استمراراً للبحث مع المنکرین لنبوّة الرّسول(صلى الله علیه وآله) والیوم الآخر تؤکّد الآیات التالیة فی أقسام عدیدة على مسألة القیامة والجحیم وعذابها، فیقول تعالى: (کلا والقمر).
«کلاّ»: حرف ردع وإنکار لما تقدم أو ردع لما سیأتی، ویعنی هنا نفی تصور المشرکین والمنکرین بجهنّم وعذابها، والساخرین بخزنة جهنّم بقرینة الآیات السابقة.
وأقسم بالقمر لأنّه إحدى الآیات الإلهیّة الکبرى، لما فیه من الخلقة والدوران المعظم والنور والجمال والتغییرات التدریجیة الحاصلة فیه لتعیین الأیّام باعتباره تقویماً حیّاً کذلک.
ثمّ یضیف: (واللیل إذ أدبر)، (والصبح إذا أسفر).(1)
فی الحقیقة أنّ هذه الأقسام الثلاثة مرتبطة بعضها بالآخر ومکملة للآخر، وکذلک لأنّنا کما نعلم أنّ القمر یتجلى فی اللیل، ویختفی نوره فی النهار لتأثیر الشمس علیه، واللیل وإن کان باعثاً على الهدوء والظلام وعنده سرّ عشاق اللیل، ولکن اللیل المظلم یکون جمیلاً عندما یدبر ویتجه العالم نحو الصبح المضیء وآخر السحر، وطلوع الصبح المنهی للّیل المظلم أصفى وأجمل من کل شیء حیث یثیر فی الإنسان النشاط ویجعله غارقاً فی النور والصفاء.
هذه الأقسام الثلاثة تتناسب ضمنیاً مع نور الهدایة (القرآن) واستدبار الظلمات (الشرک) وعبادة (الأصنام) وطلوع بیاض الصباح (التوحید)، ثمّ ینتهی إلى تبیان ما أقسم من أجله فیقول تعالى: (إنّها لاحدى الکبر).(2)
إنّ الضمیر فی (إنّه) إمّا یرجع إلى «سقر»، وإمّا یرجع إلى الجنود، أو إلى مجموعة الحوادث فی یوم القیامة، وأیّاً کانت فإنّ عظمتها واضحة.
ثمّ یضیف تعالى: (نذیراً للبشر).(3)
لینذر الجمیع ویحذرهم من العذاب الموحش الذی ینتظر الکفّار والمذنبین وأعداء الحق.
وفی النهایة یؤکّد مضیفاً أنّ هذا العذاب لا یخص جماعة دون جماعة، بل: (لمن شاء منکم أن یتقدم أو یتأخر) فهنیئاً لمن یتقدم، وتعساً وترحاً لمن یتأخر.
واحتمل البعض کون التقدم إلى الجحیم والتأخر عنه، وقیل هو تقدم النفس الإنسانیة وتکاملها أو تأخرها وانحطاطها، والمعنى الأوّل والثّالث هما المناسبان، دون الثّانی.