الفتنة باغداق النعمة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة الجنّ / الآیة 16 ـ 19 التّحریف فی تفسیر الآیة (وأنّ المساجد للّه)

هذه الآیات تشیر ظاهراً إلى استمرار الجن فی حدیثهم مع قومهم: (وإن کان بعض المفسّرین یعتبرون هذه الآیة معترضة بین کلام الجن) ولکن اعتراضها خلاف الظاهر، وسیاق هذه الآیات یشابه السابقة والذی کان من کلام الجن، ولذا یستبعد أن یکون هذا الکلام لغیر الجن.(1)

على کل حال فإنّ سیاق الآیات السابقة یشیر إلى ثواب المؤمنین فی یوم القیامة، وفی هذه الآیات یتحدث عن ثوابهم الدّنیوی فیقول: (وألّو استقاموا على الطریقة لأسقیناهم ماءً غدق).

ننزل علیهم مطر رحمتنا، ونذلل لهم منابع وعیون الماء الذی یهب الحیاة وبوجود الماء یوجد کل شیء وعلى هذا فإنّنا نشلمهم بأنواع النعم.

«غدق» على وزن شفق، وتعنی الماء الکثیر.

القرآن المجید اکّد ولعدّة مرات على أنّ الإیمان والتقوى لیست فقط منبعاً للبرکات المعنویة، بل تودّی إلى زیادة الأرزاق والنعم والعمران، أی (البرکة المادیة).

(لنا بحث مفصل فی هذا الباب فی تفسیر سورة نوح(علیه السلام) ذیل الآیة 12 تحت عنوان الرابطة بین الإیمان والتقوى وبین العمران).

الملاحظ حسب هذا البیان أنّ سبب زیادة النعمة هو الإستقامة على الإیمان، ولیس أصل الإیمان، لأنّ الإیمان المؤقت لا یستطیع أن یظهر هذه البرکات، فالمهم هو الإستقامة والاستمرار على الإیمان والتقوى، ولکن هناک الکثیر ممن تزل أقدامهم فی هذا الطریق.

والآیة الاُخرى إشارة إلى حقیقة اُخرى بنفس الشأن، فیضیف: (لنفتنهم فیه) هل أنّ کثرة النعم تتسبب فی غرورهم وغفلتهم؟ أم أنّها تجعلهم یفیقون ویشکرون ویتوجهون أکثر من ذی قبل إلى اللّه؟

ومن هنا یتّضح أن وفور النعمة من إحدى الأسباب المهمّة فی الإمتحان الإلهی، وما یُتفق علیه هو أنّ الإختبار بالنعمة أکثر صعوبة وتعقیداً من الإختبار بالعذاب، لأنّ طبیعة ازدیاد النعم هو الإنحلال والکسل والغفلة، والغرق فی الملذات والشهوات، وهذا ما یُبعد الإنسان عن اللّه تعالى ویُهییء الأجواء لمکائد الشیطان، والذین یستطیعون أن یتخلصوا من شراک النعم الوافرة هم الذاکرون للّه على کلّ حال، غیر الناسین له تعالى، حیث یحفظون قلوبهم بالذکر من نفوذ الشیاطین(2).

ولذا یضیف تعقیباً على ذلک: (ومن یعرض عن ذکر ربّه یسلکه عذاباً صعد).

«صعد»: على وزن (سفر) وتعنی الصعود إلى الأعلى، وأحیاناً الشِعب المتعرجة فی الجبل، وبما أنّ الصعود من الشعاب المتعرجة عمل شاق، فإنّ هذه اللفظة تستعمل بمعنى الاُمور الشّاقة، وفسّرها الکثیر بمعنى العذاب الشّاق، وهو مماثل لما جاء فی الآیة 17 من سورة المدّثر حول بعض المشرکین: (ساُرهقه صعود).

