الأوّل: لایخفى أنّه إذا کان هناک أمارة شرعیّة کالبیّنة، أو حجّة عقلیّة کالقطع، فإعتمد علیها المکلّف حین الفعل ثمّ تبیّن خطؤها بعده; کمن صلّى إلى جهة یعلم أنّها قبلة، أو قامت أمارة شرعیّة علیها، ولکن تبیّن له بطلان منشأ قطعه و فساد الأمارة بعدما صلّى، ولکنّه یحتمل کون الجهة الّتی صلّى إلیها قبلة من باب الإتّفاق، فلا إشکال فی أنّه محکوم بحکم الغفلة; لأنّ الإحراز المذکور کان فاسداً، مع کون صورة العمل محفوظة عنده، لعلمه بالجهة الّتی صلّى إلیها، ولکن لایعلم أنّها کانت هی القبلة، أو غیرها؟! فلو صادفت القبلة لم یکن من ناحیة «الذّکر حین العمل»; لأنّ المفروض علمه بعدم کونه أذکر حینه، بل إنّما هی من باب الصدفة و الإتّفاق.
و لیس هذا من قبیل الشّک فی انطباق «المأمور به» على «المأتیّ به»، کما ذکره المحقّق النّائینی(قدس سره) فی الأمر الخامس الّذی ذکره فی المسألة، بل من قبیل انطباق «المأتی به» على «المأمور به» صدفةً و اتّفاقاً عند الغفلة.
و العجب منه (قدس سره) أنّه جعله من ذاک الباب، و عقد له و لأشباهه باباً مستقلاًّ. و کلامه فی هذا المقام لایخلو عن تشویش و اضطراب، فراجع.
الثّانی: إنّ المراد بالغفلة هنا هو الغفلة المحضة، أعنى الذّهول عن العمل عند أدائه مطلقاً، إجمالاً و تفصیلاً، نظیر مسألة الخاتم فی الوضوء; فإنّ المفروض ذهوله عن غسل ما تحته مطلقاً، إجمالاً و تفصیلاً، فاحتمال الصحّة إنّما یکون من باب الصّدفة و الإتّفاق فقط.
و أمّا إذا ارتکزت کیفیّة العمل فى النّفس إجمالاً بسبب التّکرار و حصول العادة له، کما فی أفعال الصّلاة و الوضوء و غیرهما من العبادات الیومیّة، بحیث یؤتى بها أحیاناً متوالیاً على وجهها الشّرعی مع الغفلة عنها تفصیلاً، فإنّ ذلک لایعدّ من الغفلة، بل فیه نوع من الذّکر کما أشرنا إلیه سابقاً; و لولا ذلک کان الذّکر التّفصیلی غیر حاصل لکثیر من النّاس فی أقوالهم و أفعالهم و عباداتهم و غیرها، فلا یصحّ التّعلیل بغلبة الذّکر حین العمل بالنّسبة إلى العموم.
الثّالث: إنّ شیخنا العلاّمة الأنصاری(قدس سره) ذکر فی کلام له فی المقام أنّه لافرق بین أن یکون المحتمل ترک الجزء نسیاناً أو ترکه عمداً، و التّعلیل المذکور: (هو حین یتوضاً...) بضمیمة الکبرى المتقدّمة: (إنّ القاصد لفعل لایترکه عمداً یدلّ على نفی الإحتمالین.
و هو منه (قدس سره) عجیب; فإنّ العاقل القاصد لفعل شیء مع العلم بشرائطه و أجزائه لایحتمل فی حقّه ترک الجزء عمداً أصلاً، و هذا هو المراد من الکبرى المتقدّمة، لا أنّه یحتمل ذلک فی حقّه و ینفی احتماله بهذه الکبرى تعبّداً، أو من باب الغلبة، کما فی احتمال التّرک نسیاناً.
و الحاصل أنّه لو فرض احتمال ترک الجزء تعمّداً لم تجرِ فیه القاعدة بلا إشکال; لأنّه لا دافع لهذا الإحتمال، و لایوجد مصحّح للعمل معه. فقوله(قدس سره): لا فرق بین أن یکون المحتمل ترک الجزء نسیاناً أو ترکه تعمّداً، لاوجه له أصلاً.
