ههنا اشکال ینشأ من أنَّ القاعدة لا شک أنّها بصدد الصحة الواقعیة، فإذا قلنا بشمولها للجاهل بالجهل المرکبّ لزم الحکم بصحة صلاة مثل
هذا الجاهل التارک لبعض أجزائها أو شرائطها ـ ما عدا الخمسة ـ واقعاً، و هو نوع من التصویب الباطل; إذاللازم کون الحکم واقعاً فی حق العالم اشتمال صلاته على عشرة أجزاء، و فی حق الجاهل خمسة أجزاء فقط، هذه التفرقة بین العالم و الجاهل فی الأحکام الواقعیة من التصویب الباطل.
و یمکن أن یجاب عنه: بأنَّ هناک فرقاً واضحاً بین العالم و الجاهل، و هو أنَّ العالم یستوفی بعلمه تمام مصلحة العمل، و لکن الجاهل لا یستوفی منها إلاّ مقداراً مع عدم إمکان استیفاء الباقی بعد استیفاء هذا المقدار.
و إن هو إلاّ نظیر العبد التارک لأمر المولى القائل: اسقنی ماءاً بارداً، فأتاه بماء غیر بارد و شرب المولى منه، فإنّه لایحتاج بعد ذلک إلى الماء البارد و الحاصل أنَّه لمّا أتى بالناقص لم یبقَ مجال للإتیان بالکامل.
و إن شئت قلت: هذا من قبیل الإتیان بغیر المأمور به، الرافع لموضوع المأمور به، کما فی المثال السابق، و هذا أمر واقع فی العرف و الشرع.
فالمأمور به الواقعی هو المشتمل على عشرة أجزاء لا غیر، و أمَّا المشتمل على خمسة أجزاء فهو حاو لشیء من المصلحة، من دون أن یکون مأموراً به، فلا یلزم محذور التصویب.
و مثل هذا البیان و إن کان ممکناً فی حق العالم العامد التارک لبعض الأجزاء، إلاّ أنَّه خلاف ما ثبت بالدلیل و الاجماع، فتأمّل.
و یمکن الجواب عنه أیضاً ـ کما ذکره بعض أجلّة العصر ـ بأنّ الحکم الواقعی الإنشائی فی حق الجمیع ـ الجاهل و العالم ـ سواءٌ، و هو عشرة أجزاء مثلا، و إنّما الفرق بین الجاهل و العالم فی الحکم الفعلی، فالعالم حکمه الفعلی یدور على عشرة أیضاً، و الجاهل یدور حکمه الفعلی على خمسة أجزاء، فإذن لا یلزم التصویب; فانه إنّما یلزم إذا کان الحکم بجمیع مراتبه مختلفاً بین العالم و الجاهل، لا ما إذا اتّحدا فی مرحلة الانشاء.
و هذا الجواب مثل ما ذکروه فی الجمع بین الحکم الظاهری و الواقعی من الاعتذار عن محذور التصویب باشتراک الحکم الإنشائی بین الجمیع مع اختلاف العالم و الجاهل فی الفعلیة. نعم، کلامهم هناک إنّما هو فی الحکم التکلیفی، و هنا فی الحکم الوضعی، و الظاهر أنَّ هذا المقدار من التفاوت لا یوجب محذوراً فی المقام.