القواعد الفقهیّة هی من أهم الأمور التی یجب على الفقیه معرفتها، ومعرفة مواردها، وشرائطها، وما یُستثنى منها، وذلک لاستناء کثیر من المسائل الفقهیّة علیها، بحیث لا یمکن الجزم بالحکم الفقهی غالباً بدون ذلک.
وکیف یتسنّى للفقیه البحث عن کثیر من مسائل الفقه فی أبواب العبادات والمعاملات مع عدم احاطته بموارد جریان قاعدة «لا حرج»، و«الصحة»، و«ضمان الید»، و«لا ضرر»، و«عدم ضمان الأمین»، وقاعدة «السبق» و«الالزام».. وغیرها، وعدم قدرته على التفریق بین، مواردها وموقفها من سائر الأدلة من الأمارات والاُصول.
ولکن، رغم هذه الأهمیّة لم یُبحث عنها إلاّ نادراً وتباعاً، مع أنّها تحتاج إلى أبحاث مستقلة وشاملة ومستوفیة.
والسبب فی ذلک أنّها لا تندرج فی الحقیقة لا فی مسائل اُصول الفقه، ولا فی مسائل الفقه نفسه، إذ لیس لها فی مسائل هذین العلمین مجال إلاّ تبعاً لبعض مسائلهما، أو ما یکون بحثاً استطرادیّاً غیر جامع، ولا مستوعب لجمیع ما یُراد منها.
وما یبدو من بحث بعضها مؤخراً فی بعض الکتب الأُصولیّة أو الفقهیّة بأنّه شامل ومستوف مثل قاعدة «لا ضرر»، أو قاعدة «ما لا یُضمن بصحیحه لا یُضمن بفاسده»، وقواعد طفیفة أخرى لا یوجب أداء حقّها جمیعاً مع ما فیها أیضاً من نقائص ظاهرة.
وکم من مسألة اشتبه حکمها على بعض الأکابر من جرّاء عدم تنقیح هذه القواعد، وسیمرّ علیک کثیر منها بین طیّات هذا الکتاب.
إذن، فالواجب علینا الاهتمام بشأنها، وأداء حقّها، وتدوین علم مستقل لها، وإن أهملها المتقدّمون (رضوان الله تعالى علیهم) وکم ترک الأولون للآخرین.
