قد عرفت أنّ العمدة فی قاعدة تبعیّة العقود للقصود إنّما هو من ناحیة تقوّمها بالاعتبار والانشاء والقصد، ومن الواضح أنّ قوامها بها إنّما هو فی حدوثها، فإذا تحقق الإنشاء والاعتبار، وأصبح العقد جدّیاً بخصوصیاته فی عالم الاعتبار، فکان له وجود اعتباری فی هذا الوعاء، کوجود الأشیاء الخارجیة بعد تحققها.
ولکن بینهما فرق ظاهر، فإنّ الأشیاء فی عالم التکوین کما تحتاج إلى خالقها وباریها حدوثاً، تحتاج إلیه بقاءاً، على ما هو التحقیق فی محلّه من حاجة الممکن إلى الواجب فی جمیع مراحل وجوده، وفی جمیع، مراتب عمره، لأنّها بذاتها وجودات ربطیة ومتعلقة بذاته تعالى، فلو انقطع فیض الوجود فیها آناً ما انعدمت بأجمعها، ولکنّ الأمور الاعتباریة إذا حدثت من ناحیة المتعاقدین، فهی غیر محتاجة إلیهما فی بقائها، بل لو قصدا الخلاف بقاءاً لم یؤثّر شیئاً إلاّ فی موارد لهما حق الفسخ والخیار.
وإن شئت قلت: إنّ حدوثها بید المتعاقدین وبقائها إنّما هو باعتبار العقلاء، فإنّهم یعتبرون بقاءها وإن قصدا المتعاقدان خلافه، وهذا أیضاً ممّا لا یحتاج إلى مزید بحث.