إنّ الشّک فی العمل بعد الفراغ و التّجاوز عنه یتصوّر على أقسام:
تارة یکون مع العلم بأنّه کان ذاکراً له حین العمل، عالماً بصحّته، ولکن یحتمل أنّه کان مخطئاً فی اعتقاده، آتیاً به على خلاف ما کان مأموراً به.
و أخرى مع الشّک فی کونه ذاکراً له أو غافلاً عنه، فکما یحتمل الغفلة یحتمل الذکر.
و ثالثة مع العلم بکونه غافلاً محضاً ولکن یحتمل الإتیان بما کان مأموراً به من باب الصدفة و الإتّفاق، کمن یعلم بأنّه لم یحوّل خاتمه عن محلّه حین الوضوء ولکن یحتمل انغسال ما تحته اتّفاقاً.
لا إشکال فی جریان القاعدة فی الصورتین الأولیین، و إنّما الکلام فی شمول إطلاقات الأدلّة للثّالثة، فقد یقال بعدم شمولها لها، نظر اً إلى التّعلیل الوارد فی قوله: «هو حین یتوضّأ أذکر منه حین یشکّ»; فإنّ التّعلیل بذلک یدلّ على تخصیص الحکم بمورد احتمال الذّکر، و إن کان عنوان السّؤال عامّاً. و یمکن أن یقال بشمولها لها و أنّ التّعلیل من قبیل الحکمة للحکم لا العلّة له، حتّى یکون مخصّصاً.
و التّحقیق هو الأوّل، لا لمجرّد ظهور التّعلیل الوارد فی الرّوایة، و فی روایة أخرى لمحمد بن مسلم: «و کان حین انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلک» فی ذلک، بل لأنّ الإطلاقات بأنفسها قاصرة عن الشمول لها، و منصرفة عنها، لاسیّما مع القول بکون القاعدة من الأمارات، و من باب غلبة الذّکر; فإنّ هذا الملاک إنّما هو فی غیر صورة العلم بعدم الذّکر.
هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ حکم الشّارع بحجّیة القاعدة لیس تأسیساً، بل هو إمضاء لما عند العقلاء من الحکم بالصّحة بعد الفراغ و التّجاوز عن العمل، ـ بل لعلّ الأمر فی جمیع الأمارات الشّرعیّة کذلک، فلیس فیها تأسیساً جدیداً على خلاف ما استقر علیه بناء العقلاء ـ، و من الواضح عدم استقرار بناء العقلاء على الحکم بالصّحة فی صورة الغفلة المحضة.
فلا محیص عن الحکم ببطلان العمل فی هذه الصّورة و إعادته بمقتضى قاعدة الإشتغال إلاّ أن یقوم دلیل آخر على الصّحة.
