الحقّ أنّه لافرق فی شمول أدلّة نفی الحرج بین الأحکام الوجودیّة و العدمیّة ـ کما مرّ نظیره فی قاعدة نفی الضرر ـ، ولکن بمعنى أنّه لو لزم من ترک بعض الأفعال ضیق و حرج على المکلّف ـ کترک شرب مائع نجس أحیاناً ـ فإنّه یجوز شربه و ترتفع حرمته بمقتضى قاعدة نفی الحرج; و مجرد کون موضوعه ـ و هو ترک الشرب ـ أمراً عدمیاً لا أثر له أصلاً، بعد کون الدلیل الدالّ على نفی الحرج شاملاً لجمیع الموارد، مثل قوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج ) و قوله(علیه السلام): (إنّ الدّین لیس بمضیق)، و قوله: (الدّین أوسع من ذلک); فإنّ مفادها جمیعاً نفی الأحکام الحرجیّة، سواء تعلقت بموضوعات وجودیّة أو عدمیّة.
هذا بناءاً على المختار من أنّ الحرج و العسر من صفات فعل المکلّف لا من صفات الأحکام، و بناءاً علیه یلاحظ العدمی و الوجودی فی ناحیة متعلّق الحکم و هو فعل المکلّف لافی ناحیة الحکم نفسه.
و أمّا بناءاً على کونه من أوصاف الحکم فظاهر أدلّة نفی الحرج ـ أعنی نفی الأحکام الحرجیّة بناءاً على هذا القول ـ و إن کان خصوص الأحکام الوجودیّة; لأنّ عدم الحکم لیس حکماً و لایصدق علیه أنّه ممّا جعله الشّارع فلا یدخل فی قوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج )، إلاّ أنّک قد عرفت سابقاً فی بحث قاعدة لاضرر، أنّ العرف یحکم حکماً قطعیّاً بإلغاء هذه الخصوصیّة، فلا یرى أیّ فرق بین لزوم الحرج من جعل الوضوء على المکلّف أو من ترک جعل تسلّط النّاس على أموالهم، و لایرى وجهاً للإمتنان بترک جعل الأوّل دون الثّانی، و قد مرّ هناک بعض ما ینفعک فی المقام فراجع.