ولکن، مع أنّ التعبیر أعلاه یبیّن کون هذا العذاب شاقّاً شدیداً فإنّه یحتمل أن یشیر إلى الیوم الطویل، وعلى هذا الأساس فإنّه یبیّن فی الآیات أعلاه رابطة الإیمان والتقوى بکثرة النعم من جهة، ورابطة کثرة النعم بالاختبارات الإلهیّة من جهة اُخرى ورابطة الإعراض عن ذکر اللّه تعالى بالعذاب الشاق الطویل من جهة ثالثة، وهذه حقائق اُشیر إلیها فی الآیات القرآنیة الاُخرى کما نقرأ فی الآیة 124 من سورة طه: (ومن أعرض عن ذکری فإنّ له معیشة ضنک).

وکذا فی الآیة 40 من سورة النمل عن لسان سلیمان(علیه السلام): (هذا من فضل ربّی لیبلونی أأشکر أم أکفر)، وما جاء فی الآیة 28 من سورة الأنفال: (واعلموا أنّما أموالکم وأولادکم فتنة).

وقال مؤمنو الجن فی الآیة الاُخرى وهم یدعون إلى التوحید: (وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحد) وللمساجد فی هذه الآیة تفاسیر عدیدة منها:

أوّلاً: قیل هی المواطن التی یُسجد فیها للّه تعالى کالمسجد الحرام وبقیة المساجد، وبشکل أعم هی الأرض التی یصلّى فیها ویسجد علیها، وهو مصداق قول الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله): «جعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً».(3)

وهذا ردّ لمن اتّخذ الأصنام والأوثان للعبادة فأشرک باللّه، ومن اتّخذ الکعبة معبداً للأصنام، أو انصرف إلى إحیاء الطقوس المسیحیة حیث (التثلیث) أو عبد الأرباب الثّلاثة فی الکنائس واللّه تعالى یقول: (وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحد)

ثانیاً: المراد بالمساجد أعضاء السجود السبعة، فیجب أن یکون وضعها على الأرض خالصاً للّه، ولا یجوز أن یکون لغیره، کما ورد فی الحدیث عن الإمام محمّد بن علی الجواد(علیهما السلام) وهو یجیب المعتصم فی مجلسه الذی کان قد جمع فیه العلماء من أهل السنة حیث سأله عن ید السارق من أی موضع یجب أن تقطع؟ فقال بعض الجالسین تقطع من الساعد واستدلوا فی ذلک بآیة التیمم، وقال آخرون من المرفق واستدلوا فی ذلک بآیة الوضوء، فأراد المعتصم جواب ذلک من الإمام الجواد(علیه السلام) فرفض وقال: «أعفنی عن ذلک» فأصرّ علیه المعتصم.

فقال الإمام الجواد(علیه السلام): «ما قیل فی ذلک خطأ، وإنّ القطع یجب أن یکون من مفصل اُصول الأصابع فتترک الکف». فقال: وما الحجّة فی ذلک؟

قال الإمام(علیه السلام): «قول رسول اللّه(صلى الله علیه وآله): السجود على سبعة أجزاء، الوجه، والیدین، والرکبتین، والرجلین، فإذا قطع من الکرسوع أو المرفق لم یدع له ید یسجد علیها، وقال اللّه تعالى شأنه: (وأنّ المساجد للّه...) أی إنّ هذه الأعضاء السبعة خالصة للّه، فما کان للّه لا یقطع»(4).

فتعجب المعتصم لجواب الإمام(علیه السلام) وأمر أن تقطع ید السارق من مفصل اُصول الأصابع، کما قال الإمام(علیه السلام) وذکرت فی ذلک أحادیث کثیرة.(5)

ولکن الأحادیث المنقولة بها الشأن هی مرسلة غالباً، أو أنّ سندها ضعیف، وهناک نقائض لها لیس من السهل الإجابة علیها، فمثلاً ما هو مشهور فی أوساط الفقهاء أنّ السارق إذا ما سرق للمرّة الثّانیة تقطع الأقسام الأمامیة لقدمه، ویترکون کعب القدم سالماً (هذا بعد إقامة الحدّ علیه جزاء السرقة الاُولى) والواضح أنّ الأصبع الکبیر للقدم یعتبر من المساجد السبعة، وکذا فی شأن المحارب فإنّ إحدى عقوباته هو مقطع قسم من الید والقدم.

ثالثاً: قیل إنّ المراد بالمساجد هو السّجود، أی أنّ السجود یجب أن یکون دائماً للّه تعالى ولا یکون لغیره، وهذا خلاف ظاهر الآیة حیث لا دلیل علیه.

ویستفاد من مجموع ما قیل أنّ ما یناسب ظاهر الآیة هو التّفسیر الأوّل، وکذا یناسب ظاهر الآیات السابقة واللاحقة فی شأن التوحید، وتخصیص العبادة للّه، والتّفسیر الثّانی یمکن أن یکون موسعاً لمعنى الآیة، وأمّا الثّالث فلا دلیل علیه.

ویضیف فی إدامة الآیة بیاناً عن التأثیر غیر العادی للقرآن المجید وقیام الرّسول للدّعاء فیقول: (وأنّه لما قام عبد اللّه یدعوه کادوا یکونون علیه لبد)(6)، أی عندما کان رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) یقوم للصلاة، فإنّ طائفة من الجن کانوا یجتمعون علیه بشکل متزاحم.

«لبد»: على وزن (فِعَل) وتعنی الأشیاء المجتمعة المتراکمة، وهذا التّعبیر بیان لتعجب الجنّ ممّا یشاهدونه من عبادته(صلى الله علیه وآله) وقراءته قرآناً لم یسمعوا کلاماً یماثله، وقیل فی ذلک قولان آخران:

الأوّل: أنّهم ـ أی الجن ـ یبیّنون حال أصحاب الرّسول(صلى الله علیه وآله) والمجتمعین علیه المقتدین به فی صلاته إذا صلّى والمنصتین لما یتلوه من کلام اللّه، والمراد من ذلک هو اقتداء الجنّ بهم والإیمان فی ذلک.

الثّانی: لبیان حال المشرکین، أی لمّا قام النّبی(صلى الله علیه وآله) یعبد اللّه بالصلاة کاد المشرکون بازدحامهم أن یکونوا علیه لبداً مجتمعین متراکمین لیستهزئوا به.

والوجه الأخیر لا یلائم هدف مبلغی الجن الذین أرادوا ترغیب الآخرین فی الإیمان والمناسب هو أحد القولین السابقین.


1. من الملاحظ أنّ السبب الوحید الذی دعا المفسّرین إلى أن یعتبروا هذا الکلام من کلام اللّه تعالى وأنّها جملة اعتراضیة هو ضمائر (المتکلم مع الغیر) ففی موضع یقول: لأسقیناهم ماءً غدقاً، وفی موضع آخر یقول: لنفتنهم فیه، ولکن لا ضیر عندما نعتبر هذه التعابیر من باب النقل، کما لو تحدث شخص عن صاحبه فیقول: إنّ فلاناً یعتقد بأنّی شخص حسن، (بالطبع هو لم یستعمل کلمة (أنا) وإنّما استعمل کلمة (هو) ولکن القائل یختار مثل هذا التعبیر).
2. احتمل بعض المفسّرین أن یکون المراد من «الطریقة» هو سبیل الکفر، وزیادة النعم الحاصلة نتیجة للاستقامة فی هذه الطریقة هی مقدمة للعقوبات ومصداق الاستدراج فی النعم، ولکن هذا التّفسیر لا یتناسب أبداً مع سیاق الآیات السابقة واللاحقة.
3. وسائل الشیعة، ج 2، ص 970، ح 3.4. وسائل الشیعة، ج 18، ص 490 (أبواب حدّ السرقة الباب 4، ح 5).
5. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 439 و440.
6. ما یطابق هذا التّفسیر وکون هذه الآیة من حدیث مؤمنی الجنّ فإنّ إتیان الضمیر الغائب بدل المتکلم هو من باب الإلتفات، أو من باب أنّ بعضهم یبیّن حال البعض الآخر.
سورة الجنّ / الآیة 16 ـ 19 التّحریف فی تفسیر الآیة (وأنّ المساجد للّه)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma