إذا توضّأ ـ مثلا ـ تقیّةً فلا شک فی جواز الصلاة معه ما دامت أسبابها باقیة، و أما اذا زالت و انقضى مورد التقیة فهل تجوز الأعمال المشروطة بالوضوء؟ و إن شئت قلت: إنَّ الوضوء تقیّةً هل هو مبیح ما دامت عواملها، أو رافع للحدث بحیث لا یحتاج إلى إعادة الوضوء إلاّ إذا تجدّد شیء من الأحداث؟
و لا فرق فی ذلک بین العمل الذی توضّأ له و غیره، بعد فرض الکلام فی ارتفاع أسباب التقیة بقاء.
و کذلک الکلام فیما إذا أتى ببعض العقود أو الإیقاعات على وجه التقیّة، فهل یجوز ترتیب الأثر علیها بعد زوالها أم لا؟
و الفرق بین ما نحن فیه و بین العبادات التی یؤتى بها تقیّة التی قد عرفت إجزاءها عن المأمور به الواقعی ممّا لا یخفى; فإنَّ هذه أسباب شرعیة لها دوام بحسب الآثار التی تترتب علیها، بخلاف مثل الصوم و الصلاة و سائر العبادات.
و إذ قد عرفت ذلک فاعلم أنَّ مقتضى القاعدة الأوّلیة هو الفساد، و عدم ترتّب الأثر فی جمیع موارد التقیّة إلاّ ما خرج بالدلیل، و قد مرّت الإشارة إلیها فی المباحث السابقة.
فهل هناک دلیل على الصحة أم لا؟
قد یقال: نعم، و یستدل له تارةً بالأوامر الخاصّة و أخرى بالأوامر العامّة.
توضیح ذلک: أمّا الأوامر الخاصة الواردة فی موارد التقیّة کالأمر بالوضوء فربما یستفاد منها الصحة و عدم وجوب إعادته مطلقاً; و ذلک لأنَّ رفع الحدث من آثار امتثال الأمر بالوضوء من غیر مزید، و هو هنا موجود، و لذا کل مورد ورد فیه الأمر به کان رافعاً له، فهل تجد مورداً و حداً أُمر فیه بالوضوء و لا یکون رافعاً؟
و ما یترآى من کون الوضوء مبیحاً فی دائم الحدث لا رافعاً، مع ورود الأمر به، فإنّما هو من جهة دوام الحدث و تجدده، لا من حیث قصور الوضوء فی رفعه.
فتحصّل من ذلک أنَّ کل مورد ورد فیه أمر خاص ببعض الأسباب الشرعیة عند التقیّة، سواء کان من العبادات کالوضوء و الغسل، أو من العقود کالنکاح، أو من الإیقاعات کالطلاق، فامتثال هذا الامر دلیل على وجود المؤثرّ واقعاً، فیترتب علیه جمیع آثاره، و لو بعد زوال أسباب التقیّة.
و أمّا الأخبار العامّة الدالة على أنَّ التقیة جائزة فى کل ضرورة، و أنَّ التقیّة فی کل شیء إلاّ فی النبیذ و المسح على الخفین، ـ و قد مرّت فی محلها ـ فهی تدل على جوازها مطلقاً، و جواز کل شیء بحسبه; فجواز الوضوء رفعه للحدث، و جواز البیع صحته، و ترتّب الملک علیه، و جواز الطلاق تأثیره فی البینونة، و کذا غیرها.
هذا و لکن یمکن الخدشة فی الجمیع، أمّا الأخیر فلأنَّ ظاهر الأدلة العامة هو الجواز التکلیفی و نفی الحرمة، لا الجواز الوضعی، فالإستدلال بها على آثارها الوضعیة مشکل جداً.
و أمّا الأوامر الخاصة فالقول بانصرافها عمّا نحن فیه قوی جداً، و إن هی إلاّ کالأوامر الاضطراریة إذا زالت الأعذار، کالمتیمم بعدما وجد الماء.
هذا مضافاً إلى ما قد عرفت من أنَّ التقیة أمر عقلائی قبل أن تکون شرعیة، و لا شک أنَّ العقلاء لا یعاملون معاملة الصحة مع هذه الأسباب إلاّ عند بقاء عوامل التقیّة، و أمّا بعد ارتفاعها فیرجعون إلى أسبابها الواقعیة الاختیاریة.
و الحاصل أنَّ الحکم ببقاء الآثار بعد زوال التقیّة مشکلٌ جداً.