قسماً بیوم القیامة والنفس اللوامة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة القیامة / الآیة 1 ـ 6 1ـ محکمة الضمیر أو القیامة الصغرى

تبدأ هذه السورة بقَسَمَین غزیرین بالمعانی، فیقول تعالى: (لا اُقسم بیوم القیامة * ولا اُقسم بالنفس اللوامة).

وهناک أقوال للمفسّرین فی ذلک، فقیل أنّ ) زائدة للتأکید وأنّها لا تنفی القسم، بل تؤکّده، وقیل وربّما نافیة، والغایة فی ذلک هو أن یقول لا أقسم بذلک لأهمیة هذا الموضوع (کالقول لا أقسم بحیاتک لأنّها أعلى من القسم).

وأخذ أغلب المفسّرین بالتّفسیر الأوّل، ولکن البعض الآخر أخذ بالتّفسیر الثّانی حیث قالوا إنّ (لا) الزائدة لا تأتی فی أوّل الکلام بل فی وسطه، والأوّل هو الأصح ظاهراً. لأنّ القرآن الکریم قد أقسم باُمور هی أهم من القیامة، کالقسم بذات اللّه المقدّسة، لذا لیس هناک دلیل على عدم القسم هنا بیوم القیامة، وهناک مثال لإتّخاذ لا الزائدة فی أوّل الکلام، وهو ما ورد فی أشعار «امریء القیس» حیث استعمل «لا» الزائدة فی بدایة قصائده الشعریة

لا وأبیک ابنة العامر *** لا یدعی القوم أنی أفر ولکن ما نعتقده أنّ البحث لیس مهمّاً حول ما إذا کانت (لا) نافیة أو زائدة، وذلک لأنّ نتیجة القولین هی واحدة وهی بیان أهمیة الموضوع الذی أقسم لأجله.

المهم أن نرى ما هی العلاقة والرّابطة الموجودة بین القسمین.

الحقیقة أنّ أحد دلائل وجود «المعاد» هو وجود «محکمة الوجدان» الموجودة فی أعماق

الإنسان، والتی تنشط وتسر عند الإقدام لإنجاز عمل صالح، وبهذه الطریقة تثیب صاحبها وتکافئه، وعند إرتکاب الأعمال السیئة والرذیلة فإنّها سوف تقوم بتقریع صاحبها وتأنّبه وتعذبه إلى حدّ أنّه قد یقدم على الإنتحار للتخلص ممّا یمرّ فیه من عذاب الضمیر.

وفی الحقیقة أنّ الضمیر هو الذی أصدر حکم الإعدام، وتمّ تنفیذ ذلک بنفسه، أنّ دوی النفس اللوامة فی وجود الإنسان واسع جدّاً، وهی قابلة للتمعن والمطالعة فی کلّ الأحوال وفی بحث الملاحظات نشیر إلى ذلک بشکل واسع.

عندما یکون (العالم الصغیر) أی وجود الإنسان محکمة فی قلبه، فکیف یمکن للعالم الکبیر أن لا یملک محکمة عدل عظمى؟

فمن هنا نفهم وجود البعث والقیامة بواسطة وجود الضمیر الأخلاقی، ومن هنا تتّضح الرابطة الظریفة بین القَسَمَین، وبعبارة اُخرى فإنّ القسم الثّانی هو دلیل على القسم الأوّل.

وأمّا ما یراد بـ «النفس اللوامة»(1) فهناک أقوال کثیرة ومختلفة قد ذکرت للمفسّرین، وأحد تلک التّفاسیر المشهورة هو ما ذکرناه آنفاً، وهو أنّها «الوجدان الا خلاقی» الذی یلوم الإنسان فی الدنیا على المعصیة ویحفّزه على إصلاح ما بدا منه.

والتّفسیر الآخر هو أنّ المراد بالنفس الإنسانیة بصورة عامة التی تلوم صاحبها یوم القیامة، فإذا کان مؤمناً فإنّها تلومه على عدم الإکثار من الصالحات وعلى قلّة الطاعة، وإن کان الکافراً فإنّها تلومه على کفره وشرکه وفجوره.

وأمّا الآخر: فالمراد نفس الکافر التی تلومه یوم القیامة على ما قدم من کفر ومعصیة.

والوجه الأوّل یناسب الآیة السابقة والتی تلیها، أجل إنّ لمحکمة الضمیر مقاماً ومنزلة عظیمة ولهذا یقسم اللّه بها، ویستعظم قدرها، وهی بحقّ عظیمة القدر، لأنّها أحد العوامل المهمّة لخلاص الإنسان بشرط أن تکون واعیة ویقظة وغیر عاجزة بسبب الذنوب والآثام.

وممّا تجدر الإشارة إلیه هو أنّ جواب القسم محذوف، وهذا ما تدل علیه الآیات التالیة والتقدیر «لتبعثن یوم القیامة» أو «أنّکم تبعثون» فیکون المعنى: لا اُقسم بیوم القیامة ولا اُقسم بالنفس اللوامة أنّکم تبعثون یوم القیامة وتجزون ما کنتم تفعلون.

ومن الظریف أنّ القسم جاء بیوم القیامة على وجود یوم القیامة، وذلک لأنّه إلى درجة من الوضوح والبداهة أنّه یمکن القسم به حتى فی مقابل المنکرین.

ثمّ یستفهم تعالى فی الآیة الاُخرى للتوبیخ فیضیف: (أیحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه * بلى قادرین على أن نسوّی بنانه).

ورد فی روایة أنّ أحد المشرکین وهو «عدی بن أبی ربیعة» کان جاراً للنّبی(صلى الله علیه وآله) فسأل النّبی عن أمر القیامة فأخبره به، فقال عدی: لو عاینت ذلک الیوم لم اُصدقک، أوَ یَجمع اللّه هذه العظام؟ فنزلت هذه الآیات وأجابتهُ على ذلک، ولذا قال فیه النّبی(صلى الله علیه وآله) «اللّهم اکفنی شر جار سوء»(2).

وهناک نظائر لهذا المعنى فی الآیات القرآنیة الاُخرى، منها الآیة 78 من سورة (یس) حیث إنّ منکراً من منکری المعاد کانت بیده عظاماً، فقال للنّبی(صلى الله علیه وآله): (من یحیى العظام وهی رمیم

والتعبیر بکلمة «یحسب» التی هی من الحسبان وتعنی الظن، إشارة إلى أنّ المنکرین لا یؤمنون بما یقولون، بل یعتمدون على ما یظنون من الوهم.

ولکن نرى أنّه قد اعتمد على العظام خاصّة، وهذا لکون دوام بقاء العظام أکثر من غیرها من أجزاء الجسد، ولذا تکون اعادتها حینما تکون تراباً متناثراً بعیداً فی نظر عدیمی الإیمان.

ثمّ إنّ العظام من الأرکان المهمّة فی بدن الإنسان، لأنّها تشکل أعمدة البدن، وکلّ الحرکات والتغیرات المهمّة الحاصلة فی البدن وکذلک الفعالیات المختلفة تتمّ بواسطة العظام، وکثرة وتنوع أشکال ومقاییس العظام فی جسم الإنسان من عجائب الخلقة الإلهیّة، تتّضح أهمّیتها عندما تتعطل فقرة واحدة من فقرات الظهر عن العمل وتسبب فی شلّ حرکة البدن.

«البنان»: أطراف الأصابع، وقیل الأصابع، وفی المعنیین إشارة إلى أنّ اللّه تعالى لیس قادراً على جمع العظام وإرجاعها إلى صورتها الاُولى فحسب، بل إنّه تعالى یسوی العظام الصغیرة والظریفة والدقیقة للأصابع على ما کانت علیه فی الخلق الأوّل، والأعجب من ذلک یمکنهُ تعالى اعادة بصمات الأصابع کما کانت علیه أیضاً.

ویمکن أن یکون ذلک إشارة لطیفة إلى الخطوط الموجودة فی أطراف الأصابع والتی نادراً ما تتساوى هذه الخطوط عند شخصین.

وبتعبیر آخر إنّ هذ الخطوط الموجودة فی أطراف الأصابع هی المعرّفة لشخص الإنسان، ولذا صار بصم الأصابع فی عصرنا هذا أمراً علمیاً، وبهذه الطریقة یمکن کشف الکثیر من السراق والمجرمین، فیکفی فی کشف السارق وضعه أصابعه على مقبض الباب، أو زجاجة الغرفة، أو قفل الصندوق وبقاء أثر خطوط أنامله علیها، ثمّ یؤخذ من ذلک الطبع نموذج وتتمّ مقابلته مع آثار أصابع اللصوص السابقین التی أخذت منهم سلفاً، وهکذا یعرف المجرم والسارق.

وفی الآیة الاُخرى إشارة إلى أحد العلل الحقیقة لإنکار المعاد فیقول: (بل یرید الإنسان لیفجر أمامه)، إنّهم یریدون أن یکذبوا بالبعث وینکروا المعاد، لیتسنى لهم الظلم وارتکاب المحارم والتنصل عن المسؤولیة أمام الخلق، وذلک لأنّ الإیمان بالمعاد والقیامة ومحکمة العدل الإلهیّة بمثابة سدّ عظیم فی مقابل المعاصی والذنوب والنفس الأمارة ترید کسر هذا السدّ وهذا الطوق لیفجر الإنسان مدى عمره ویعمل ما یشاء، وهذا لیس منحصراً بالأزمنة السابقة، بل إنّ إحدى علل المیول إلى المادیة وإنکار المبدأ والمعاد فی هذا العصر هو کسب الحریة للفجور والهروب من المسؤولیة، وتحطیم کل القوانین الإلهیّة، وإلاّ فإنّ دلائل المبدأ والمعاد واضحة، وقد ورد فی تفسیر علی بن ابراهیم فی توضیح معنى هذه الآیة حیث قال: یقدّم الذنب ویؤخر التوبة ویقول سوف أتوب.(3)

وقیل المراد من «الفجور» «التکذیب»، فیکون المعنى، یرید أن یکذب بالبعث الذی سوف یقع أمامه، ولکن التفسیر الأوّل أنسب.

ثمّ یضیف بعد ذلک : (یسأل أیّان یوم القیامة).

أجل، إنّه یستفهم مستنکراً عن وقوع یوم القیامة ویهرب ممّا کُلّف به لکی یفسح لنفسه طریق الفجور أمامه، والجدیر بالذکر أنّ سؤالهم هذا عن وقت حدوث القیامة لا یعنی أنّهم یؤمنون بأصل القیامة، بل هو مقدّمة لإنکار أصل القیامة کالذی یقول: (فلانٌ سوف یقدم من السفر) وإذا ما تأخر فترة من الزمن یعترض من ینکر قدوم ذلک المسافر فیقول: (متى سوف یأتی المسافر)؟


1. «اللوامة» صیغة مبالغة وتعنی کثیرة اللوم.
2. أورد هذه الروایة المراغی، وکذلک ذکرت فی روح المعانی، وتفسیر الصافی بتفاوت یسیر.
3. تفسیر على بن ابراهیم، ج 2، ص 396.
سورة القیامة / الآیة 1 ـ 6 1ـ محکمة الضمیر أو القیامة الصغرى
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma