قد ظهر ممّا ذکرنا أنّ العقود تتبع القصود فی تحقق موضوعها، لا فی أصل العقد فقط، بل فی جمیع أرکانها، وشرائطها، وخصوصیاتها، فالبیع یتبع القصد فی أصله، وفی المتعاقدین، والثمن والمثمن، وما یتبعها من الشروط، وکما أنّ وقوع عقد بعنوان البیع أو الهبة یتبع القصد، فکذلک وقوعه لزید أو لعمرو، وعلى هذه العین أو تلک العین، ومع هذا الشرط أو غیرها، من الشرائط کلّها تتبع القصود لعین ما مرّ من الدلیل.
ولکن إذا تحقق الموضوع تترتب أحکامه علیه سواء قصدها، أم لم یقصدها مثل حکم الشارع بخیار المجلس، والعیب، والحیوان، وغیرها، وکذلک حکمه بلزوم الأرش فی بعض الموارد، وکون ضمان المثمن على البائع قبل إقباضه وغیر ذلک من الأحکام لا ترتب على قصد المتبایعین لها، بل لو کانوا جاهلین بهذه الأحکام أو عالمین بخلافها تترتب علیها بلا ریب.
وکذلک إذا لم یعلم الزوج أحکام النفقة، والزوجة مثلاً بعدم جواز خروجها عن بیتها من دون إذن زوجها، وکذا أحکام الإرث وغیرها لزمهما هذه الأحکام من دون حاجة إلى قصدها.
والسرّ فی جمیع ذلک أنّ الحاجة إلى القصد إنّما هو فی قوام العقد وتحققه، وأمّا الأحکام فهی أمور أخرى ترتبط بالشارع وإرادته، ولا دخل لقصد العاقد فیها أبداً، والأمر واضح.