مقتضى ما عرفت من الدلیل فی هذا الباب أنّ التبعیّة إنّما هی تبعیّة ثبوتیة، لأنّ تقوّم العقد بالقصد والاعتبار إنّما هو بحسب نفس الأمر والواقع، وأمّا لو ادّعى البائع أو المشتری أو غیرهما أنّه قصد کذا وکذا، لا یقبل منهما إلاّ ما وافق ظاهر اللفظ، فلو کان ظاهر اللفظ أو صریحه، أو مقتضى إطلاقه بمقدمات الحکمة، أو ما ینصرف إلیه شیئاً، وادّعى أحدهما غیره، لا یقبل منه، لأنّ طریق الوصول إلى القصود فی مقام الإثبات إنّما هو ظواهر الألفاظ المعتبرة عند أهل العرف والعقلاء، التی أمضاها الشرع، فمن إدّعى خلافها فعلیه الإثبات وإقامة الدلیل، ولو لم یأتِ بشیء یؤخذ بظاهر لفظه، ویکون حجّة علیه شرعاً، فالطریق الوحید للوصول إلى المقاصد عند وقوع الخلاف فیها إنّما هو هذه الظواهر لا غیر.
نعم، إذا کان المعنى ممّا لا یعلم إلاّ من قبل القاصد له، فلا محیص عن قبول قوله، کما إذا کان وکیلاً عن شخصین فی بیع أو شراء أو نکاح أو إجارة أو غیرها، ثم أنشأ العقد على شیء فادّعى أنّه قصد هذا الموکلّ أو ذاک، فلا شک فی قبول قوله، لأنّه من قبیل ما لا یعلم إلاّ من قبله، فلا یعتنى بدعوى أحد الوکلین بأنّه کان مقصوداً بالمعاملة أو کان غیره مقصوداً، بل المدار على قول الوکیل.