جزاء الأبرار العظیم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
البرهان العظیم على فضیلة أهل بیت النّبیإشباع الجیاع من أفضل الحسنات

أشارت الآیات السابقة إلى العقوبات التی تنتظر الکافرین بعد تقسیمهم إلى جماعتین وهی «الشکور» و«الکفور»، والآیات فی هذا المقطع تتحدث المکافآت التی أنعم الله بها على الأبرار وتذکّر باُمور ظریفة فی هذا الباب. فیقول تعالى: (إنّ الأبرار یشربون من کأس کان مزاجها کافور).

«الأبرار»: جمع (بر) وأصله الإتّساع، واُطلق البر على الصحراء لاتساع مساحتها، وتطلق هذه المفردة على الصالحین الذین تکون نتائج أعمالهم واسعة فی المجتمع، و«البِر» بکسر الباء هو الإحسان، وقال بعض: إنّ الفرق بین البر والخیر هو أنّ البر یراد به الإحسان مع التوجه والإرادة، وأمّا الخیر فإنّ له معنى أعمّ.

«کافور»: له معان متعددة فی اللّغة، وأحد معانیها المعروفة الرائحة الطیبة کالنبتة الطیبة الرائحة، وله معنىً آخر مشهور هو الکافور الطبیعی ذو الرائحة القویة ویستعمل فی الموارد الطبیة کالتعقیم.

على کل حال فإنّ الآیة تشیر إلى أنّ هذا الشراب الطهور معطّر جدّاً فیلتذ به الانسان من حیث الذوق والشم.

وذهب بعض المفسّرین إلى أنّ «کافور» اسم لأحد عیون الجنّة. ولکن هذا التّفسیر لا ینسجم مع عبارة «کان مزاجها کافوراً». ومن جهة اُخرى یلاحظ أنّ «الکافور» من مادة «کفر» أی بمعنى «التغطیة»، ویعتقد بعض أرباب اللغة کالراغب فی المفردات أنّ اختیار هذا الاسم هو أنّ فاکهة الشجرة التی یؤخذ منها الکافور مغطاة بالقشور والأغلفة.

وقیل: هو إشارة إلى شدّة بیاضه وبرودته حیث یضرب به المثل، والوجه الأوّل أنسب الوجوه، لأنّه یعد مع المسک والعنبر فی مرتبة واحدة، وهما من أفضل العطور.

ثمّ یشیر إلى العین التی یملؤون منها کؤوسهم من الشراب الطهور فیقول: (عیناً یشرب بها عباد الله یفجرونها تفجیر)(1) (2).

هذه العین من الشراب الطهور وضعها الله تعالى تحت تصرفهم، فهی تجری أینما شاءوا، والظریف هو ما نقل عن الإمام الباقر(علیه السلام) إذ قال فی وصفها: «هی عین فی دار النّبی تفجر إلى دور الأنبیاء والمؤمنین».(3)

نعم فکما تتفجر عیون العلم والرحمة من بیت النّبی(صلى الله علیه وآله) وتجری إلى قلوب عباد الله الصالحین، کذلک فی الآخرة حیث التجسّم العظیم لهذا المعنى تتفجر عین الشراب الطهور الإلهی من بیت الوحی، وتنحدر فروعها، إلى بیوت المؤمنین!

«یفجرون»: من مادة تفجیر، وأخذت من أصل (الفجر) ویعنی الشق الواسع، سواء أکان شق الأرض أو غیر ذلک، و«الفجر» نور الصبح الذی یشق ستار اللیل، واُطلق على من یشق ستار الحیاء والطهارة ویتعدى حدود الله (فاجر) ویراد به هنا شقّ الإرض.

والملاحظ أنّ أوّل ما ذکر من نعم الجنان فی هذه السورة هو الشراب الطهور المعطّر الخاصّ. لکونه یزیل کلّ الهموم والحسرات والقلق والأدران عند تناوله بعد الفراغ من حساب المحشر، وهو أوّل ما یقدم لأهل الجنان ثمّ ینتهون إلى السرور المطلق بالإستفادة من سائر مواهب الجنان.

ثمّ تتناول الآیات الاُخرى ذکر أعمال «الأبرار» «وعباد الله» مع ذکر خمسة صفات توضّح سبب استحقاقهم لکل هذه النعم الفریدة: فیقول تعالى (یوفون بالنذر ویخافون یوماً کان شرّه مستطیر).

جملة (یوفون) و(یخافون) والجمل التی تلیها جاءت بصیغة الفعل المضارع وهذا یشیر إلى استمراریة ودیمومة منهجهم، کما قلنا فی سبب النزول فإنّ المصداق الأتم والأکمل لهذه الآیات هو أمیر المؤمنین وفاطمة الزهراء والحسنان(علیهم السلام)، لأنّهم وفوا بما نذروه من الصوم ثلاثة أیّام ولم یتناولوا فی افطارهم إلاّ الماء فی حین أنّ قلوبهم مشحونة بالخوف من الله والقیامة.

«مستطیراً»: یراد به الإتساع والانتشار، وهو إشارة إلى أنواع العذاب واتساعه فی ذلک الیوم العظیم، على کلّ حال فإنّهم وفوا بالنذور التی أوجبوها على أنفسهم، وبالأحرى کانوا یحترمون الواجبات الإلهیّة ویسعون فی أدائها، وخوفهم من شرِّ ذلک الیوم، وآثار هذا الإیمان ظاهرة فی أعمالهم بصورة کاملة.

ثّم یتناول الصفة الثّالثة لهم فیقول: (ویطعمون الطعام على حبّه مسکیناً ویتیماً وأسیر).

لم یکن مجرّد اطعام، بل اطعام مقرون بالإیثار العظیم عند الحاجة الماسّة للغذاء، ومن جهة اُخرى فهو إطعام فی دائرة واسعة حیث یشمل أصناف المحتاجین من المسکین والیتیم والأسیر، ولهذا کانت رحمتهم عامّة وخدمتهم واسعة.

الضمیر فی (على حبه) یعود إلى (الطعام) أی أنّهم أعطوا الطعام مع احتیاجهم له، وهذا شبیه ما ورد فی الآیة من سورة آل عمران: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممّا تحبّون).(4)

وقیل: إنّ الضمیر المذکور یعود إلى «الله» الوارد فی ما سبق من الآیات، أی إنّهم یطعمون الطعام لحبّهم الشدید لله تعالى، ولکن مع الالتفات إلى ما یأتی فی الآیة الآتیة یکون المعنى الأوّل أوجه.

ومعنى «المسکین» و«الیتیم» و«الأسیر» واضح، إلاّ أنّ هناک أقوالاً متعددة فیما یراد بالأسیر؟ قال کثیرون: إنّ المراد الاسرى من الکفّار والمشرکین الذین یؤتى بهم إلى منطقة الحکومة الاسلامیة فی المدینة، وقیل: المملوک الذی یکون أسیراً بید المالک، وقیل هم السجناء، والأوّل أشهر.

سؤال: کیف جاء ذلک الأسیر إلى بیت الإمام علی(علیه السلام) طبقاً لما ورد فی سبب النزول والمفروض أن یکون سجیناً؟

الجواب: ویتضح لنا جواب هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ التاریخ یؤکّد عدم وجود سجناء فی عهد النّبی(صلى الله علیه وآله) حیث کان(صلى الله علیه وآله) یقسّمهم على المسلمین، ویأمرهم بالحفاظ علیهم والإحسان إلیهم، فکانوا یطعمونهم الطعام وعند نفاذ طعامهم کانوا یطلبون العون من بقیة المسلمین ویرافقونهم فی الذهاب إلى طلب المعونة، أو أنّ الأَسرى یذهبون بمفردهم لأنّ المسلمین کانوا حینذاک فی ضائقة من العیش.

وبالطبع توسعت الحکومة الإسلامیة فیما بعد، وازداد عدد الأسرى وکذلک المجرمین، فاتخذت عندئذ السجون وصار الإنفاق علیهم من بیت المال.

على کل حال فإنّ ما یستفاد من الآیة أنّ أفضل الأعمال إطعام المحرومین والمعوزین، ولا یقتصر على اطعام الفقراء من المسلمین فحسب بل یشمل حتى الأسرى المشرکین أیضاً وقد اُعْتُبِرَ إطعامهم من الخصال الحمیدة للأبرار.

وقد ورد فی حدیث عن النّبی(صلى الله علیه وآله) قال: «استوصوا بالأسرى خیراً وکان أحدهم یؤثر أسیره بطعامه»(5).

والخصلة الرابعة للأبرار هی الإخلاص، فیقول: (إنّما نطعمکم لوجه الله لا نرید منکم جزاءً ولاشکور).

إنّ هذا المنهج لیس منحصراً بالإطعام، إذ إنّ جمیع أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى، ولا یتوقعون من الناس شکراً وتقدیراً، وأساساً فإنّ قیمة العمل فی الإسلام بخلوص النیّة وإلاّ فإنّ العمل إذا کان بدوافع غیر الهیّة، سواء کان ریاءً أو لهوى النفس، أو توقع شکر من الناس أو لمکافآت مادیة، فلیس لذلک ثمن معنوی وإلهی.

وقد أشار النّبی(صلى الله علیه وآله) إلى ذلک إذ قال: «لا عمل إلاّ بالنیّة وإنّما الأعمال بالنیات».

والمراد من (وجه الله) هو ذاته تعالى، وإلاّ فلیس لله صورة جسمانیة، وهذا هو ما اعتمده وأکّده القرآن فی کثیر من آیاته، کما فی الآیة 272 من سورة البقرة: (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) والآیة 28 من سورة الکهف التی تصف جلساء النّبی(صلى الله علیه وآله): (واصبر نفسک مع الذین یدعون ربّهم بالغداة والعشی یریدون وجهه).

ویقول فی الوصف الأخیر للأبرار: (إنا نخاف من ربّنا یوماً عبوساً قمطریر) (أی الشدید) من المحتمل أن یکون هذا الحدیث لسان حال الأبرار، أو قولهم بألسنتهم.

وجاء التعبیر عن یوم القیامة بالعبوس والشدید للإستعارة، إذ أنّها تستعمل فی وصف الإنسان الذی یقبض وجهه وشکله لیؤکد على هول ذلک الیوم، أی أنّ حوادث ذلک الیوم تکون شدیدة إلى درجة أنّ الإنسان لا یکون فیه عبوساً فحسب، بل حتى ذلک الیوم یکون عبوساً أیضاً.

(قمطریراً): هناک أقوال للمفسّرین فی مادته، قیل هو من (القمطر)، وقیل: مشتق من مادة (قطر) ـ على وزن فرش ـ والمیم زائدة، وقیل هو الشدید، وهو الأشهر(6).

السؤال: ویطرح هنا سؤال، وهو: إذا کان عمل الأبرار خالصاً لله تعالى، فلم یقولون: إنا نخاف عذاب یوم القیامة؟ وهل یتناسب دافع الخوف من عذاب یوم القیامة مع الدافع الإلهی؟

الجواب: ویتضح جواب هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ الأبرار یسلکون السبیل على کل حال إلى الله تعالى، وإذا کانوا یخافون من عذاب یوم القیامة فإنّما هو لأنه عذاب إلهی، وهذا هو ما ورد فی الفقه فی باب النیة فی العبادة من أنّ قصد القربة فی العبادة لا ینافی قصد الثواب والخوف من العقاب أو حتى اکتساب المواهب المادیة الدنیویة من عند الله (کصلاة الإستسقاء)، لأنّ کل ذلک یرجع إلى الله تعالى، وهو من قبیل ایجاد الداعی إلى الداعی، رغم أنّ أعلى مراحل الإخلاص فی العبادة تکمن فی عدم التعلّق بنعم الجنان أو الخوف من الجحیم، بل یکون بعنوان (حبّ الله).

والتعبیر بـ (إنا نخاف من ربّنا یوماً عبوساً قمطریر) شاهد على أنّ هذا الخوف إنما هو من الله.

والجدیر بالذکر أنّ الوصف الثانی والخامس من الأوصاف الخمسة، یشیران إلى مسألة الخوف. غایة الأمر أنّ الکلام فی الآیة الاُولى عن الخوف من یوم القیامة، وفی الثانیة الخوف من الله فی یوم القیامة، ففی مورد وصف یوم القیامة فی أنّ شرّهُ عظیم، ووصفه فی مورد آخر بأنّه عبوس وشدید، وفی الحقیقة فإنّ أحدهما یصف عظمته وسعته والآخر شدّته وکیفیته.

وأشارت الآیة الأخیرة فی هذا البحث إلى النتیجة الإِجمالیة للأعمال الصالحة والنیّات الطاهرة للأبرار فیقول: (فوقاهم الله شر ذلک الیوم ولقاهم نضرة وسرور).

(نضرة): بمعنى البهجة وحسن اللون والسرور الخاص الذی یظهر عند وفور النعمة والرفاه على الانسان، أجل، إنّ لون وجودهم فی ذلک الیوم یخبر عن الهدوء والإرتیاح، وبما أنّهم کانوا یحسّون بالمسؤولیة ویخافون من ذلک الیوم الرهیب، فإنّ الله تعالى سوف یعوضهم بالسرور وبالبهجة.

وتعبیر «لقاهم» من التعابیر اللطیفة والتی تدلّ على أنّ الله سوف یستقبل ضیوفه الکرام بلطف وسرور خاص وأنّه سوف یجعلهم فی سعة من رحمته.


1. وردت احتمالات عدیدة فی سبب نصب (عین) وأوجه الأقوال هو أنّه منصوب لنزع الخافض وتقدیره (من عین) وقیل بدل من (کافور) أو منصوب بالاختصاص أو المدح، أو مفعول لفعل مقدر والتقدیر (یشربون عین) ولکن الأوّل أوجه کما تقدم.
2. «یشرب» یتعدى بالباء وبدونها، ویمکن أن تکون الباء فی (به) بمعنى (من).
3. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 477; تفسیر روح المعانی، ج 29، ص 155.
4. آل عمران، 92.
5. الکامل لابن الأثیر، ج 2، ص 131.
6. مفردات الراغب; لسان العرب; المنجد; تفسیر القرطبی; تفسیر مجمع البیان.
البرهان العظیم على فضیلة أهل بیت النّبیإشباع الجیاع من أفضل الحسنات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma