التّنبیه التّاسع: حکم تعارض الضررین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
القواعد الفقهیّة الجزء الاولی
التّنبیه الثّامن: هل یجوز الإضرار بالغیر لدفع الضرر عن النّفس؟التنبیه العاشر: فی أنّه لافرق بین توجه ضرر «الحکم» إلى خصوص من کُلِّف به أو غیره

إذا تعارض ضرران، فإن کان بالنسبة إلى شخص واحد، کما إذا تضرّر إنسان من شرب دواء من بعض الجهات و انتقع به من جهات أُخر، فالحکم فیه واضح، فإنّ الواجب علیه ترک الضرر الأقوى و الأخذ بالأضعف ـ لو قلنا بأنّ الإضرار بالنّفس محرّم مطلقاً ـ; و إن کانا متساویین فالحکم فیه هو التخییر.

إلاّ أنَّ الکلام بعدُ فی حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، حتّى فی الموارد الّتی یکون هناک غرض عقلائی مع صدق عنوان الضرر و لم یکن هناک خوف هلاک النّفس. و الحکم بالتّحریم مطلقاً و إن کان مشهوراً إلاّ أنّه قد وقع التأمّل فیه من بعض المعاصرین من جهة عدم قیام دلیل علیه، و المسألة تحتاج إلى مزید تتّبع و تأمّل. ولکن لا إشکال فی عدم شمول إطلاقات أدلّة نفی الضرر لها; فإنّها ناظرة إلى الإضرار بالغیر على ما هو التّحقیق، فمسألة الإضرار بالنّفس خارجة عن محل البحث و لها موقف آخر.

و أمّا إذا دار الأمر بین ضررین بالنسبة إلى شخصین، و هو المقصود بالبحث هنا، فقد وقع الکلام فی حکمه بین الأعلام; و قد مثّلوا له بما إذا أدخلت الدابّة رأسها فی قِدر مالک آخر بغیر تفریط من المالکین و لم یمکن إخراج رأسها إلاّ بکسر أحدهما، أو وقع دینار من شخص فی محبرة غیره کذلک. و مثّلوا له أیضاً بما إذا کان تصرّف المالک فی ملکه موجباً لتضرّر جاره و ترکه موجباً لتضرّر نفسه، کما إذا احتاج إلى حفر بئر فی داره بما یتضرّر منه جاره.

أقول: مسألة تعارض ضرر المالک و غیره بالتّصرف فی مال نفسه لها أحکام خاصة لاتجری فی مطلق تعارض الضررین، فلذا عقدنا لها بحثاً آخر سیوافیک ـ و علیه لابدّلنا من البحث فی مقامین مخلتفین; و قد عرفت آنفاً أنَّ مسألة التولّی من قبل الجائر و سائر موارد الإکراه على إضرار الغیر داخلة فی باب تعارض الضررین، و لیست من باب تحمل الضرر المتوجّه إلى الغیر، فما نذکره من الأحکام هنا شامل لها أیضاً، فنقول:

المقام الأوّل: فیما إذا تعارض ضرران و دار الأمر بین الإضرار بأحد الشخصین أو أحد المالین لا على التعیین و لم یکن منشؤه تصرّف المالک فی خصوص ملکه، و حاصل القول فیه أنّ التأمّل التام فی أدلّة نفی الضرر یرشدنا إلى أنّها لاتشمل صورة تعارض الضررین; إمّا لأنّها واردة مورد الإمتنان فلا تشمل إلاّ الموارد الّتی تکون قابلة له، لامثل المقام الّذی لایکون قابلاً له على کلّ حال، فتأمّل; و إمّا لانصراف أخبار الباب إلى ما لایلزم منه الضرر إلاّ فی أحد طرفیه دون ما یلزم منه ذلک فی کلا طرفیه، و الوجه فیه أنّ ظاهر الأدلّة و لو بملاحظة مناسبة الحکم و الموضوع أنّ الشّارع المقدّس أراد بنفی الضرر فی عالم التّشریع إعدامه من صفحة الوجود بالنسبة إلى مناسبات المکلّفین بعضهم ببعض، و هذه الغایة إنّما تنال إذا کان الضرر فی أحد طرفی الفعل و الترک لافی کلیهما، فکما أنّ إخراج رأس الدابّة من القِدر بکسر القدر مستلزم للضرر على صاحب القدر، فکذلک ذبح الدابة و حفظ القدر یوجب الإضرار على صاحبها، فلا یحصل غرض تشریع هذا الحکم من واحد منهما. و الحاصل أنّ مناسبة الحکم و الموضوع هنا مع قطع النّظر عن ورود القاعدة مورد الإمتنان تقتضی إنصرافها عن مورد التعارض.

