لایخفى أنّ مورد جریان قاعدة التّجاوز بالنّسبة إلى الأجزاء عند الشکّ فی أصل وجودها، و قاعدة الفراغ بالنّسبة إلى مجموع العمل عند الشکّ فی بعض ما یعتبر فیها، و إن کان فی غیر واحد من أخبار الباب هو «الصّلاة» و «الطهور»، إلاّ أنّ إطلاقات الأخبار لاتختصّ بهما، بل تشملها و غیرهما من سائر العبادات، بل المعاملات من العقود و الإیقاعات، و غیرها. و قد عرفت أنّها تشیر إلى کبرى واحدة تحتوی على القاعدتین معاً.
فلو شکّ فی صحّة عقد أو إیقاع بعد الفراغ عنه و مضیّه لم یعتدّ بالشّک و یمضی علیه کما هو. و کذا لو شکّ فی صحّة غسل میّت و کفنه و دفنه، فإنّ العمومات و الإطلاقات تقتضی صحّتها بعد مضیّها. و لا وجه لتخصیصها بباب الصّلاة و الطّهارة، أو أبواب العبادات.
و القول بأنّها القدر المتیقّن فی مقام التّخاطب فلا تشمل العمومات غیرها، کما ترى; لمّا تحقّق فی محلّه من أنّ مجرّد وجود القدر المتیقّن فی مقام التّخاطب لایضرّ بإطلاق الدّلیل، و إلاّ أشکل الأمر فی جمیع الإطلاقات الواردة فی الأخبار الّتی وقع السؤال فیها عن موارد خاصّة، و لایظنّ بأحد الإلتزام به فی أبواب الفقه. هذا مضافاً إلى أن بعض الأخبار العامّة غیر وارد فی مورد خاص، و دعوى القدر المتیقّن فیه أیضاً باطلٌ جدّاً.
ولکن فی إجراء قاعدة التّجاوز بالنّسبة إلى الکلمات و أجزاء عقد البیع و نحوه إشکال، یظهر وجهه بما سیأتی فی الفصل الآتی إن شاء اللّه.
وقد عرفت سابقاً أنّ الفقیه المتتبّع الماهر صاحب (الجواهر) تمسّک بهذه القاعدة فی مسألة الشکّ فی عدد أشواط الطواف بعد الفراغ منه; مضافاً إلى ما ورد فیها من الرّوایات الخاصّة. و لعلّ المتتبّع فی کلماتهم یقف على غیره ممّا یتمسّک فیها بهذه القاعدة.
و صرّح فی الجواهر أیضاً فی باب الشّک فی أفعال الوضوء: «إنّ هذه القاعدة محکمة فی الصّلاة و غیرها من الحجّ و العمرة و غیرهما»(1)
1. الجواهر، ج 2، ص 355.
