قد عرفت أنّ مدلول الأدلّة لزوم البیّنة على المدّعی أیّ شخص کان، والیمین على من ادّعی علیه کذلک، ولم یرد فی شیء من الأدلّة اعتبار وجود الخلطة بینهما حتى تحتاج فی إقامة الدعوى إلى استفسار حالهما وأنّه هل یکون بینهما خلطة أم لا؟
وخالف فی ذلک بعض فقهاء المالکیة، وهو شاذ ضعیف، یردّه إجماع أهل العلم وتضافر الروایات على عدم هذا القید بحکم الإطلاق فیها.
ولنعم ما قال الشهید(رحمه الله) فی «القواعد والفوائد» حیث قال: «کلّ من ادّعی على غیره سمعت دعواه، وطولب بالیمین مع عدم البیّنة، سواء علم بینهما خلطة أم لا؟ لعموم قوله(علیه السلام): «البیّنة على المدّعی والیمین على من أنکر». وقوله(علیه السلام): «شاهداک أو یمینه»، ولإمکان ثبت الحقوق بدون الخلطة، فاشتراطها یردّ إلى ضیاعها، لأنّها واقعة وتعمّ بها البلوى، فلو کانت الخلطة شرطاً لعلمت ونُقلت» (انتهى)(1).
واحتج مشترط الخلطة(2) بأدلّة ضعیفة جدّاً.
منها: إیراد الحدیث المعروف هکذا، «البیّنة على المدّعی والیمین على من أنکر إذا کان بینهما خلطة»!
وفیه: أنّ هذا حدیث شاذ، مخالف لما رواه المحدّثون من الخاصّة والعامّة فی کتبهم، وقد عرفت إیراد الحدیث بطرق متواترة أو کالمتواترة لیس فی شیء منها هذا القید، ولو کان لبان، وظهر ظهوراً تاماً لکثرة الإبتلاء به.
واستدلوا أیضاً بأنّه لولا هذا الشرط لأجترأ السفهاء على ذوی المرّوات، فادّعوا علیهم بدعاوی فاضحات فانّ أجابوا افتضحوا، وإن صالحوا على مال ذهب مالهم.
وهذا أضعف من سابقه، فإنّه معارض بأنّه لو اشترط الخلطة لضاعت حقوق کثیرة لأنّه کثیراً ما تکون الحقوق فی غیر ذوی الخلطة.
هذا، مضافاً إلى ما نرى فی الخارج من العمل بالروایات المعروفة مع عدم وجود ما ذکره من المحذور، ولو فرض وقوع ذلک نادراً لا یکون مانعاً عن الأخذ بالقواعد الکلّیة، فکم من قاعدة کلّیة یرد علیها مثل هذه النقوض فی موارد جزئیّة.
وبالجملة هذا الشرط ضعیف فی الغایة، ولذا لجأ بعضهم باستثناء اعتبار الخلطة فی مواضع مثل الصانع، والمتهم بالسرقة، والودیعة، والعاریة، وغیر ذلک.