فاللازم إلتماس دلیل آخر للحکم هنا، و الّذی یظهر لنا بعد الرّجوع إلى سیرة العقلاء فی أمثال هذه المقامات و ما تقتضیه قاعدة: «الجمع بین الحقوق مهمّا أمکن» هو لزوم تقدیم جانب الضرر الأقوى، بأن یکسر القدر أو المحبرة فی المثالین السابقین إذا کانت قیمتهما أقلّ من قیمة الدابة ـ کما هو الغالب ـ، ثم تجعل الخسارة على المالکین جمیعاً لاعلى واحد منهما فقط. و الوجه فی تضمین صاحب الدابّة شقصاً من الخسارة أنّ کسر القدر إنّما کان لحفظ ماله، و الوجه فی تضمین صاحب القدر الشقص الآخر أنّ توجّه هذا الضرر إلى المالین لم یکن بتفریط من صاحب الدابّة حتّى یکون ضامناً لجمیع القیمة، بل إنّما وقع لأسباب خارجیة متساویّة النسبة إلى کلیهما، فکلاهما متساویان فی لزوم تحمّل هذا الضرر بالنسبة.

و الحاصل أنّ الضرر الحاصل من إدخال الدابة رأسها فی القدر قد نشأ من ناحیة أمور خارجیة من غیر دخل لأحد المالکین فیها ـ کما هو مفروض البحث ـ، و هذا الضرر کما أنّه متوجّه إلى صاحب الدابة من جهة متوجّه إلى صاحب القدر من جهة أخرى، فعلى کل منهما قبول شقص من الخسارة الحاصلة من توجّه أسباب الضرر، لئلاّ یلزم ترجیح بلا مرجح فی تحمّل الخسارة المتساویة النسبة إلیهما; و أهمیّة أحد المالین بالنسبة إلى الآخر لاتؤثر فی تضمین أحد المالکین دون الآخر. بل یمکن أن یقال إنّ الخسارة علیهما تکون بنسبة مالهما، فصاحب الدابّة یضمن من الخسارة الحاصلة بنسبتها، و صاحب القدر بنسبته، غایة الأمر أنّه یراعى جانب الأهمّ فی حفظ تشخّص أحد المالین، بإفناء الآخر و الإنتقال إلى بدله، فیکسر القدر و تخلّص الدابة; و لو کانا متساویین من جهة المالیّة فلا یبعد الحکم بالقرعة کما لایخفى.

هذا کلّه إذا لم یکن توجّه الضرر ناتج من تفریط أحد المالکین، و إلاّ کانت الخسارة علیه فقط دون الآخر کما هو ظاهر.

و من هنا یظهر وجه النّظر فیما ذکروه فی کتاب (الغصب) من أنّه: «إذا حصلت دابّة فی دار لاتخرج إلاّ بهدمها و لم یکن تفریط من أحد المالکین یهدم و تخرج الدابة و یضمن صاحب الدار لمصلحته»; إذ مجرّد کون الهدم لمصلحة صاحب الدابّة لایوجب إستقرار تمام الخسارة علیه، بعد ما کانت الخسارة بسبب أمور خارجیة متوجهة إلیهما و لم یکن تفریط من صاحب الدابّة، فاللازم هو الحکم بإستقرارها علیهما، جمعاً بین الحقّین.

المقام الثّانی: فی تعارض ضرر المالک و غیره.

إذا لزم من ترک تصرّف المالک فی ملکه ببعض أنحاء التصرّفات ضرر علیه، و لزم من تصرّفه ضرر على غیره، فهل هو من قبیل تعارض الضررین حتّى یحکم علیه بما قدمناه فی التنبیة السابق، أو یجب ترجیح جانب المالک دائماً; فله التّصرف فی ملکه بما یشاء و کیف یشاء، أو فیه تفصیل؟

التحقیق أنَّ ههنا مسائل أربع:

أحدها: ما إذا لزم من ترک تصرّف المالک فی ملکه ضرر علیه.

ثانیها: ما إذا لزم منه فوت بعض منافعه من دون توجّه ضرر علیه.

ثالثها: ما إذا لم یلزم شىء منهما ولکن بدا له ذلک التصرّف عبثاً و تشهیاً.

رابعها: ما إذا کان قصده من ذلک التّصرف الإضرار بالغیر من دون أن ینتفع به أصلاً.

و لا إشکال فی عدم جواز الأخیر بل الظّاهر أنَّ مورد روایة سمرة هو بعینه هذه الصورة.

و أمّا باقی الصور فظاهر المحکی عن المشهور الحکم بالجواز فیها مطلقاً، بل أدعی الأجماع على الجواز فی الصورة الأولى. ولکن صریح بعضهم کالمحقّق (قدس سره) و ظاهر آخرین کالعلاّمة فی (التذکرة)، و الشّهید فی (الدّروس) ـ رحمة اللّه علیهما ـ إستثناء الصورة الثالثة حیث قیّد الأوّل منهم الجواز بصورة «دعاء الحاجة إلیه»، و الأخیران بما «جرت به العادة». و من المعلوم أنّ مفروض الکلام فی الصورة الثالثة ما لم تدع الحاجة إلیه و لاجرت به السیرة، بل الظاهر إنصراف کلمات غیر هؤلاء الأعلام أیضاً عن هذه الصورة و عدم شمولها لغیر الصورتین الأولیین.

و إذا قد عرفت ذلک فاعلم أنّ الّذی اختاره شیخنا العلاّمة(قدس سره) فی فرائده هو الحکم بتقدیم جانب المالک فی هاتین الصورتین، بالرجوع إلى عموم قاعدة تسلّط النّاس على أموالهم و قاعدة لاحرج، بعد سقوط أدلّة نفی الضّرر بالنسبة إلیهما للتعارض.

و أورد علیه المحقق النّائینی(قدس سره) بفساد الصغرى و الکبرى; أمّا الصغرى ـ یعنی عدم کون المقام من مصادیق الحرج بل و لامن مصادیق تعارض الضررین ـ فملخّص ما أفاده فی بیانه هو أنَّ الحرج لیس مطلق المشقّة بل هو المشقّة الجوارحیة، فالمشقة الطارئة على الجوانح من منع المالک عن التصرّف فی ملکه غیر منفیة بأدلّة نفی الحرج; فلیس المقام من مصادیق الحرج، بل و لا من تعارض الضررین; لأنّ الضرر الحاصل للمالک من ترک تصرّفه لیس فی عرض الضرر الحاصل للجار عند التّصرف حتّى یتعارضان، بل أحدهما فی طول الآخر، و ذلک لأنّ المجعول فی هذه الواقعة لیس إلاّ حکماً واحداً; إمّا جواز تصرّف المالک أو حرمته، و الأوّل ضرری للجار فقط، و الثّانی للمالک فقط; فلیس هناک حکمان ینشأ منهما الضرر علیهما حتّى یتعارضان. نعم، بعد شمول أدلّة نفی الضرر لجواز تصرّف المالک ینشأ منه حکم ضرری على المالک، و هو عدم سلطنته على تصرّفه فی ماله بهذا النّحو من التّصرّف; ولکن من المعلوم أنّ هذا الحکم إنّما نشأ من ناحیة أدلّة لاضرر، و لا یعقل أن یکون منفیاً بها و فی عرضها، فلیس المقام من باب تعارض الضررین.

و أمّا فساد الکبرى ـ یعنی عدم جواز الرّجوع إلى قاعدة السلطنة و أدلّة نفی الحرج بعد تعارض الضررین ـ فقد ذکر فی وجهه ما حاصله: إنّ الرّجوع إلى العام عند تعارض المخصِّصات إنّما یصح فی موارد تعارض المخصِّص مع ما فی رتبته، و أمّا إذا تولّد من تخصیص العام بمخصِّص فرد آخر من سنخ المخصِّص، و وقع التعارض بین هذین الفردین من أفراد للخصّص فذلک لا یوجب الرجوع الى العام، و المقام من هذا القبیل; فإنّ حکومة أدلّة نفی الضرر على عموم تسلّط النّاس على أموالهم أوجب الحکم بعدم جواز تصرّف المالک بذاک النّحو من التّصرّف، و هذا الحکم ضرری بالنسبة إلى المالک. و إن شئت قلت: التعارض هنا بین مصداقین لمخصص معلوم لابین دلیلین مختلفین أحدهما مخصصص للعام إجمالاً.

هذا کلّه بالنسبة إلى عدم جواز الرّجوع إلى قاعدة السلطنة، و أمّا عدم جواز الرّجوع إلى دلیل نفی الحرج فلأن الرّجوع إلیه إنّما یصحّ إذا کان حاکماً على دلیل نفی الضرر و هو ممنوع. إنتهى کلامه ملخّصاً.

أقول: و ما أفاده (قدس سره) قابل للنقد من جهات شتّى، و لنذکر أوّلاً ما عندنا فی حکم المسألة بجمیع صورها; ثمّ لنشر إلى مواضع الإشکال فیما أفاده تحقیقاً للحقّ و توضیحاً للمختار.

لاینبغی الإشکال فی أنّ قاعدة السلطنة مع قطع النّظر عن دلیل لاضرر قاصرة عن شمول بعض أنحاء التّصرّف فی المال، فإنّها إنّما تدلّ على جواز تصرّف المالک فی ماله بما جرت علیه سیرة العقلاء من أنحاء التصرّفات، و لا دلیل على جریانها فیما عدا ذلک. و منه یظهر حال کثیر من الأمثلة الّتی ذکروها فی المقام; فإنّ التّصرّفات الّتی لایکون فی فعلها نفع للمالک و لا فی ترکها ضرر علیه عادة و إنّما یقصد بها مجرّد الإضرار بغیره، و کذلک ما یصدر منه عبثاً مع العلم بتضرّر غیر منه ضرراً معتدّاً به، لادلیل على جوازها أصلاً; فإنّها خارجة عن حدود السلطنة العرفیّة العقلائیّة فی باب الأموال، کما لایخفى على الخبیر بأحوال العقلاء و اعتباراتهم و أمثلتها.

و الوجه فیه أنَّ سلطنة المالک على ماله کسائر الإعتبارات العقلائیّة لها حدود معلومة لایتعدّى عنها، و من یتعدّ حدودها فهو خارج عن حیطة اعتباراتهم. و لعلّ من ذلک ما ذکروه من مثال جعل حانوت حداد فی صف العطّارین بحیث یوجب تضرّراً فاحشاً على جیرانه، أو کالذی جعل داره مدبغة عظیمة یتاذّى منها جیرانه و یشتدّ علیهم الأمر إلى حدّ بعید لایتحمّل عادة، فهل أنَّ العقلاء من أهل العرف یجوّزون ذلک، و هل یرون دائرة سلطنة المالک على ماله تشمل هذه النّواحی؟!

و بذلک یظهر أنَّ قاعدة السلطنة فی حدّ ذاتها قاصرة عن شمول الصورة الرابعة من صور المسألة المتقدّمة، بل الصورة الثالثة أیضاً، حتّى مع قطع النّظر عن ورود أدلّة لاضرر.

و أمّا إذا کان تصرّف المالک فی ماله لغرض عقلائی فی حدوده المتعارفة المعمولة فیما بینهم، ولکن لزم منه ضرر على غیره و لزم من ترکه ضرر علیه، أو فات منه بعض المنافع، فهو أیضاً على قسمین; لأنّه تارة یکون صدق عنوان الإضرار بالغیر ملازماً لصدق عنوان التّصرّف فی ماله أیضاً، بأن یکون تصرّف المالک فی ماله مستلزماً لتصرّف ضرری فی مال غیره، و لو بعنوان التسبیب، کما إذا حفر بئراً فی داره فأخذ ینضّ باتّجاه دار جاره فأسقط جداره، أو أسقط بعض بیوته عن حیز الإنتفاع; فإنّه لا إشکال فی صدق التّصرّف فی ملک الغیر بحفر البئر و لو بعنوان التسبیب فی هذا المثال و أشباهه.

و أخرى لایصدق علیه هذا العنوان و إن لزم منه تضرّره، کما إذا رفع جداره على جانب جدار جاره بما یتضرّر به و ینزِّل قیمة داره. و لعلّ منه ما ذکروه ـ و ورد فی الرّوایات أیضاً ـ من نقص ماء قناة لحفر قناة أخرى فی أرض قریبة منها، و کذا فساد ماء بئر جاره لحفر البالوعة فی داره فی مکان قریب منه ـ فی بعض الصور لا فی جمیعها، کما لایخفى ـ.

و إذ قد عرفت ذلک، فاعلم أنّه إن کان من قبیل القسم الأوّل، فهو من باب تعارض الضررین و السلطنتین; فکما أنَّ قاعدة السلطنة مع قطع النّظر عن أدلّة لاضرر تجری فی حقّ هذا المالک فیجوز له التّصرّف فی داره بحفر البئر، فکذلک تجری فی حقّ الآخر، فیجوز منع الأول ممّا یوجب تصرّفاً فی دار الثانی بمقتضى سلطنة الثانی بنفس تلک القاعدة; فالتّعارض بین السلطنتین. کما أنّ أدلّة لاضرر متساویة النسبة إلى کلیهما; فکما أنّ تصرّفه فی داره بحفر البئر یکون ضرریّاً، فکذلک ترک تصرّفه. فالحکم هنا هو الحکم فی باب تعارض الضررین الّذی فصّلناه فی المقام الأوّل، و حاصله لزوم الجمع بین الحقّین مهما أمکن.

و أمّا إن کان من القسم الثّانی فالحکم فیه هو الرّجوع إلى قاعدة السلطنة بعد تعارض الضرر من الجانبین، بل قد عرفت إمکان القول بعدم شمول أدلّة لاضرر لمورد التعارض رأساً; إمّا لعدم المقتضی للإمتنان، أو لانصرافها إلى غیر هذه الصورة. و على کل تقدیر لا إشکال فی جواز الرّجوع إلى قاعدة السلطنة هنا، و الحکم بجواز مثل هذه التّصرّفات. فللمالک التّصرّف فی ملکه بأنحاء التّصرّفات المتعارفة و إن تضرر منه جاره، ما لم یلزم منه تصرّف فی ملکه، سواء تضرر المالک من ترک هذا التّصرّف، أوفاته بعض منافعه، و ترک تصرّفه فی ملکه بما یترقّب منه من المنافع ضرر علیه غالباً.

هذا کلّه إذا لم یرد دلیل خاص على المنع من بعض أنواع التّصرف، کما ورد فی باب حریم البئر، و قد مضى بعض روایاته و أحکامه عند ذکر أخبار الباب، و یطلب تفصیله من کتاب (إحیاء الموات) و غیره.

و أما ما أفاده المحقّق السّابق ففیه مواقع للنظر:

أمّا أوّلاً: فلأنَّ ما ذکره فی نفی الصغرى ـ من أنَّ ضرر المالک لیس فی عرض ضرر الجار لأنّ المجعول فی هذه الواقعة لیس إلاّ حکماً واحداً... ممنوع; لأنّه مبنی على کون حکم نفی الضرر من قبیل الرّفع لا الأعمّ منه و من الدفع، مع أنّه لا إشکال فی کونه أعمّ; و حینئذ کما یمکن الإستدلال به على نفی جواز تصرّف المالک فی ملکه بهذا النّوع من التّصرّف لکونه ضرریّاً، کذلک یمکن نفی حرمته أیضاً لأنّه ضرری، و لا نحتاج إلى ورود دلیل دال على الحرمة و الجواز کلیهما بعمومه أو إطلاقه، حتّى یرفع الید عنه فی مورد الضرر بدلیل نفی الضرر; فما أفاده (قدس سره) من «أنّه لایتصوّر هنا إلاّ حکم واحد و أنَّ الحکم بحرمة التّصرّف إنّما نشأ من شمول لاضرر بجواز التّصرّف الثابت بعموم دلیل السلطنة» خال عن التّحصیل، بل الضرر النّاشئ من التصرّف و من ترکه فی حدّ سواء بالنسبة إلى أدلّة نفی الضرر بعد کون النّفی هنا أعمّ من الدفع و الرّفع.

و ثانیاً: إنّ ما أفاده من عدم شمول لاضرر للضرر النّاشئ من قِبل هذا الحکم أیضاً ممنوع; للقطع بعدم خصوصیّة لبعض أنواع الضرر فی هذا الحکم الإمتنانی، و بأنّ جمیع الأحکام الضرریّة متساویّة فیما منَّ اللّه به على عباده من رفعها عنهم فی عالمی التّکلیف و الوضع و جعلهم فی فسحة منها; فلو کان لتنقیح الملاک مورد فهذا مورده. هذا کلّه لو لم نقل بشمول الدلیل له بمقتضی الدلالة اللفظیّة، لأنّ الحکم ورد على عنوان عام و طبیعة ساریة إلى جمیع مصادیقها.

و ثالثاً: إنّ ما أفاده فی منع الکبرى من عدم جواز الرّجوع إلى عموم دلیل السّلطنة بعد تعارض الضررین لعدم کونهما فی رتبة واحدة، فیه مضافاً إلى ما عرفت من ابتنائه على مبنی فاسد، و هو کون نفی الضرر من قبیل الرّفع لا الأعم منه و من الدفع، أنّه لا مناص هنا من الرّجوع إلى العام الفوقانی بعد هذا التعارض; لأنّ البحث فی الکبرى إنّما هو بعد الفراغ عن الصغرى و قبول وقوع التّعارض بین الضرّرین، و معلوم أنّه لاترجیح لأحدهما على الآخر حینئذ; فکیف لایتساقطان؟ و لَم لایُرجَعَ إلى عموم قاعدة السلطنة؟ و لیت شعری، إذا فرضنا حصول صغرى التّعارض بین مصداقی الضرر فی المقام و لم یجز الرّجوع إلى قاعدة نفی الضرر، فما الوجه فی عدم جواز التمسّک بدلیل المحکوم، أعنی: قاعدة السلطنة، و ما المرجع فی المقام لو لم تکن هی المرجع؟!

و رابعاً: إنّ ما أفاده من نفی صغرى الحرج ـ نظراً إلى أنّه عبارة عن مشاق الجوارح لا الجوانح ـ هو أیضاً بإطلاقه ممنوع; لأنّ مشاق الجوانح أیضاً کثیراً ما یصدق علیها عنوان الحرج، فالمصائب المؤلمة و الحوادث المفجعة أمور حرجیّة بلا إشکال، مع أنّها من مشاق الجوانح، و قد قال اللّه تعالى: (کِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَیْکَ فَلاَ یَکُنْ فِی صَدْرِکَ حَرَجٌ مِّنْهُ )،(1) و قال أیضاً: (فَلاَ وَ رَبِّکَ لاَیُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوکَ فِیـما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لاَیَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً ).(2)

نعم، مطلق ضرر المالک و منعه من التّصرّف فی ملکه لایکون مصداقاً للحرج کما أفاده العلاّمة الأنصاری (قدّس الله سرّه)، و لایکون ذلک إلاّ فی بعض الموارد الّتی یصعب جداً على المالک تحمّله و یکون فی صدره حرج منه و ضیق.


1. سورة الأعراف، الآیة 2.
2. سورة النّساء، الآیة 65.
التّنبیه الثّامن: هل یجوز الإضرار بالغیر لدفع الضرر عن النّفس؟التنبیه العاشر: فی أنّه لافرق بین توجه ضرر «الحکم» إلى خصوص من کُلِّف به أو غیره
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma