خلقکم اللّه من الأرض کالنبات

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة نوح / الآیة 15 ـ 20 سورة نوح / الآیة 21 ـ 25

کان نوح(علیه السلام) یبیّن للمشرکین المعاندین حقائق عمیقة ومستدلة، إذ کان یأخذ بهم إلى أعماق وجودهم لیشاهدوا حقائق هذه الآیات (کما مرّ فی الآیات السابقة) ودعاهم إلى ما خلق اللّه من علامات فی هذا العالم الکبیر، فکان یسیر بهم إلى تلک الآفاق(1).

یبدأ أوّلاً بالسماء فیقول: (ألم تروا کیف خلق اللّه سبع سموات طباق)(2)

«طباقاً»: مصدر من باب (مفاعلة) بمعنى «مطابقة»، وأحیاناً تأتی بمعنى وضع الشیء فوق شیء آخر، وتأتی أحیاناً اُخرى بمعنى مطابقة ومماثلة شیئین أحدهما مع الآخر، والمعنیان یصدقان هنا.

وما طبق للمعنى الأوّل أنّ السماوات بعضها فوق بعض، وکما قلنا سابقاً حسب تفسیر السموات السبع فإنّ کل ما نراه من الکواکب المتحرکة والثابتة بالعین المجرّدة أو غیرها هی من السماء الاُولى، ثمّ تلیها السموات الست الاُخرى متطابقة بعضها فوق الاُخرى، ولم یصل علم الإنسان إلى هذه المرتبة فعلاً، ولکن یمکن فی المستقبل أن یتطور علم الإنسان فیکشف ما فی السموات من عجائب الواحدة بعد الاُخرى(3).

وعلى الاحتمال الثّانی فإنّ القرآن یشیر إلى مطابقة وتناسق السماوات السبع فی النظم والعظمة والجمال.

ثمّ یضیف: (وجعل القمر فیهنّ نوراً وجعل الشّمس سراج)(4).

صحیح أنّ فی السماوات السبع ملیارات من الکواکب المضیئة والتی هی أکثر ضیاءً من الشمس، ولکن ما یهمنا وما یؤثر فی حیاتنا هی هذه الشمس وکذلک القمر، هذه المنظومة الشمسیة التی تضیء الشمس فیها بالنهار والقمر بدوره ینیر اللیل.

التعبیر بالسراج للشمس وبالنور للقمر هو أنّ نور الشمس ینشأ من ذاتها کالسراج، وأمّا نور القمر فإنّه لیس من باطنه بل انعکاس لنور الشمس، ولهذا فإنّ کلمة نور ذات المفهوم العام هی المستخدمة فی هذا المورد، ویشاهد اختلاف التعابیر فی آیات القرآن أیضاً، وقد أوردنا شرحاً مفصلاً فی هذا الباب فی ذیل الآیه 5 من سورة یونس(علیه السلام).

ثمّ یعود ذلک إلى الإنسان فیقول: (واللّه أنبتکم من الأرض نبات)(5).

التعبیر بـ «الإنبات»، فی شأن الإنسان لأسباب، أوّلاً: خلق الإنسان الأوّل من التراب.

ثانیاً: إنّ المواد الغذائیة التی یتناولها الإنسان وبها ینمو ویحیى، هی من الأرض، فهو إمّا یتناول الخضار والحبوب الغذائیة أو الفواکه مباشرة، أو بطریق غیر مباشر کلحوم الحیوانات.

ثالثاً: هناک تشابه کثیر بین الإنسان والنبات، وهناک کثیر من القوانین التی یسری حکمها على نمو وتغذیة النباتات هی ساریة أیضاً على الإنسان.

وهذا التعبیر فی شأن الإنسان غنی بالمعانی، ویدل على أنّ التدبیر الإلهی فی مسألة الهدایة لیس فقط کتدبیر وعمل المعلم وحسب، بل هو کعمل الزارع الذی ینثر البذور فی محیط جید یساعدها على النمو، وفی الآیة 37 من سورة  آل عمران یقول اللّه تعالى بشأن مریم(علیها السلام): (وأنبتها نباتاً حسن) وکلّ هذا إشارة إلى ذلک المضمون اللطیف.

ثمّ یمضی إلى مسألة المعاد والتی کانت من المسائل المعقدة عند المشرکین فیقول: (ثمّ یعیدکم فیها ویخرجکم إخراج).

کنتم فی البدء تراباً، ثمّ تعودون إلى التراب ثانیة، ومن کانت له القدرة على أن یخلقکم من التراب هو قادر على أن یحییکم بعد الموت.

هذا الإنتقال من التوحید إلى المعاد الذی جاء فی سیاق هذه الآیات بصورة لطیفة یشیر إلى العلاقة القریبة بینهما، وهکذا کان نوح(علیه السلام) یوضح لمخالفیه أمر التوحید بالاستدلال عن طریق نظام الخلقة ویستدل کذلک بها على المعاد.

ثمّ یعود مرّة اُخرى إلى آیات الآفاق وعلامات التوحید فی هذا العالم الکبیر، ویتحدث عن نعم وجود الأرض فیقول: (واللّه جعل لکم الأرض بساط)(6).

لیست هی بتلک الخشونة بحیث لا یمکنکم الإنتقال والاستراحة علیها، ولیست بتلک النعومة بحیث تغطسون فیها، وتفقدون القدرة على الحرکة، لیست حارقة وساخنة بحیث تلقون مشقّة من حرّها، ولیست باردة بحیث تتعسر حیاتکم فیها، مضافاً إلى ذلک فهی کالبساط الواسع الجاهز المتوفر فیه جمیع متطلباتکم المعیشیة.

ولیست الأراضی المسطحة کالبساط الواسع فحسب، بل بما فیها من الجبال والودیان والشقوق المتداخلة بعضها فوق بعض والتی یمکن العبور من خلالها.

(لتسلکوا منها سُبلاً فجاج).

«فجاج» على وزن (مزاج)، وهو جمع فج، وبمعنى الوادی الفسیح بین الجبلین، وقیل الطریق الواسعة(7).

وبهذا فإنّ نوح(علیه السلام) یشیر فی خطابه تارةً إلى العلامات الإلهیة فی السماوات والکواکب والسماویة، وتارةً اُخرى إلى النعم الإلهیّة الموجودة فی البسیطة، وثالثة إلى وجود الإنسان الذی یعتبر بحدّ ذاته دلیلاً على معرفة اللّه تعالى وإثبات المعاد، ولکن لم تؤثر أی من هذه الإنذارات والبشائر والرغائب والاستدلالات المنطقیة فی قلوب هؤلاء القوم المعاندین الذین استمروا فی مخالفتهم وکفرهم، وأخذتهم الأنفة عن الإنقیاد لحمید العاقبة، وسنرى عاقبة هذا العناد فی الآیات القادمة.


1. هذا الخطاب تابع لکلام نوح(علیه السلام)، أو أنّها جمل مستقلة ومعترضة من اللّه تعالى إلى المسلمین، وهو محل بحث بین المفسّرین، والکثیر منهم یرجح أن یکون ذلک تابعاً لکلام نوح(علیه السلام)، وسیاق الآیات یشیر أیضاً إلى ذلک، وإذا ما وردت جملة: (وقال نوح) بعد هذه الآیات فإنّها تشیر إلى أنّ نوح(علیه السلام) قد انتهى من کلامه مع الناس وتوجه بعد ذلک إلى اللّه تعالى لیشکو من قومه.
2. «طباقاً» یحتمل أن یکون مفعول مطلق أو حال.
3. أوضحنا الکلام فی التفاسیر المختلفة للسماوات السبع فی ذیل الآیة 29 من سورة البقرة.
4. من هنا أنّ ضمیر «فیهنّ» والذی یرجع فی الظاهر إلى «السماوات السبع» لا یثیر مشکلة لأنّ الخطاب فی النور والضیاء هو لنا، لأجل هذا لا یلزم أن نجعل «فی» بمعنى «مع» أو نجعل الضمیر «هن» بمعنى «السماء الدنیا»(فتدبّر).
5. یجب أن تلفظ هذه الکلمة حسب القاعدة «إنباتاً» لکن لهذه الآیة تقدیر هو: «أنبتکم من الأرض فنبتم نباتاً» تفسیر الکبیر وروح الجنان.
6. «بساط» من أصل «بسط» بمعنى بسط الشیء، ولهذا فإنّ کلمة «بساط» تطلق على کل شیء واسع وأحد مصادیقها «البساط».
7. مفرادت الراغب، مادة (فج).
سورة نوح / الآیة 15 ـ 20 سورة نوح / الآیة 21 ـ 25
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma