قد وقع الکلام بینهم فی اعتبار عدم المندوحة و ما یکون به الفرار، فی التقیّة و آثارها، التى منها صحة الأعمال المأتی بها على طبقها، على أقوال:
أوّلها: أنّه غیرمعتبر مطلقاً. و حکی عن الشهیدین و المحقق الثانی فی (البیان) و (الروض) و (جامع المقاصد).
ثانیها: أنّه معتبر مطلقاً و حکی عن صاحب (المدارک).
ثالثها: التفصیل بین ما کان متعلق التقیّة مأذوناً فیه بالخصوص، و ورد فیه دلیل خاص، مثل القبض فی الصلاة ـ أی التکتف فیها ـ، فهو صحیح مجز، سواء کان هناک مندوحة أم لا; و بین ما کان الدلیل علیه هو عمومات التقیّة الدالة على أنها فی کل ضرورة و اضطرار، کالوضوء بالنبیذ، أو الصلاة إلى غیر القبلة و أشباههما، فحینئذ لا یصح العمل إلاّ عند عدم المندوحة، لعدم صدق الضرورة بدونه. و هذا القول ایضاً محکیّ عن المحقق الثانی(قدس سره).
و قد یقال برجوع هذا القول إلى قول صاحب (المدارک); حیث إنَّ نفى اعتبار عدم المندوحة فی الشقّ الأول إنّما هو باعتبار جمیع الوقت، لا بالنسبة إلى خصوص الوقت الذی یؤدّی الصلاة فیه مثلا، و من المعلوم أن صاحب (المدارک) القائل باعتباره مطلقاً لا یقول به فی جمیع الوقت، لأنّه ممّا لم یقل به أحد فیما نعلم... و الأمر سهل.
و هناک قول رابع، و هو التفصیل الذی اختاره شیخنا الأعظم العلاّمة الأنصاری(قدس سره) و حاصله:
أنّ هناک صور ثلاث:
الأولى: ما اذا کان المتّقی قادراً على الامتثال الواقعی من دون تعویض فی الزمان و المکان، کما إذا کان عمله فی الظاهر على وفق مذهب المتّقى منه، مع إتیانه بالعمل الصحیح الاختیاری واقعاً، کمن یقرأ مثلاً خلف إمامهم سرّاً و هو یریهم أنّه لا یقرء، من دون أی محذور. فهذا ممّا لا تصح التقیة فیه، لوجود المندوحة بلا حاجة إلى تغییر زمانه أو مکانه.
الثانیة: ما اذا کان فی ضرورة بالنسبة إلى بعض الوقت دون تمامه، فلو أراد الصلاة مثلاً فی أول وقتها لم یمکنه إلاّ بالتقیّة. فهذا صحیح مجز، و لا یعتبر عدم المندوحة فی تمام وقتها.
الثالثة: ما إذا کان فی ضرورة بالنسبة إلى مکان خاص دون جمیع الأمکنة، کمن لا یقدر على ترک التقیّة فی مسجد النبی(صلى الله علیه وآله) أو المسجد الحرام، مع قدرته على العمل الصحیح التام فی غیرهما. و هذا ایضاً مجز، فلا یعتبر عدم المندوحة فی کل مکان.
