الهدف من بعثة الرّسول:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة الجمعة / الآیة 1 ـ 4 الفضل الإلهی له حساب:

تبدأ هذه السورة کذلک بالتسبیح لله عزّوجلّ، وتشیر إلى بعض صفات الجمال والجلال والأسماء الحسنى لله، ویعتبر ذلک فی الحقیقة مقدّمة للأبحاث القادمة، حیث یقول تعالى: (یسبّح لله ما فی السّماوات وما فی الأرض) حیث یسبّحونه بلسان الحال والقال وینزّهونه عن جمیع العیوب والنقائض (الملک القدّوس العزیز الحکیم).

وبناءً على ذلک تشیر الآیة أوّلا إلى «المالکیة والحاکمیة المطلقة»، ثمّ «تنزّهه من أی نوع من الظلم والنقص» وذلک لإرتباط اسم الملوک بأنواع المظالم والمآسی، فجاءت کلمة «قدّوس» لتنفی کلّ ذلک عنه جلّ شأنه.

ومن جانب آخر فالآیة ترکّز على رکنین أساسیین من أرکان الحکومة هما «القدرة» و«العلم» وسنرى أنّ هذه الصفات ترتبط بشکل مباشر بالأبحاث القادمة لهذه السورة.

ونشیر هنا إلى أنّ ذکر صفات الحقّ تعالى فی الآیات القرآنیة المختلفة جاءت ضمن نظام وترتیب وحساب خاصّ.

وکنّا قد تعرّضنا سابقاً لتسبیح کافّة المخلوقات.(1)

وبعد هذه الإشارة الخاطفة ذات المعنى العظیم لمسألة التوحید وصفات الله، یتحدّث القرآن عن بعثة الرّسول والهدف من هذه الرسالة العظیمة المرتبطة بالعزیز الحکیم القدّوس، حیث یقول: (هو الذی بعث فی الاُمّیین رسولا منهم یتلوا علیهم آیاته).

وذلک من أجل أن یطهّرهم من کلّ أشکال الشرک والکفر والانحراف والفساد (ویزکّیهم ویعلّمهم الکتاب والحکمة وإن کانوا من قبل لفی ضلال مبین).

ومن الملفت للنظر أنّ بعثة الرّسول (صلى الله علیه وآله) بهذه الخصوصیات التی لا یمکن تفسیرها إلاّ عن طریق الإعجاز، تعتبر هی الاُخرى إشارة إلى عظمته عزّوجلّ ودلیل على وجوده إذ یقول: (هو الذی بعث فی الاُمّیین رسولا...) وأبدع هذا الموجود العظیم بین اُولئک الاُمّیین ..

«الاُمّیین» جمع (اُمّی) وهو الذی لا یعرف القراءة والکتابة (ونسبته إلى الاُمّ باعتبار أنّه لم یتلقّ تعلیماً فی معهد أو مدرسة غیر مدرسة الاُمّ).

وقال البعض: إنّ المقصود بها أهل مکّة، لأنّ مکّة کانت تسمّى (باُمّ القرى)، ولکنّه بعید.

قال بعض المفسّرین: إنّ المقصود بها «اُمّة العرب» مقابل الیهود وغیرهم، واعتبروا الآیة 75 من سورة آل عمران شاهدة على هذا المعنى حیث یقول: (قالوا لیس علینا فی الاُمّیین سبیل) وذلک باعتبار أنّ الیهود کانوا یعتبرون أنفسهم أهل الکتاب وهم أهل القراءة والکتابة، بینما کان العرب على العکس من ذلک، ولکن التّفسیر الأوّل أنسب.(2)

والجدیر بالذکر أنّ الآیة تؤکّد على أنّ نبی الإسلام بعث من بین هؤلاء الاُمّیین الذین لم یتلقّوا ثقافة وتعلیماً وذلک لبیان عظمة الرسالة وذکر الدلیل على حقّانیتها، لأنّ من المحال أن یکون هذا القرآن العظیم وبذلک المحتوى العمیق ولید فکر بشری وفی ذلک المحیط الجاهلی ومن شخص اُمّی أیضاً، بل هو نور أشرق فی الظلمات، ودوحة خضراء فی قلب الصحراء، وهی بحدّ ذاتها معجزة باهرة وسنداً قاطعاً على حقّانیته...

ولخّصت الآیة الهدف من بعثة الرّسول(صلى الله علیه وآله) فی ثلاثة اُمور، جاء أحدها کمقدّمة وهو تلاوة الآیات علیهم، بینما شکّل الأمران الآخران أی (تهذیب وتزکیة النفس) و(تعلیمهم الکتاب والحکمة) الهدف النهائی الکبیر.

نعم، جاء الرّسول(صلى الله علیه وآله) لیعطی الإنسانیة ویعلّمها العلم والأخلاق، لتستطیع بهذین الجناحین (جناح العلم وجناح الأخلاق) أن تحلّق فی عالم السعادة وتطوی مسیرها إلى الله لتنال القرب منه.

والجدیر بالملاحظة انّنا نجد بعض الآیات القرآنیة تذکر «التزکیة» قبل «التعلیم» بینما تقدّم آیات اُخرى «التعلیم» على «التزکیة»، ففی ثلاثة من الموارد الأربعة التی ذکر فیها «التزکیة» و«التعلیم» تقدّمت التزکیة على التعلیم بینما تقدّم التعلیم فی المورد الرابع.

وفی الوقت الذی یشار فی هذا التعبیر إلى التأثیر المتبادل لهذین العنصرین (الأخلاق ولیدة العلم، کما أنّ العلم ولید الأخلاق) تظهر أیضاً أصالة التربیة ومدى الإهتمام بها، علماً أنّ المقصود بالعلم العلوم الحقیقیة لا العلوم التی اصطلح علیها بأنّها علم واُلبست ثوب العلم.

ویمکن أن یکون الفرق بین «الکتاب» و«الحکمة» هو أنّ الأوّل إشارة إلى القرآن والثانی إشارة إلى سنّة الرّسول(صلى الله علیه وآله).

ویمکن أیضاً أن یکون «الکتاب» إشارة إلى أصل العقائد والأحکام الإسلامیة، والثانیة إشارة إلى فلسفتها وأسرارها.

ومن النقاط الجدیرة بالملاحظة ـ کذلک ـ أنّ الحکمة تعنی المنع بقصد الإصلاح، ولهذا یقال للجام الفرس «حکمة» لأنّه یمنعها ویجعلها تسیر فی مسارها الصحیح، وبناءً على ذلک فإنّ مفهوم هذه الدلائل عقلی، ومن هنا یتّضح أنّ ذکر الکتاب والحکمة بشکل مترادف یراد منه التنبیه إلى مصدرین مهمّین من مصادر المعرفة (الوحی) و(العقل).

بعبارة اُخرى: إنّ الأحکام السماویة وتعالیم الإسلام رغم أنّها نابعة من الوحی الإلهی غیر أنّها یمکن تعقّلها وإدراکها بالعقل «المقصود کلّیات الأحکام».

وتعبیر «الضلال المبین» إشارة مختصرة معبّرة إلى سابقة العرب وماضیهم الجاهلی فی عبادة الأصنام، وأی ضلال أوضح وأسوأ من هذا الضلال الذی یعبد فیه الناس أحجاراً وأخشاباً یصنعونها بأنفسهم ویلجؤون إلیها لحلّ مشاکلهم وإنقاذهم من المعضلات.

یدفنون بناتهم وهنّ أحیاء ثمّ یتفاخرون بکلّ بساطة بهذا العمل قائلین: إنّنا لم ندع ناموسنا وعرضنا یقع بید الأجانب.

کانت صلاتهم ودعاؤهم عبارة عن تصفیق وصیاح إلى جانب الکعبة، وحتى النساء کن یطفن حول الکعبة وهنّ عاریات تماماً، ویحسبون ذلک عبادة.

کانت تسیطر على أفکارهم مجموعة من الخرافات والأوهام، وکانوا یفتخرون ویتباهون بالحرب ونزف الدماء والإغارة على بعضهم البعض. المرأة کانت تعدّ بضاعة لا قیمة لها عندهم، یلعبون علیها القمار، ویحرمونها من أبسط الحقوق الإنسانیة، کانوا یتوارثون العداوة والبغضاء، ولهذا أصبحت الحروب وإراقة الدماء أمراً عادیاً لدیهم.

نعم لقد جاء الرّسول وأنقذهم ـ ببرکة الکتاب والحکمة من هذا الضلال والتخبّط وزکّاهم وعلّمهم. وحقّاً إنّ تربیة وتغییر مثل هذا المجتمع الضالّ یعتبر أحد الأدلّة على عظمة الإسلام ومعاجز نبیّنا العظیمة.

ولکن لم یکن الرّسول مبعوثاً لهذا المجتمع الاُمّی فقط، بل کانت دعوته عامّة لجمیع الناس، فقد جاء فی الآیة التالیة (وآخرین منهم لمّا یلحقوا بهم)(3).

نعم، إنّ الأقوام الآخرین الذین جاؤوا بعد أصحاب الرّسول لیتربّوا فی مدرسة الرّسول(صلى الله علیه وآله) ویغترفوا من معین القرآن الصافی والسنّة المحمّدیة، کانوا ـ أیضاً ـ مشمولین بهذه الدعوة العظیمة.

بناءً على ذلک تکون الآیة أعلاه شاملة لجمیع الأقوام الذین یأتون بعد أصحاب الرّسول من العرب والعجم، جاء فی الحدیث أنّ الرّسول بعد أن تلا هذه الآیة سئل من هؤلاء؟ فأشار الرّسول إلى سلمان وقال: «لو کان الإیمان فی الثریا لنالته رجال من هؤلاء»(4).

وجاء فی آخر الآیة: (وهو العزیز الحکیم).

بعد أن یشیر إلى هذه النعمة الکبیرة ـ أی نعمة بعث نبی الإسلام الأکرم وبرنامجه التعلیمی والتربوی ـ یضیف قائلا: (ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم).

وهذه الآیة فی الحقیقة کالآیة 164 فی سورة آل عمران التی تقول: (لقد منّ الله على المؤمنین إذ بعث فیهم رسولا من أنفسهم یتلو علیهم آیاته ویزکّیهم ویعلّمهم الکتاب والحکمة وإن کانوا من قبل لفی ضلال مبین).

وقد احتمل بعضهم جملة (ذلک فضل الله) إشارة إلى أصل مقام النبوّة الذی یعطیه الله لمن یکون لائقاً به، غیر أنّ التّفسیر الأوّل أنسب، مع أنّه یمکن الجمع بین التّفسیرین بأن یقال: إنّ قیادة الرّسول(صلى الله علیه وآله) کانت نعمة للاُمّة کما أنّ مقام النبوّة نعمة عظیمة لشخص الرّسول الکریم.

ولا نجد حاجة إلى القول بأنّ تعبیر (من یشاء) لا یعنی أنّ الله ینزل رحمته وبرکاته بدون حساب وبلا سبب، بل إنّ المشیئة هنا مرادفة للحکمة کما وصف الباری نفسه فی بدایة السورة بأنّه العزیز الحکیم.

یقول الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی معنى هذا الفضل الإلهی: «فانظروا إلى مواقع نعم الله علیهم حیث بعث إلیهم رسولا، فعقد بملّته طاعتهم وجمع على دعوته اُلفتهم، کیف نشرت النعمة علیهم جناح کرامتها، وأسالت لهم جداول نعیمها، والتفت الملّة بهم فی عوائد برکتها، فأصبحوا فی نعمتها غرقین، وفی خضرة عیشها فکهین».(5)


1. راجع الى تفسیرنا هذا، ذیل الآیة 44 من سورة الاسراء; و ذیل الآیة 41 من سورة النّور.
2. لقد شرحنا معنى کلمه «الامّی»، فی ذیل الآیة 157 من سورة الأعراف.
3. «آخرین» عطف على «اُمّیین» وضمیر منهم متعلّق بـ «المؤمنین» کما یفهم من سیاق الآیات. واحتمل بعضهم أنّه معطوف على ضمیر «یعلّمهم». ولکن المعنى الأوّل أنسب.
4. أورده الطبرسی فی تفسیر مجمع البیان، والطباطبائی فی تفسیر المیزان، والسیوطی فی تفسیر الدرّ المنثور، والزمخشری فی تفسیر الکشّاف، والقرطبی، والمراغی فی تفسیرهما، وسیّد قطب فی تفسیر فی ظلال القرآن، ذیل الآیة مورد البحث، وهو فی الأصل من (صحیح البخاری).5. نهج البلاغة، الخطبة 192.
سورة الجمعة / الآیة 1 ـ 4 الفضل الإلهی له حساب:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma