حیل الشیطان والمهالک:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة الحشر / الآیة 15 ـ 20 1ـ التعاون العقیم مع أهل النفاق

یستمرّ البحث فی هذه الآیات حول قصّة بنی النضیر والمنافقین ورسم خصوصیة کلّ منهم فی تشبیهین رائعین:

یقول سبحانه فی البدایة: (کمثل الذین من قبلهم قریباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب ألیم)(1).

تحدّثنا هذه الآیة عن ضرورة الاعتبار بما جرى لبنی النضیر والقوم الذین کانوا من قبلهم وما جرى لهم، خاصّة وأنّ الفترة الزمنیة بین الحادثتین غیر بعیدة.

ویعتقد البعض أنّ المقصود بقوله: (الذین من قبلهم) هم مشرکو مکّة الذین ذاقوا مرارة الهزیمة بکلّ کبریائهم فی غزوة «بدر»، وأنهکتهم ضربات مقاتلی الإسلام، لأنّ هذه الحادثة لم یمرّ علیها وقت طویل بالنسبة لحادثة بنی النضیر، ذلک لأنّ حادثة بنی النضیر ـ کما أشرنا سابقاً ـ حدثت بعد غزوة «اُحد»، وغزوة بدر قبل غزوة اُحد بسنة واحدة، وبناءً على هذا فلم یمض وقت طویل بین الحادثتین.

فی الوقت الذی یعتبرها کثیر من المفسّرین إشارة إلى قصّة یهود «بنی قینقاع»، التی حدثت بعد غزوة بدر، وانتهت بإخراجهم من المدینة.

وطبیعی أنّ هذا التّفسیر مناسب أکثر ـ حسب الظاهر ـ باعتباره متلائماً أکثر مع یهود بنی النضیر، لأنّ یهود بنی قینقاع کیهود بنی النضیر کانوا ذوی ثراء ومغرورین بقدرتهم القتالیة، یهدّدون رسول الله(صلى الله علیه وآله) والمسلمین بقوّتهم وقدرتهم العسکریة ـ کما سنذکر ذلک تفصیلا إن شاء الله ـ إلاّ أنّ العاقبة لم تکن غیر حصاد التیه والتعاسة فی الدنیا والعذاب فی الآخرة.

«وبال» بمعنى (عاقبة الشؤم والمرارة) وهی فی الأصل مأخوذة من (وابل) بمعنى المطر الغزیر، لأنّ المطر الغزیر غالباً ما یکون مخیفاً ویقلق الإنسان من عاقبته المرتقبة، کالسیول الخطرة والدمار وما إلى ذلک.

ثمّ یستعرض القرآن الکریم تشبیهاً للمنافقین حیث یقول سبحانه: (کمثل الشیطان إذ قال للإنسان اکفر فلمّا کفر قال انّی بریء منک إنّی أخاف الله ربّ العالمین)(2).

ما المقصود بـ «الإنسان» فی هذه الآیة؟

هل هو مطلق الإنسان الذی یقع تحت تأثیر الشیطان، وینخدع بأحابیله ووعوده الکاذبة، ویسیر به فی طریق الکفر والضلال، ثمّ إنّ الشیطان یترکه ویتبرّأ منهم؟

أو أنّ المقصود به شخص خاصّ أو (إنسان معیّن) کأبی جهل وأتباعه، حیث إنّ ما حصل لهم فی غزوة بدر کان نتیجة تفاعلهم مع الوعود الکاذبة للشیطان، وأخیراً ذاقوا وبال أمرهم وطعم المرارة المؤلمة للهزیمة والإنکسار، کما فی قوله تعالى: (وإذ زیّن لهم الشیطان أعمالهم وقال لا غالب لکم الیوم من الناس وانّی جار لکم فلمّا تراءت الفئتان نکص على عقبیه وقال إنّی بریء منکم إنّی أرى ما لا ترون إنّی أخاف الله والله شدید العقاب)(3).

أو أنّ المقصود منه هنا هو (برصیص) عابد بنی إسرائیل، حیث إنخدع بالشیطان وکفر بالله، وفی اللحظات الحاسمة تبرّأ الشیطان منه وإبتعد عنه، کما سیأتی شرح ذلک إن شاء الله...؟

التّفسیر الأوّل هو الأکثر إنسجاماً مع مفهوم الآیة الکریمة، أمّا التّفسیران الثانی والثالث فنستطیع أن نقول عنهما: إنّهما بیان بعض مصادیق هذا المفهوم الواسع.

وعلى کلّ حال فإنّ العذاب الذی یخشاه الشیطان ـ فی الظاهر ـ هو عذاب الدنیا، وبناءً على هذا فإنّ خوفه جدّی ولیس هزلا أو مزاحاً، ذلک لأنّ الکثیر من الأشخاص یخشون العقوبات الدنیویة المحدودة، إلاّ أنّهم لا یأبهون للعقوبات البعیدة المدى ولا یعیرون لها إهتماماً.

نعم، هکذا حال المنافقین حیث یدفعون بحلفائهم من خلال الوعود الکاذبة والمکر والحیلة إلى اُتون المعارک والمشاکل ثمّ یترکونهم لوحدهم، ویتخلّون عنهم، لأنّ الوفاء لا یجتمع والنفاق.

وتتحدّث الآیة اللاحقة عن مصیر هاتین الجماعتین (الشیطان وأتباعه، والمنافقین وحلفائهم من أهل الکفر) وعاقبتهما البائسة، حیث النار خالدین فیها، فیقول سبحانه عنهم: (فکان عاقبتهما أنّهما فی النار خالدین فیها وذلک جزاء الظالمین)(4).

وهذا أصل کلّی فإنّ عاقبة تعاون الکفر والنفاق، والشیطان وحزبه، هو الهزیمة والخذلان، وعدم الموفّقیة، وعذاب الدنیا والآخرة، فی الوقت الذی تکون ثمره تعاون المؤمنین وأصدقائهم تعاون وثیق وبنّاء، وعاقبته الخیر ونهایته الانتصار والتمتع بالرحمة الإلهیة الواسعة فی عالم الدنیا والآخرة.

وتوجّه الآیة اللاحقة حدیثها للمؤمنین بعنوان استنتاج من حالة الشؤم والبؤس التی اعترت المنافقین وبنی النضیر والشیاطین، حیث یقول تعالى: (یاأیّها الذین آمنوا اتّقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد)(5).

ثمّ یضیف تعالى مرّة اُخرى للتأکید بقوله: (واتّقوا الله إنّ الله خبیر بما تعملون).

نعم، التقوى والخوف من الله یدعوان الإنسان للتفکیر بیوم غده (القیامة) بالإضافة إلى السعی إلى تنقیة وتخلیص وتطهیر أعماله.

إنّ تکرار الأمر بالتقوى هنا تأکید محفّز للعمل الصالح، کما أنّ الرادع عن إرتکاب الذنوب هو التقوى والخوف من الله تعالى.

واحتمل البعض أنّ الأمر الأوّل للتقوى هو بلحاظ أصل إنجاز الأعمال، أمّا الثانی فإنّه یتعلّق بطبیعة الإخلاص فیها.

أو أنّ الأوّل ملاحظ فیه إنجاز أعمال الخیر، بقرینة جملة (ما قدّمت)، والثانی ملاحظ فیه ما یتعلّق بتجنّب المعاصی والذنوب.

أو أنّ الأوّل إشارة إلى التوبة من الذنوب الماضیة، والثانی (تقوى) للمستقبل.

إلاّ أنّه لا توجد قرینة فی الآیات لهذه التفاسیر، لذا فإنّ التأکّد أنسب.

والتعبیر بـ (غد) إشارة إلى یوم القیامة، لأنّه بالنظر إلى قیاس عمر الدنیا فإنّه یأتی مسرعاً، کما أنّ ذکره هنا بصیغة النکرة جاء لأهمیّته.

والتعبیر بـ (نفس) دلالة على مفرد، ویمکن أن تعنی کلّ نفس، یعنی کلّ إنسان یجب أن یفکّر بـ (غده) بدون أن یتوقّع من الآخرین إنجاز عمل له، وما دام هو فی هذه الدنیا فإنّه یستطیع أن یقدّم لآخرته بإرسال الأعمال الصالحة من الآن إلیها.

وقیل إنّه إشارة إلى قلّة الأشخاص الذین یفکّرون بیوم القیامة، کما نقول: (یوجد شخص واحد یفکّر بنجاة نفسه) إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل هو الأنسب حسب الظاهر، کما أنّ خطاب (یاأیّها الذین آمنو) وعمومیة الأمر بالتقوى، دلیل على عمومیة مفهوم الآیة.

وأکّدت الآیة اللاحقة بعد الأمر بالتقوى والتوجّه إلى یوم القیامة على ذکر الله سبحانه، حیث یقول تعالى: (ولا تکونوا کالذین نسوا الله فأنساهم أنفسهم).

وأساساً فإنّ جوهر التقوى شیئان: ذکر الله تعالى، وذلک بالتوجّه والإنشداد إلیه من خلال المراقبة الدائمة منه واستشعار حضوره فی کلّ مکان وفی کلّ الأحوال، والخشیة من محکمة عدله ودقّة حسابه الذی لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلاّ أحصاها فی صحیفة أعمالنا... ولذا فإنّ التوجّه إلى هذین الأساسین (المبدأ والمعاد) کان على رأس البرامج التربویة للأنبیاء والأولیاء، وذلک لتأثیرها العمیق فی تطهیر الفرد والمجتمع.

والنقطة الجدیرة بالملاحظة أنّ القرآن الکریم یعلن هنا ـ بصراحة ـ أنّ الغفلة عن الله تسبّب الغفلة عن الذات، ودلیل ذلک واضح أیضاً، لأنّ نسیان الله یؤدّی من جهة إلى إنغماس الإنسان فی اللذات المادیة والشهوات الحیوانیة، وینسى خالقه، وبالتالی یغفل عن إدّخار ما ینبغی له فی یوم القیامة.

ومن جهة اُخرى فانّ نسیان الله ونسیان صفاته المقدّسة وأنّه سبحانه هو الوجود المطلق والعالم اللامتناهی، والغنى اللامحدود... وکلّ ما سواه مرتبط به، ومحتاج لذاته المقدّسة... کلّ ذلک یسبّب أن یتصوّر نفسه مستقلا ومستغنیاً عن المبد(6).

وأساساً فإنّ النسیان ـ بحدّ ذاته ـ من أکبر مظاهر تعاسة الإنسان وشقائه، لأنّ قیمة الإنسان فی قابلیاته ولیاقاته الذاتیة وطبیعة خلقه التی تمیّزه عن الکثیر من المخلوقات، وإذا نسیها فهذا یعنی نسیان إنسانیته، وفی مثل هذه الحالة یسقط الإنسان فی وحل الحیوانیة، ویصبح همّه الأکل والشرب والنوم والشهوات.

وهذه کلّها عامل أساس للفسق والفجور، بل إنّ نسیان الذات هو من أسوأ مصادیق الفسق والخروج عن طاعة الله، ولهذا یقول سبحانه: (اُولئک هم الفاسقون).

وممّا یجدر بیانه أنّ الآیة لم تقل «لا تنسوا الله»، بل وردت بعبارة (ولا تکونوا کالذین نسوا الله) أی کالأشخاص الذین نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وهی فی الحقیقة بیان مصداق حسّی وواضح یمکن للإنسان أن یرى فیه عاقبة نسیان الله تعالى.

والظاهر أنّ المقصود فی هذه الآیة هم المنافقون والذین اُشیر لهم فی الآیات السابقة، أو أنّ الملاحظ فیها هم یهود بنی النضیر، أو کلاهما.

وجاء نظیر هذا المعنى فی قوله تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض یأمرون بالمنکر وینهون عن المعروف ویقبضون أیدیهم نسوا الله فنسیهم إنّ المنافقین هم الفاسقون)(7).

ومع وجود قدر من التفاوت بین الآیتین، أنّه ذکر نسیان الله هناک کسبب لقطع رحمة الله عن الإنسان، وفی هذه الآیة محل البحث سبب لنسیان الذات، وبالتالی فإنّ الآیتین تنتهیان إلى نقطة واحدة. «فلاحظ»

وفی آخر آیة ـ مورد البحث ـ یستعرض سبحانه مقارنة بین هاتین الجماعتین: الجماعة المؤمنة المتّقیة السائرة باتّجاه المبدأ والمعاد، والجماعة الغافلة عن ذکر الله، التی ابتلیت کنتیجة للغفلة عن الله بنسیان ذاتها.

حیث یقول سبحانه: (لا یستوی أصحاب النار وأصحاب الجنّة).

لیس فی الدنیا، ولا فی المعتقدات، ولیس فی طریقة التفکیر والمنهج، ولیس فی طریقة الحیاة الفردیة والاجتماعیة للإنسان وأهدافه، ولا فی المحصّلة الاُخرویة والجزاء الإلهی... إذ إنّ خطّ کلّ مجموعة من هاتین المجموعتین فی اتّجاه متعارض... متعارض فی کلّ شیء وکلّ مکان وکلّ هدف... إحداهما تؤکّد على ذکر الله والقیامة وإحیاء القیم الإنسانیة الرفیعة، والقیام بالأعمال الصالحة کذخیرة لیوم لا ینفع فیه مال ولا بنون... والاُخرى غارقة فی الشهوات واللذات المادیة، وأسیرة الأهواء ومبتلیة بالنسیان(8).. وبهذا فإنّ الإنسان على مفترق طریقین، إمّا أن یرتبط بالقسم الأوّل، أو بالقسم الثانی، ولیس غیرهما من سبیل آخر.

وفی نهایة الآیة نلاحظ حکماً قاطعاً حیث یضیف سبحانه: (أصحاب الجنّة هم الفائزون).

فلیس فی الدار الآخرة فقط یوجد (فائزون وخاسرون) بل فی هذه الدنیا أیضاً، حیث یکون الإنتصار والنجاة والسکینة من نصیب المؤمنین المتّقین، کما أنّ الهزیمة والخسران فی الدارین تکون من نصیب الغافلین.

ونقرأ فی حدیث لرسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه فسّر (أصحاب الجنّة) بالأشخاص الذین أطاعوه، وتقبّلوا ولایة علی(علیه السلام). وأصحاب النار بالأشخاص الذین رفضوا ولایة علی(علیه السلام)، ونقضوا العهد معه وحاربوه(9).

وطبیعی أنّ هذا أحد المصادیق الواضحة لمفهوم الآیة، ولا یحدّد عمومیتها.


1. هذه الجملة خبر لمبتدأ محذوف تقدیره: (مثلهم کمثل الذین من قبلهم).
2. بالرغم من أنّ التعبیر بـ «کمثل» فی هذه الآیة وفی الآیة السابقة متشابهان، فإنّ بعض المفسّرین اعتبر الإثنین دلیلا على مجموعة واحدة، إلاّ أنّ القرائن تبیّن بوضوح أنّ الأوّل یحکی وضع یهود بنی النضیر، والثانی یحکی وضع المنافقین، وعلى کلّ حال فإنّ هذه العبارة أیضاً خبر لمبتدأ محذوف تقدیره: (مثلهم کمثل الشیطان).
3. الأنفال، 48.
4. (عاقبتهم) خبر «کان» ومنصوب، و(إنّهما فی النار) جاءت بمکان اسم کان و«خالدین» حال لضمیر «هما».
5. «ما» فی (ما قدّمت لغد) هل أنّها موصولة أو إستفهامیة؟ هناک احتمالان، والآیة الشریفة لها القدرة على تقبّل الاحتمالین، بالرغم من أنّ الاستفهامیة أنسب.
6. تفسیر المیزان، ج 19، ص 253.
7. التوبة، 67.
8. حذف المتعلّق أی متعلّق (لا یستوی) دلیل على العموم.
9. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 292.
سورة الحشر / الآیة 15 ـ 20 1ـ التعاون العقیم مع أهل النفاق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma