استدلّ لها بالأدلّة الأربعة; ولکن الإنصاف أنّه لامجال فیها للأدلّة العقلیّة و لا الإجماع، بعد ما عرفت من اختصاص محل البحث بالتّکالیف الحرجیّة الّتی لاتبلغ حدّ ما لایطاق، و لا حدّ إختلال النّظام، و لاتوجب ضرراً على الأموال و الأنفس.
أمّا العقل فلأنَّه لا مانع عقلاً من تشریع الأحکام الحرجیّة و الإلزام بالأمور العسرة الشدیدة، و الشاهد له وجود تکالیف حرجیّة فی الشرعیّات و العرفیات ثابتة بأدلّتها، کما سیأتی الإشارة إلیه فی التنبیهات الآتیة إن شاء اللّه. و إلزام الموالی العرفیین عبیدهم بل إلتزام کثیر من النّاس من قبل أنفسهم بأمور عسرة حرجیّة لما یرقبون فیها من المنافع الدنیویّة أمر شائع ذائع; و سیأتی أنّ مثل هذه التکالیف کانت کثیرة فی الأمم الماضیة و إن صارت قلیلة فی هذه الأمّة المرحومة.
و أمّا الإجماع فلأنَّ دعواه على القاعدة بجمیع نواحیها مشکل جداً بعد عدم تعرّض الأکثر لها بعنوان کلّی عام، و إنّما تعرّض لها من تعرّض فی موارد خاصّة; و أمّا دعواه فی خصوص بعض الموارد کالوضوء و الغسل الحرجیین و إن کان بمکان من الإمکان إلاّ أنّه لاینفع فی إثبات القاعدة، بل لایتمّ على مبانی القوم حتّى فی موارده الخاصّة; لاختصاص حجّیة الإجماع عندهم بمسائل لا دلالة علیها من الکتاب و السنّة ممّا یصحّ إستناد المجمعین إلیه فی إثبات المسألة، و المقام من هذا القبیل، لما ستعرف من الأدلّة النقلیّة الکثیرة الدالّة علیها، الّتی یعلم أو یظنّ إستناد المجمعین إلیها فی إثبات القاعدة.
فإذن العمدة من بین الأدلّة هنا هی الکتاب و السنة.