ما یدلّ علیها من السّنة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
القواعد الفقهیّة الجزء الاولی
ما یدلّ علیها من الکتاب العزیزالمراد من العسر و الحرج و الإصر

و أمّا ما یمکن الإستدلال به على هذه القاعدة من السنّة فهی أخبار کثیرة، بین صریح فی المدّعى، و ظاهر فیه، و قابل للنّقض و الإبرام. و إلیک ما ظفرنا به و ما یمکن أن یقال فی و جه دلالتها:

1ـ ما رواه الشّیخ بإسناده عن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبداللّه(علیه السلام): إنّا (نسافر، فربّما بلینا بالغدیر من المطر یکون إلى جانب القریة، فتکون فیه العذرة، و یبول فیه الصبی، و تبول فیه الدابّة، و تروث؟ فقال: إن عرض فی قلبک شىء فقل هکذا، یعنی أفرج الماء بیدک، ثمّ توضأ، فإنّ الدّین لیس بمضیّق; فإنّ اللّه یقول: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج )).(1)

و ظاهرها أنّ الحکمة فی عدم انفعال الماء الکر ـ بناءاً على أنّ مثل هذا الغدیر الّذی وقع السؤال عنه فی الروایة کرٌ غالباً کما هو الظّاهر ـ هی التوسعة على الأمّة، و رفع الضّیق و الحرج عنها; و منه یستفاد أنَّ کل ما یکون حرجیّاً و ضیّقاً على النّاس فهو مرفوع عنهم، و یؤکّد هذ التّعمیم إستدلاله(علیه السلام)بقوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج ).

و الإستناد إلى هذه القاعدة فی إثبات حکم عدم إنفعال الکر و إن کان من قبیل حکمة الحکم لا العلّة ـ کما هو کذلک فی غیر واحد من الرّوایات الآتیة أیضاً ـ، إلاّ أنّ مجرّد ذلک غیر ضائر; لأنّه لا مانع من کون قضیّة واحدة بعینها حکمة لحکم و علّة لحکم آخر، و قد حققنا ذلک فی مبحث قاعدة لاضرر، و أثبتنا ضعف ما قد یلوح من بعض کلمات المحقّق النّائینی قدّس اللّه سرّه من عدم إمکان کون قضیّة واحدة حکمة لحکم فی مقام و علّة لحکم آخر فی مقام آخر، فراجع.

2ـ ما رواه فی الکافی عن الفضیل بن یسار عن أبی عبداللّه(علیه السلام) قال: (فی الرّجل الجنب یغتسل فینتضح من الماء فی الإناء؟ فقال: لابأس، (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج ).(2).

و سؤال الروای فیها یحتمل وجهین:

أحدهما: أن یکون من جهة الإغتسال بغسالة الحدث الأکبر، فإنّه إذا اغتسل من الإناء و انتضح من غسالته فیه إمتزج ماء الإناء به، و قد لایکون ذلک بمقدار یستهلک فیه، فیکون باقی الغسل بغسالة الحدث الأکبر; فتکون الرّوایة دلیلاً على جواز الإغتسال به فی مقام الضرورة، أو مطلقاً، بناءاً على إلغاء خصوصیّة المورد.

ثانیهما: أن یکون من جهة إنفعال الماء القلیل، لأنّ الجنب لایخلو عن نجاسة بدنیّة غالباً; فتکون الرّوایة فى الروایات الدالة على عدم إنفعال الماء القلیل، و تنسلک فی سلکها; کما استدلّ به بعض القائلین بعدم الإنفعال على مذهبه.

هذا، ولکن إجمالها من هذه النّاحیة لایضرّ بدلالتها على ما نحن بصدده، لأنّ استناده(علیه السلام) فی إثبات هذا الحکم بقاعدة رفع الحرج یدلّ على اعتبارها على نحو عام فی جمیع المقامات کما هو ظاهر. و فی کون إستناده إلیها فی هذا المقام من قبیل الإستناد إلى الحکمة أو العلّة إحتمالان، یظهر وجههما لمن تدبّر.

و ممّا یستفاد من الرّوایة أنّ الحرج المرفوع عن الأمّة أمر وسیع یشمل مثل الإجتناب عن هذا الإناء; فإنّ الإجتناب عن مثله فی تلک الأوساط ـ ممّا کانت المیاه فیه قلیلة ـ و إن کان عسراً إلاّ أنّه لم یکن فی الإجتناب عنه مشقّة عظیمة; ولیکن هذا على ذکر منک.

ما رواه شیخ الطائفة (قدس سره) بإسناده عن أبی بصیر عن أبی عبداللّه(علیه السلام) قال: (سألته عن الجنب یحمل یجعل الرکوة أو التّور(3) فیدخل أصبعه فیه؟ قال: إن کانت یده قذرة فأهرقه (فلیهرقه)، و إن کان لم یصبها قذر فلیغتسل منه; هذا ممّا قال اللّه تعالى (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج )).(4)

ذکره العلاّمة المجلسی (قدس سره) فی باب ما یمکن أن یستنبط منه متفرقات أصول مسائل الفقه.(5)

أقول: لعلّ وجه إستناده(علیه السلام) إلى قاعدة نفی الحرج لجواز الإغتسال من الماء القلیل الّذی أدخل أصبعه فیه و لو لم یصبها قذر، هو نفی النّجاسة المتوهّمة فی بدن الجنب أجمع بما أنّه جنب، و لو لم تصبها نجاسة عینیة، فإنّه لاشکّ فی لزوم العسر و الحرج منه لو کان الأمر کذلک.

و یمکن أن یکون ناظراً إلى نفی الحکم الإستحبابی بالإجتناب عن القذارات العرفیّة لا الشّرعیّة، الموجودة فی الید غالباً، أو النّجاسات الشّرعیّة المشکوکة الّتی لایجب الإجتناب عنها، و لذا ورد فی کثیر من الرّوایات الواردة فی کیفیّة إغتسال الجنب الأمر بغسل الکفین أوّلاً قبل الشّروع فی الغسل(6). فالإستناد ألى آیة نفی الحرج إنّما هو لنفی هذا الحکم الإستحبابی بالنّسبة إلى مثل هذا الشّخص، فتدبّر.

هذا، ولکنّ إبهام الرّوایة من هذه النّاحیة أیضاً لا یقدح فی الإستدلال بها على المقصود، بعد استناده(علیه السلام) بالآیة الشریفة لجواز الإغتسال من مثل هذه الإناء. ثمّ لایخفى أنّ الرّوایة کسابقتها فی احتمال کون الإستناد فیها إلى القاعدة من قبیل الإستناد إلى علّة الحکم أو حکمته.

4ـ ما رواه محمّد بن یعقوب بإسناده عن محمّد بن میسّر قال: (سألت أبا عبداللّه(علیه السلام)عن الرّجل الجنب ینتهی إلى الماء القلیل فی الطریق، و یرید أن یغتسل منه، و لیس معه إناء یغرف به و یداه قذرتان؟ قال: یضع یده، ثمّ یتوضأ، ثمّ یغتسل، هذا ممّا قال اللّه عزّ و جلّ: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج )).(7)

و القذارة هنا إن کانت بمعنى النجاسة کانت الرّوایة من أدلّة عدم انفعال الماء القلیل ـ کما استدلّ بها القائلون بهذا القول ـ، و إن کانت قذارة عرفیّة ـ کما هو المحتمل على القول بانفعال الماء القلیل ـ کانت الرّوایة ناظرة إلى نفی حکم إستحبابی، و هو غسل الیدین خارج الإناء قبل الإغتراف منه فی مورد الروایة و أشباهه; و هذا الحکم الإستحبابی إمّا یکون رعایة للتنزه عن القذارات العرفیّة، أو اجتناباً عن القذارات الشرعیّة المحتملة الّتی لایجب الإجتناب عنها فی فرض الشکّ، کما عرفت آنفاً. و على کل تقدیر، تکون الرّوایة من أدلّة القاعدة; فإنّ إبهامها من حیث موردها لایضرّ بالقاعدة المستدلّ بها فیها.

ما رواه شیخ الطائفة المحقّة بإسناده إلى عبد الأعلى مولى آل سام قال: (قلت لأبی عبداللّه(علیه السلام): عثرت فانقطع ظفری، فجعلت على أصبعی مرارة، فکیف أصنع بالوضوء؟ قال: یعرف هذا و أشباهه من کتاب اللّه عزّ و جلّ، قال اللّه تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج )إمسح علیه).(8)

و هی من أظهر الروایات دلالة على المطلوب، لصراحتها فی إرجاع حکم المسألة إلى کتاب اللّه عزّ و جلّ، و أمره(علیه السلام) باستفادة أشباه موردها من قوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج ) فلو کان فی الأحادیث السّابقة شائبة الإشکال من جهة احتمال کون نفی الحرج فیها من قبیل الحکمة للحکم لا العلّة ـ و قد عرفت أنّ الإشکال فیها من هذه النّاحیة أیضاً لا وجه له ـ، فإنّه یرتفع بصراحة هذا الحدیث فی کون نفی الحرج علّة للحکم، بحیث یدور مدارها، و یجوز التّعدّی من موردها إلى غیره.

نعم، یبقى فیها إشکالات من جهات أخر لابدّ من التّعرّض لها و بیان ما یمکن أن یقال فی حلّها:

الإشکال الأوّل: فی کیفیّة إستفادة وجوب المسح على المرارة من قوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج ) فإنّ نفی الحرج إنما ینفی وجوب الوضوء علیه على نحو وضوء المختار، و أمّا وجوب المسح على الجبیرة فلا.

و یمکن الجواب عنه بوجهین:

أحدهما: ما أفاده شیخنا العلاّمة الأنصاری (قدّس سرّه الشّریف) و حاصله: إنّ المسح الواجب فی الوضوء یشتمل على أمرین: إمرار الید على المحلّ، و مباشرتها للبشرة; و المتعسّر فی مفروض سؤال الراوی هو الثّانی ـ أعنی مباشرة الید للبشرة ـ لا إمرار الید على المحلّ، فسقوط الثّانی بالحرج لایوجب سقوط الوظیفة الأولى.(9)

و یرد علیه أنّ إرجاع حکم المسح إلى هذین الحکمین و الحکم بانحلاله الیهما ممّا لایساعد علیه فهم العرف فی أمثال المقام; فإنّ الظّاهر بنظر العرف أنّ إمرار الید على المحلّ إنّما هو مقدّمة لحصول المسح على البشرة، لا أنّه أمر مطلوب فی نفسه، فوجوبه من هذه الجهة من قبیل وجوب المقدّمة، و من المعلوم سقوطه عند سقوط وجوب ذیها; و یشهد له ما ورد فی باب حرمة المسح على الخفّین و ذم القائلین به من قوله(علیه السلام): (إذا کان یوم القیامة و ردَّ اللّه کلّ شیء إلى شیئه و ردَّ الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أین یذهب وضؤهم؟!)(10) فإنّ ظاهره أنّ المسح على الخفّین کالعدم، لا أنّه مشتمل لجزء من وظیفة المسح و فاقد للجزء الآخر، فتأمّل.

ثانیهما: أن یکون مراده(علیه السلام) من التمسّک بالآیة الشریفة نفی وجوب المسح الواجب على المختار، و أمّا بدلیّة المسح على المرارة فهو أمر آخر مستفاد من قاعدة المیسور المرکوزة فی الأذهان، لاسیّما فی أبواب الوضوء و الصّلاة، کما لایخفى على من راجع أحکام الشّرع فیها. هذا، و لو بقی فی الرّوایة إبهام من هذه النّاحیة لم یقدح فی الإستدلال بها على المطلوب، فتدّبر.

الإشکال الثّانی: فی أمره(علیه السلام) بالمسح على الجبیرة مع عدم انقطاع إلاّ ظفر واحد و کفایة المسح على غیره من الأظفار الباقیة ـ بناءاً على کفایة المسح و لو على أصبع واحد أو أقلّ منه ـ.

و یمکن الذب عنه بأنّ الأمر بالمسح علیها للعمل باستحباب المسح بجمیع الکفّ على ظهر القدم أجمع; أو أنّ الظفر الساقط لعلّه کان من أظفار یده لوقوعه على الأرض بعد عثره، و هو و إن کان بعیداً عن مساق السؤال إلاّ أنّه لیس فیها ما ینافیه صریحاً، کما لایخفى على من راجعها و تأمّل فیها حقّه، و من المعلوم أنّ الواجب فی غسل الید غسلها بتمامها.

الإشکال الثّالث: فی سنده، لضعفه بعبد الأعلى مولى آل سام; فإنّه و إن کان یظهر من بعض القرائن المذکورة فى الکتب الرّجالیّة إمامیاً ممدوخاً إلاّ أنّه لم یثبت وثاقته، و مجرّد ذلک لایکفی فی الإعتماد على روایته.

و یمکن دفعه بکفایة کون مثل «إبن محبوب» فی سلسلة السند، فإنّه رواه عن علی بن الحسن بن رباط، الّذی قیل فی حقّه أنّه ثقة لاغمز فیه، عن عبد الأعلى، عن الصّادق(علیه السلام); و ابن محبوب من أصحاب الأجماع، و یجب تصحیح ما یصحّ عنه.

ولکن لنا فی هذا ـ أعنی تصحیح ما یصحّ عن أصحاب الإجماع، و الإکتفاء بصحّة السند إلیهم، و عدم ملاحظة من بعدهم ـ کلام و إشکال و إن کان من المشهورات، فربّ مشهور لا أصل له، و لیس المقام مقام بسط الکلام فیه، و لعلّنا نشیر إلیه فی بعض المباحث الآتیة لمناسبات تأتی إن شاء اللّه.

ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، فی حدیث فی تفسیر آیة الوضوء، قال: (فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم یجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً، لأنّه قال: (بِوجُوهِکُمْ ) ثمّ وصل بها (وَ أَیْدِیکُمْ مِنْهُ )أی من ذلک التیمّم، لأنّه علم أنّ ذلک أجمع لم یجر على الوجه; لأنّه یعلق من ذلک الصعید ببعض الکفّ و لایعلق ببعضها، ثمّ قال: (مَایُرِیدُ اللَّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَج ) و الحرج: الضیق).(11)

و الإنصاف أنّه لایستفاد من الرّوایة أمر زائد على ما یستفاد من نفس الآیة الشریفة، و قد عرفت عند ذکر آیات الکتاب المستدلّ بها على القاعدة أنّ لنا فی دلالة هذه الآیة علیها تأمّلاً و إشکالاً; لأنّ الظاهر من مقابلة نفی إرادة الحرج بإثبات إرادة التّطهیر بقوله تعالى: (مَایُرِیدُ اللَّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَج وَلَکِنْ یُریدُ لِیُطَهَّرَکُمْ )أنّ المراد بالحرج هنا هو العمل الشاقّ الخالی عن فائدة مرغوبة، و إلاّ فمجرّد إرادة التطهیر من الوضوء و الغسل و التیمّم الّذی بدل عنهما لایرفع مشقّة الفعل لو کان شاقاً و حرجیّاً فی نفسه، فلا معنى لنفی إرادة الحرج و إثبات إرادة التطهیر، لأنّ حالها من حیث العسر و الضّیق و المشقة لا تتفاوت بإرادة غایة الطّهارة منها و عدمها.

ما رواه عبدالله بن جعفر الحمیری فی(قرب الأسناد) عن مسعدة بن صدقة قال:( حدثنی جعفر، عن أبیه، عن النبی صلی الله علیه و اله وسلم قال: ممّا أعطی الله أمّتی و فضّلهم علی سائر الأمم، أعطاهم ثلاث خصال لم یعطها ألاّ نبی(نبیا)، و ذلک أنّ الله تبارک و تعالی کان إذا بعث نبیآ قال له: إجتهد فی دینک و لا حرج علیک، و إنّ الله تبارک و تعالی أعطی ذلک امتی حیث یقول:(ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِیالدِّینِ مِنْ حَرَج ) یقول: من ضیّق. الحدیث(12).

و ظاهر هذا الحدیث أنّ رفع الحرج الّذی مَنَّ اللّه به على هذه الأمّة المرحومة کان فی الأمم الماضیّة خاصّ بالأنبیاء، و أنّ اللّه أعطى هذه الأمّة ما لم یعطها إلاّ الأنبیاء الماضین (صلوات اللّه علیهم) فلا ینافی ما دلَّ على اختصاص رفع الحرج بهذه الأمّة، فتأمّل.

ما رواه العلاّمة المجلسی قدّس سرّه من کتاب «عاصم بن حمید» عن محمد بن مسلم قال: (سألت أباجعفر(علیه السلام)عن قول اللّه عزّ و جلّ: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَ افْعَلُوا الخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونْ، وَ جَاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج ) فقال: فی الصّلاة و الزّکاة و الصّیام و الخیر أن تفعلوه).(13)

ذکره العلاّمة المجلسی فی باب «ما یمکن أن یستنبط من الآیات و الأخبار من متفرّقات أصول مسائل الفقه» و قال فی ذیله: الظاهر أنَّ الغرض تعمیم نفی الحرج.

و الظاهر أنَّ مراده: أنّ نفی الحرج لایختصّ بعبادة من العبادات، بل یشمل جمیعها، و جمیع الطاعات و الخیرات الّتی یفعلها الإنسان، فلم یجعل الشّارع فیها أمراً حرجیاً; فلو کان إطلاقه أدلة العبادات یشمل موارد الحرج لابدّ من تخصیصها بغیرها.

ما رواه الشّیخ بإسناده عن احمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی قال: (سألته عن الرّجل یأتی السوق فیشتری جبة فرا، لایدری أذکیّة هی أم غیر ذکیّة، أیصلّی فیها؟ فقال: نعم، لیس علیکم المسألة، إنّ أباجعفر(علیه السلام)کان یقول: إنّ الخوارج ضیّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدّین أوسع من ذلک).(14)

دلّ على أنّ الحکمة فی حلیة ما یشترى من سوق المسلمین هی التوسعة على الأمّة و رفع الضیق عنها; و قوله: (إنّ الدّین أوسع من ذلک) دلیل على عدم اختصاص هذا الحکم بهذا المورد، و أنّ الدّین وسیع فی جمیع نواحیه، و لیس فیه حکم حرجی، و التّضییق فیها إنّما ینشأ من الجهالة، کما نشأ للخوارج المتقشّفین الضّالین. و هذه الرّوایة و إن خلت عن عموم «نفی الحرج» بهذا العنوان، إلاّ أنّها مشتملة على معناه، و هو نفی الضیق و إثبات التوسعة فی أحکام الدّین، کما سیأتی شرحه فی باب معنى الحرج لغة و عرفاً.

10ـ ما رواه الصّدوق مرسلاً قال: (سئل علی(علیه السلام) أیتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمین أحبّ إلیک أو یتوضّأ من رکو أبیض مخمر؟ فقال: لا، بل من فضل وضوء جماعة المسلمین، فإنّ أحب دینکم إلى اللّه الحنیفیة السمحة السهلة).(15)

قال فی (المجمع): («الرکوة المخمر» أی المغطى)، و یستفاد من جوابه(علیه السلام)تفضیله الوضوء من فضل وضوء جماعة المسلمین على الوضوء من الإناء المغطّى، و استناده فی هذا الحکم إلى سهولة الشریعة دلیل على أنّ الأحکام الحرجیّة المعسورة لیست منها، و لا أقلّ من کونه مؤیّداً لسائر أخبار الباب.

11ـ ما رواه الطّبرسی فی الإحتجاج مرسلاً عن موسى بن جعفر عن أبیه عن آبائه عن علی(علیه السلام)فی حدیث طویل یذکر فیه مناقب رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) و ما سأل ربّه لیلة المعراج; و فیه أنّه(صلى الله علیه وآله) قال: (الّلهمّ إذا أعطیتنی ذلک ] یعنى به رفع المؤاخذة على الخطأ و النّسیان [فزدنی، فقال اللّه تعالى: سل; قال: (رَبَّنَا وَ لاَ تَحْمِلْ عَلَیْنآ إصْرَاً کَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنَا ) یعنی بالأصر الشدائد الّتی کانت على من کان من قبلنا; فأجابه اللّه إلى ذلک، فقال تبارک اسمه: قد رفعت عن أمّتک الآصار الّتی کانت على الأمم السّابقة، کنت لا أقبل صلاتهم إلاّ فی بقاع من الأرض معلومة، إخترتها لهم و إن بعدت، و قد جعلت الأرض کلّها لأمّتک مسجداً و طهوراً، فهذه من الآصار الّتی کانت على الأمم قبلک فرفعتها عن أمّتک; و کانت الأمم السّالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم(16) و قد جعلت الماء لأمتک طهوراً; فهذه من الآصار الّتی کانت علیهم فرفعتها عن أمّتک، ـ إلى أن قال: ـ و کانت الأمم السّالفة صلواتها مفروضة علیها فی ظلم اللّیل و أنصاف النّهار، و هی من الشّدائد الّتی کانت علیهم فرفعتها عن أمّتک، و فرضت علیهم صلاتهم فی أطراف اللّیل و النّهار، و فی أوقات نشاطهم...) و الحدیث طویل.

و رواه العلاّمة المجلسی (قدس سره) فی (بحار الأنوار) فی باب إحتجاجات أمیرالمؤمنین(علیه السلام).

و رواه أیضاً المحدّث النبیل السیّد هاشم البحرانی فی تفسیره المسمّى بالبرهان فی ذیل قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَیهِ مِنْ رَبِّهِ ) الآیة.

12ـ ما رواه علی بن إبراهیم فی تفسیره عن أبیه، عن إبن أبی عمیر، عن هشام، عن أبی عبداللّه(علیه السلام) فی تفسیر قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِینَآ... ) أنّ هذه الآیة مشافهة اللّه لنبیه(صلى الله علیه وآله)لیلة أُسری به إلى السّماء، قال النّبی صلى اللّه علیه و آله: لمّا انتهیت إلى محل سدرة المنتهى ـ إلى أن قال ـ فقلت: (رَبَّنَا لاَتُؤَاخِذْنَا إن نَسِینَا أَوْ اَخْطَأْنَا )فقال اللّه: لا أؤاخذک، فقلت: (رَبَّنَا وَ لاَتَحْمِلْ عَلَیْنَا إِصْراً کَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنَا )فقال اللّه: لا أحملک، فقلت: (رَبَّنَا وَ لاَتُحَمِّلْنَا مَا لاَطَاقَةَ لَنَا بِهْ وَاعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَومِ الْکَافِرِینَ )فقال اللّه: قد أعطیتک ذلک لک و لأمتک، فقال الصّادق(علیه السلام) ما وفد إلى اللّه تعالى أحدٌ أکرم من رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)حیث سأل لأمّته هذه الخصال.(17)

و فی معناها أو ما یقرب منها روایات أُخر واردة فی تفسیر الآیة الشریفة، من أرادها فلیراجعها.

13ـ ما رواه فی (أصول الکافی) بإسناده عن حمزة بن الطیّار، عن أبى عبداللّه(علیه السلام)قال: قال لی: أُکتب، فأملى علیَّ: إنّ من قولنا أنّ اللّه یحتج على العباد بما آتاهم و عرّفهم، ثمّ أرسل إلیهم رسولاً، و أنزل علیهم الکتاب، فأمر فیه و نهى، و أمر بالصّلاة و الصّیام، فنام رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) عن الصّلاة، فقال: أنّا أنیمک و أنا أوقظک، فإذا قمت فصلِّ لیعلموا إذا أصابهم ذلک کیف یصنعون; لیس کما یقولون: إذا نام عنها هلک; و کذلک الصّیام، أنا أمرضک و أنا أصحک، فإذا شفیتک فاقضه، ثمّ قال أبو عبداللّه: و کذلک إذا نظرت فی جمیع الأشیاء لم تجد أحداً فی ضیق ـ إلى أن قال ـ و قال: و ما أمروا إلاّ بدون سعتهم، و کلّ شیء أُمِرَ النّاس به فهم یسعون له، و کلّ شیء لایسعون له فهو موضوع عنهم، ولکنَّ النّاس لا خیر فیهم; ثمّ تلا (علیه السلام)(لَیْسَ عَلَى الْضُعَفَاءِ وَ لاَ عَلَى الْمَرْضَى وَ لاَ عَلَى الَّذِینَ لاَیَجِدُونَ مَا یُنْفِقُونَ حَرَج... )الحدیث(18).

و ظاهر بعض فقرات ذیل الحدیث و إن کان نفی التکلیف بما لا یطاق إلاّ أنّ ملاحظة مجموعها لاسیّما قوله، «لم تجد أحداً فی ضیق»، و استشهاده بالآیة الأخیرة، تشهد بأنّها ناظرة إلى نفی التّکالیف الحرجیّة أیضاً.

14ـ الرّوایة المشهورة المعروفة المرویّة عنه (صلّى اللّه علیه و آله): (بُعِثت بالحنیفیّة السمحة السهلة).

هذا ما ظفرنا علیه من الرّوایات الدالّة على هذه القاعدة الکلّیة، و فی دلالة بعضها کسند بعضها الآخر و إن کان هناک تأمّل أو إشکال، إلاّ أنّ فی مجموعها غنى و کفایة إن شاء اللّه.

و نحن و إن بذلنا الجهد فی الظّفر بهذه الرّوایات و تتبّع مظانّها و مواردها، إلاّ أنّ المتتبّع لعلّه یظفر بروایات أُخر غیرها تؤکّدها أو تؤیّدها. و فی الرّوایات الواردة فی الباب الأوّل من المجلّد الأوّل من الوسائل فی مقدّمة العبادات أیضاً روایات لا تخلو عن إشعار بها، یظهر لمن راجعها، ولکن هناک بعض الرّوایات تبدو فی أوّل النّظر أنّها تدلّ على المطلوب، ولکن عند التأمّل یظهر أنّها ناظرة إلى نفی التّکلیف بما لا یطاق الّذی هو خارج عن نطاق البحث، فکن على بصیرة منها.


1. الوسائل، ج 1، من أبواب الماء المطلق، الباب 9، ح 14.
2. الوسائل، ج 1، من أبواب الماء المضاف، الباب 9، ح 5.
3. الرکوة: ما یجعل تحت المعصرة فیجتمع فیه عصیر العنب، و التور: إناء صغیر.
4. الوسائل، ج 1، من أبواب الماء المطلق، الباب 8، ح 11.
5. بحار الأنوار، ج 1، ص 152.
6. راجع الباب 26 من أبواب الجنابة.
7. الوسائل، ج 1، من أبواب الماء المطلق، الباب 8، ح 5.
8. الوسائل، ج 1، من أبواب الوضوء، الباب 39، ح 5.
9. ذکره فی (الفرائد) فی باب حجیة ظواهر الکتاب.
10. الوسائل، ج 1، من أبواب الوضوء، الباب 38، ح 4.
11. الوسائل، ج، من أبواب التیمم، الباب 13، ح 1.
12. قرب الاسناد، ص 84.
13. بحار الأنوار، ج 1، ص 155.
14. الوسائل، ج 1، من أبواب النجاسات، الباب 50، ح 3.
15. الوسائل، ج 1، من أبواب الماء المضاف، الباب 8، ح 3.
16. الظاهر أنَّ الضمیر فی قوله «قرضوها» راجع إلى النّجاسة، یعنی قرضوا النّجاسة و آثارها، لا أنّهم کانوا یقرضون لحومهم; و قرضُ عین النّجاسة و آثارها عن أبدانهم لعلّه کان مثل حلق الشّعر عنها، و یشتمل على مشقّة کثیرة و إلاّ فوجوب قرض اللّحوم علیهم أمر بعید جداً، و ما ورد فی بعض الرّوایات من «أنّ بنی إسرائیل کانوا إذا أصابهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاریض» لعلّه سهو من الراوی عند النّقل بالمعنى، و المقروض کان عین النّجاسة و أثرها، فتأمّل.
17. تفسیر القمّی ج 1، ص 95، و رواها المحدث البحرانی(قدس سره) أیضاً فی تفسیره فی ذیل الآیة الشریفة.
18. أصول الکافی ج 1، ص 164 من الطبعة الأخیرة.
ما یدلّ علیها من الکتاب العزیزالمراد من العسر و الحرج و الإصر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma