لایخفى أنّ العسر و الحرج یختلف باختلاف الأشخاص، و الحالات، و الأمکنة، و الأزمنة، و الظروف المختلفة و وجود الأسباب و عدمها إلى غیر ذلک.
فربَّ شیء یکون حرجیّاً بالنّسبة إلى شخص دون آخر، کالضّعیف دون القوی; و ربّ شیء یختلف باختلاف حالات شخص واحد من القوّة و الضعف و الصحّة و المرض; و ربّ شیء یکون عسراً و حرجیّاً فی مکان دون آخر، کتحصیل الماء فی الصّحاری القفار دون الشاطىء; أو فی زمان دون آخر، کالحجّ بالنّسبة إلى بعض النّاس فی الأزمنة السّابقة دون زماننا هذا، إلى غیر ذلک.
و حیث قد عرفت فی التّنبیه الثّانی من هذه التنبیهات أنّ المعیار فی هذا الباب هو الحرج الشّخصی لا النّوعی فاللازم ملاحظة جمیع هذه الأمور فی الحکم بنفی التکلیف.
و أمّا لو قلنا بأنّ العبرة بالحرج النّوعی، فهل العبرة بنوع المکلّفین فی جمیع الأزمنة و الأمکنة على اختلافهم فی الصنوف و الحالات و الظروف، أو أنّ العبرة بصنف منهم؟ و ما الدّلیل على تعیین صنف خاصّ، و ما المعیار فی سعة دائرة هذا الصنف؟ و هذا کلّه ممّا أشرنا الیه سابقاً فى أنّ عدم وجود الضابطة لتشخیص ذلک أحد الموهنات لهذا القول.
هذا آخر ما أردنا تحریره فی هذه القاعدة المهمّة المغفول ذکرها فی کلمات الأصحاب، مع استنادهم إلیها فی مختلف أبواب الفقه، و تفریع فروع کثیرة علیها; و قد بقی خبایا فی زوایا یعثر علیها الخبیر.