نار جهنّم لیس کنیران هذا العالم، لأنّها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور ولیس فقط صخور الکبریت التی أشار إلیها بعض المفسّرین، فإنّ لفظ الآیة مطلق یشمل جمیع أنواع الصخور.

وقد اتّضح فی هذا العصر أنّ کلّ قطعة من الصخور تحتوی على ملیارات الملیارات من الذرّات التی إذا ما تحرّرت الطاقة الکافیة فیها فسینتج عن ذلک نار هائلة یصعب على الإنسان تصوّرها.

وقال بعض المفسّرین: إنّ «الحجارة» عبارة عن تلک الأصنام التی کانوا یعبدونها.

ویضیف القرآن قائلا: (علیها ملائکة غلاظ شداد لا یعصون الله ما أمرهم ویفعلون ما یؤمرون).

وبهذا لا یبقى طریق للخلاص والهروب، ولن یؤثّر البکاء والإلتماس والجزع والفزع.

ومن الواضح أنّ أصحاب الأعمال والمکلّفین بتنفیذها، ینبغی أن تکون معنویاتهم وروحیّتهم تنسجم مع تلک المهام المکلّفین بتنفیذها. ولهذا یجب أن یتّصف مسؤولو العذاب والمشرفون علیه بالغلظة والخشونة، لأنّ جهنّم لیست مکاناً للرحمة والشفقة، وإنّما هی مکان الغضب الإلهی ومحلّ النقمة والسخط الإلهیین، ولکن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حدّ العدالة والأوامر الإلهیّة، إنّما: (یفعلون ما یؤمرون) دون أیّة زیادة أو نقصان.

وتساءل بعض المفسّرین حول تعبیر (لا یعصون) الذی ینسجم مع القول بعدم وجود تکلیف یوم القیامة، ولکن یجب الإنتباه إلى أنّ الطاعة وعدم العصیان من الاُمور التکوینیة لدى الملائکة لا التشریعیة.

بتعبیر آخر: إنّ الملائکة مجبولون على الطاعة غیر مختارین، إذ لا رغبة ولا میل لهم إلى سواها.

فی الآیة اللاحقة یخاطب الکفّار ویصف وضعهم فی ذلک الیوم العصیب بقوله: (یاأیّها الذین کفروا لا تعتذروا الیوم إنّما تجزون ما کنتم تعملون).

قد جاءت هذه الآیة بعد الآیة السابقة التی خاطب بها المؤمنین، لیکون واضحاً أنّ عدم الالتزام بأوامر الله وعدم الإهتمام بالنساء والأولاد والأهل قد تکون نتیجته وعاقبته کعاقبة الکفّار یوم القیامة.

والتعبیر بـ (إنّما تجزون ما کنتم تعملون) یؤیّد هذه الحقیقة مرّة اُخرى، وهی أنّ جزاء المؤمنین یوم القیامة إنّما هو أعمالهم نفسها التی تظهر أمامهم وترافقهم. وممّا یؤیّد ذلک أیضاً التعبیر الذی ورد فی الآیة السابقة الذی یقول إنّ نار جهنّم: (وقودها الناس والحجارة).

وممّا یجدر ذکره أنّ عدم قبول الإعتذار ناتج عن کونه نوعاً من التوبة، والتوبة لا تقبل فی غیر هذا العالم، سواء کان قبل دخول النار أو بعد دخولها.

ویلقی القرآن الضوء فی الآیة اللاحقة على طریق النجاة من النار حیث یقول: (یاأیّها الّذین آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوح).

نعم، إنّ أوّل خطوة على طریق النجاة هی التوبة والإقلاع عن الذنب، التوبة التی یکون هدفها رضا الله والخوف منه، التوبة الخالصة من أی هدف آخر کالخوف من الآثار الاجتماعیة والآثار الدنیویة للذنوب، وأخیراً التوبة التی یفارق بها الإنسان الذنب ویترکه إلى الأبد.

ومن المعلوم أنّ حقیقة التوبة هی الندم على الذنب، وشرطها التصمیم على الترک فی المستقبل، وأمّا إذا کان العمل قابلا لأن یجبر ویعوّض فلابدّ من الجبران والتعویض، والتعبیر بـ (یکفّر عنکم) إشارة إلى هذا المعنى، وبناءً على هذا یمکننا تلخیص أرکان التوبة بخمسة اُمور (ترک الذنب، الندم، التصمیم على الإجتناب فی المستقبل، جبران ما مضى، الإستغفار).

«نصوح» من مادّة نصح، بمعنى طلب الخیر بإخلاص، ولذلک یقال للعسل الخالص بأنّه (ناصح) وبما أنّ من یرید الخیر واقعاً یجب أن یکون عمله توأماً للإتقان جاءت کلمة «نصح» أحیاناً بهذا المعنى، ولذا یقال للبناء المتین بأنّه «نصاح» ـ على وزن کتاب ـ ویقال للخیّاط «ناصح»، وکلا المعنیین ـ أی الخلوص والمتانة ـ یجب توفّرهما فی التوبة النصوح(1).

وأمّا حول المعنى الحقیقی للتوبة النصوح؟ فقد وردت تفاسیر مختلفة ومتعدّدة حتى أوصلها البعض إلى 23 تفسیر(2).

غیر أنّ جمیع هذه التفاسیر تعود إلى حقیقة واحدة وفروعها والاُمور المتعلّقة بها وشرائطها المختلفة.

ومن هذه التفاسیر القول بأنّ التوبة (النصوح) یجب أن تتوفّر فیها أربعة شروط: الندم الداخلی، الاستغفار باللسان، ترک الذنب، والتصمیم على الإجتناب فی المستقبل.

وقال البعض الآخر بأنّها (أی التوبة النصوح) ذات شروط ثلاثة (الخوف من عدم قبولها، والأمل بقبولها، والاستمرار على طاعة الله.

أو أنّ التوبة «النصوح» التی تجعل الذنوب دائماً أمام أعین أصحابها، لیشعر الإنسان بالخجل منها.

أو أنّها تعنی إرجاع المظالم والحقوق إلى أصحابها، وطلب التحلیل وبراءة الذمّة من المظلومین، والمداومة على طاعة الله.

أو هی التی تشتمل على اُمور ثلاثة: قلّة الأکل، قلّة القول، قلّة النوم.

أو التوبة النصوح هی التی یرافقها بکاء العین، واشمئزاز القلب من الذنوب وما إلى ذلک من فروع التوبة الواقعیة وهی التوبة الخالصة التامّة الکاملة.

جاء فی حدیث عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) عندما سأله معاذ بن جبل عن «التوبة النصوح» أجابه قائلا: «أن یتوب التائب ثمّ لا یرجع فی الذنب کما لا یعود اللبن إلى الضرع»(3).

وبهذا التعبیر اللطیف یتّضح أنّ التوبة یجب أن تحدث إنقلاباً فی داخل النفس الإنسانیة، وتسدّ علیها أی طریق للعودة إلى الذنب، وتجعل من الرجوع أمراً مستحیلا کما یستحیل إرجاع اللبن إلى الضرع والثدی.

وقد جاء هذا المعنى فی روایات اُخرى، وکلّها توضّح الدرجة العالیة للتوبة النصوح، فإنّ الرجوع ممکن فی المراتب الدنیا من التوبة، وتتکرّر التوبة حتى یصل الإنسان إلى المرحلة التی لا یعود بعدها إلى الذنب.

ثمّ یشیر القرآن الکریم إلى آثار التوبة الصادقة النصوح بقوله: (عسى ربّکم أن یکفّر عنکم سیّئاتکم).

(ویدخلکم جنّات تجری من تحتها الأنهار).

(یوم لا یخزی الله النّبی والذین آمنوا معه).

(نورهم یسعى بین أیدیهم وبأیمانهم) ویضیء لهم طریقهم فی المحشر ویوصلهم إلى الجنّة.

وهنا یتوجّهون إلى الله بطلب العفو: (یقولون ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنّک على کلّ شیء قدیر).

وبذلک تکون التوبة (النصوح) لها خمس ثمرات مهمّة:

الاُولى: غفران الذنوب والسیّئات.

الثانیة: دخول الجنّة المملوءة بنعم الله.

الثالثة: عدم الفضیحة فی ذلک الیوم العصیب الذی ترتفع فیه الحجب وتظهر فیه حقائق الأشیاء، ویفتضح الکاذبون الفجّار، نعم فی ذلک الیوم سیکون للرسول(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین شأن عظیم، لأنّهم لم ولن یقولوا إلاّ ما هو واقع.

الرابعة: أنّ نور إیمانهم وعملهم یتحرّک بین أیدیهم فیضیء طریقهم إلى الجنّة، (واعتبر بعض المفسّرین أنّ «النور» الذی یتحرّک أمامهم إنّما هو نور العمل، وکان لنا تفسیر آخر أوردناه فی ذیل الآیة 12 من سورة الحدید).

الخامسة: یتجهون إلى الباری أکثر من ذی قبل، ویرجونه تکمیل نورهم والغفران الکامل لذنوبهم.


1. یتصوّر البعض أنّ «نصوح» اسم شخص معیّن، وذکروا له قصّة مفصّلة، ولکن یجب الإلتفات إلى أنّ «نصوح» لیس إسماً لشخص، بل یعطی معنىً وصفیّاً رغم أنّه لا یبعد صحّة القصّة المذکورة.
2. تفسیر القرطبی، ج 10، ص 6766.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 318.
سورة التّحریم / الآیة 6 ـ 8 1ـ تعلیم وتربیة العائلة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma