القاعدة الفقهیّة، على ما یُستفاد من استقراء کلمات الأصحاب (قدّس الله أسرارهم) هی ما اشتملت على حکم فقهی عام لا یختصّ بباب معیّن من الفقه، بل یشمل أبواب الفقه کلّها، أو کثیراً من مسائلها المبحوثة فی «کتب فقهیّة متعدّدة»، أو مسائل کثیرة من «کتاب واحد».

فالأوّل: کقاعدة «حجیّة البیّنة»، أو «خبر الواحد» فی الموضوعات، فإنّها تعمّ جمیع أبواب الفقه لعموم موضوعها، فهی تجری فی جمیع أبواب العبادات والمعاملات.

فلیست الحجیّة هنا لیست کالحجیّة فی الأدلّة الأربعة ممّا تقع فی طریق الاستنباط، بل الحجیّة بنفسها حکم فقهی، لأنّها تتعلق بموضوع کذلک، فإذا أخبرتِ البیّنة عن طهارة شیء، أو رؤیة الهلال، أو غیر ذلک، فانّ معنى ذلک جواز استعمالها فی الصلاة، أو وجوب الصوم، أو الافطار، إذ هی مشتملة على حکم عامّ متعلّق بإثبات الموضوعات فی جمیع کتب الفقه.

والثانی: مثل قاعدة «أصالة اللّزوم» فی المعاملات، أو قاعدة «ضمان الید»، فإنّها تجری فی أبواب المعاملات فقط.

والثالث: کقاعدة «لا تُعاد»، أو قاعدة «الطهارة»، أو قاعدة «البیّنة على المدّعی والیمین على من أنکر»، الجاریة فی أبواب الصلاة، أو الطهارة، أو القضاء، لکنّها مع ذلک لا تختص بباب خاصّ من هذه الکتب الثلاثة.

فحینئذ تختلف القاعدة الفقهیّة عن المسائل الاُصولیّة بأنّ الثانیة لا تشتمل على حکم شرعی فرعی تکلیفی أو وضعی، بل تقع فی طریق استنباط الأحکام بینما تشتمل القواعد الفقهیّة على أحکام کلیّة عامّة إثباتاً، أو نفیاً کما فی «لا حرج» و«لا ضرر» على المشهور.

کما أنّها تختلف عن المسائل الفقهیّة فی اشتمالها على أحکام جزئیة کطهارة ماء البئر، ونجاسة الدم، وجواز عقد المعاطاة، وحرمة الخمر، وغیرها من الاُمور المشابهة.

ولأجل هذه الخصوصیة لا یمکن إعطاء نتیجة القواعد الفقهیّة بأیدی المقلّدین، فإنّها تنفع الفقیه وحسب، بینما تقع المسائل الفقهیّة فی معرض فائدة العموم.

وبالجملة فإنّ القواعد الفقهیّة تشتمل على أمرین:

1 ـ إثبات حکم شرعی فرعی تکلیفی، أو وضعی عامّ، أو نفیه.

2 ـ اطّرادها فی جمیع أبواب الفقه، أو أبواب متعددة من کتب فقهیّة مختلفة، أو کتاب واحد مثل القضاء، أو الصلاة أو غیرهما.

ومن هنا یظهر الوجه فیما ذکرنا من کونها ممتازة عن المسائل الأصولیّة والفقهیّة، وأنّها موضوع علم مستقل.