التّقیّة من أقدم ما یعرف أصحابنا بها، کما أنّها من اکثر ما یشنع به علیهم، جهلاً بمعناها و موارد حرمتها و جوازها، و غفلة عمّا یحکم به العقل و النّقل.
و یبتنی علیها فروع کثیرة فی مختلف أبواب الفقه من العبادات و غیرها. و لها صلتان بالمذهب:
صلة من ناحیة الفقه و قواعد، و الفروع الکثیرة المبنیّة علیها.
و صلة من ناحیة العقائد و الکلام; حیث إنّ القول بها صار عند الغافلین عن «مغزاها» و «مواردها» دلیلاً على ضعف المذهب القائل بها و مبانیه.
و نحن و إن کنّا نبحث عنها هنا کقاعدة فقهیّة، ولکن نواصل الجهد فی طیّات هذه الأبحاث لتوضیحها من النّاحیة الأخرى اَیضاً; لتبین قیم الإیرادات الّتی تشبث بها المخالفون هنا، و أنّ هذه المزعومة ـ کغالب المزعومات الأُخر ـ ناشئة من قلّة اتّصالهم بنا، و عدم أخذ عقائدنا منّا، بل من الکتب المشوهة المملوءة بأنواع التّهم المنبعثة عن التّعصبات القومیّة أو المذهبیّة، أو عن تدخل أعداء الدّین فی شؤون المسلمین لتفریق کلمتهم و إشاعة البغضاء بینهم، لیتنازعوا، فیفشلوا و تذهب ریحهم ـ کما قال اللّه تعالى ـ .
و على کلّ حال لابدّ لنا أن نتکلّم هنا فی مقامات:
الأوّل: فی معناها اللّغوی و الإصطلاحی
الثّانی: فی حکمها التّکلیفی من الحرمة و الجواز، و مواردهما، و ما یدلّ على کلّ واحد، من الأدلّة العقلیّة و النّقلیّة، مضافاً إلى أقسام التّقیّة من «الخوفی» و «التّحبیبی»
کما و نتکلّم عن أنّ التّارکین للتّقیّة فی الصدر الأوّل و فی أعصار الأمویین و العبّاسیین، الّذین استشهدوا فی هذا السّبیل کرشید الهجری و میثم الّتمار و أشباههما، لماذا ترکوا التّقیّة و تجرعوا جرع الحِمام؟
و هل کان هذا واجباً علیهم أو راجحاً لهم، و هل یمکن لنا سلوک طریقتهم فی أمثال هذه الظّروف أو لا؟
الثّالث: فی حکمها الوضعی، من حیث إنّ العمل المأتی به تقیّة هل یوجب الإجزاء عن الإعادة و القضاء، فی داخل الوقت و خارجه أو لا؟.
الرّابع: فی أمور هامة مختلفة لها صلة بالبحث، مثل أنّه هل یعتبر فی التّقیّة أن تکون من المخالف، أو یشمل الکافر، أو الموافق فی المذهب أحیاناً؟
و أنّها هل تختصّ بالأحکام أو تشمل الموضوعات؟
و أنّ المدار فیها على الخوف الشّخصی أو النّوعی؟
و أنّه إذا خالف التّقیّة فهل یفسد عمله؟
و أنَّ ترک تسمیّة القائم(عج) باسمه هل هو من باب التّقیّة أو غیرها، و هل هو واجب فی هذه الأعصار، أو لایجب أصلاً؟
الخامس: فی ما یرتبط بهذه المسألة، نذکرها فی طی تسع تنبیهات. و نسأل اللّه التّوفیق و الهدایة نحو الحقّ فی جمیع الأمور، إنّه قریب مجیب.