قد یقال إنّ عمومات القرعة لایجوز العمل بها إلاّ فیما عمل به الأصحاب. قال المحدّث الخبیر الشّیخ الحرّ (قدس سره) فی (الفصول المهمّة) على ما حُکی عنه، بعد نقل بعض روایات القرعة و عموماتها: «و معلوم أنّ هذا العموم له مخصّصات کثیرة».
و زاد بعضهم أنّه لو لم یکن کذلک لجاز لنا ترجیح الحکم فی المسائل الشّرعیّة بالقرعة، و قال العلاّمة الأنصاری(قدس سره): «إنّ أدلّة القرعة لایعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب، أو جماعة منهم».
و کأن الوجه فیه أنّه لایمکن العمل بظاهر عموماتها فی کلّ مجهول، حتّى مع وجود أمارات أو أصول عملیّة، من البراءة و الإستصحاب و غیرهما، فإنه لم یقل به أحد. فلا بدّ من تخصیصها بإخراج جمیع هذه الموارد منها.
و إن شئت قلت; إنّها مخصّصة بتخصیصات کثیرة بلغت حدّ تخصیص الأکثر، مع أنّ التّخصیص کذلک أمر مستهجن غیر جائز. فهذا یکشف عن وجود قرینة أو مخصّص متّصل معها وصل إلى أصحابنا الأقدمین و لم یصل إلینا، و لمّا کان عنوان المخصّص مبهماً عندنا و القرینة مجهولة لنا لم یجز العمل بعموماتها; لأنّ إبهامها یسری إلیها ـ کما ذکر فی محلّه ـ ، فحینئذ لایجوز العمل بها إلاّ فیما عمل الأصحاب به.
و یردّ علیه:
أوّلاً: إنّ احتمال وجود قرائن عندهم غیر ما بأیدینا و غیر ما أودعوه فی کتبهم، ممّا یرشدهم إلى مغزى هذه العمومات، ضعیف جدّاً، و لو کان کذلک فلماذا أهملوا ذکرها فی کتبهم المعدة للرّوایة؟ و لماذا لم یستندوا إلیها فی کتبهم الفقهیّة الإستدلالیّة، بل استندوا إلى نفس هذه الرّوایات الّتی بأیدینا؟ و هل هذا إلاّ أغراء بالجهل فی مورد یجب الإهتمام به؟ فحاشاهم ثمّ حاشاهم.
ثانیاً: قد عرفت سابقاً أنّ المراد من «المجهول» الوارد فی عمومات الباب، بقرینة شأن ورود روایاتها، و ما ثبت عند العقلاء فی أمر القرعة، لیس کلّ مشکوک، بل ما لیس طریق إلى إثباته، لا من الأمارات الشّرعیّة و العقلائیّة، و لا من الأصول العملیّة العقلیّة و النّقلیّة; فحینئذ لایرد علیها تخصیصات کثیرة، کما هو ظاهر.
و کأنَّ منشأ توهّم کثرة التّخصیص هو ما یظهر من عنوان «المجهول» بادىء الأمر، ولکن بعدما عرفت هنا و فیما سبق فی تحقیق المراد منه، لایبقى وجه لهذا التّوهّم، فراجع و تدبّر.
و الحاصل أنّ موارد وجود الأمارات و الأصول العملیّة، خارجة عن تحت عمومات القرعة بالتّخصّص لا بالتّخصیص; فإنّها لیست من الجهول بما عرفت له من المعنى.