ما هی النسبة بین الغصب والإتلاف؟
قد یقال ـ کما عن بعض ـ أنّها عموم من وجه، ولکن الإنصاف أنّ الغصب والإتلاف مفهومان مختلفان لا یصدق واحد منهما على الآخر، بأی معنى عرف فیه الغصب، سواء ما عن أهل اللغة فی تفسیره، مثل ما عن الصحاح أنّه أخذ الشیء ظلماً، وما عن النهایة أنّه أخذ مال الغیر ظلماً وعدواناً، وما عن بعض الشافعیة زیادة جهاراً، لتخرج السرقة ونحوهما، وفی الشرایع والقواعد وغیرهما أنّه الإستقلال باثبات الید على مال الغیر عدواناً (ذکروه فی کتاب الغصب).
وقریب منه ما عن بعض آخر أنّه الاستیلاء على مال الغیر بغیر حق.
ومن المعلوم أنّ جمیع ذلک مباین للإتلاف، فإنّ أخذ الشیء عدواناً، أو جهاراً، أو الاستقلال باثبات الید على مال الغیر، أو شبه ذلک، قد یکون من مقدمات الإتلاف وقد لا یکون، وکیف کان فهو لیس بإتلاف، فرّب شیء یستولی الإنسان علیه عدواناً ولا یتلفه، وبالعکس ربّ شیء یتلفه الإنسان ولا یستولی علیه، کما فی من ألقى حجراً من خارج الدار فکسر بعض ما فیها.
نعم، الغصب ملازم فی الغالب لإتلاف المنافع، فإنّ من استولى على شیء استولى على منافعه، أو تلفت المنافع تحت یده بغیر استیفاء، فغصبه ملازم لاتلاف بعض المنافع، ولکن مع ذلک قد ینفکّ منه، کما إذا أخذ بزمام الدابّة أو استولى على السیّارة، وکان سائقها، ولکن مالکها قد استوفی منافعه فی تلک الحالة بالرکوب علیها.
وبالجملة، لا تلازم بین «الغصب» و«الإتلاف»، بل لکلّ منها مفهوم مستقل.
ولکنّ العمدة أنّه لیس عنوان الغصب مأخوذاً فی لسان أدلّة الأحکام، إلاّ نادراً مثل «الغاصب یؤخذ بأشقّ الأحوال»، مع ما فیه أیضاً من الکلام، کما أنّ الإتلاف أیضاً کذلک، لما عرفت من أنّ قاعدة «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن» مصطادة ممّا ورد فی موارد مختلفة لا بهذا اللفظ، بل بما یکون من مصادیقه أو یوافقه معنى، فلا یهمّنا البحث لا عن لفظة «الغصب»، ولا عن لفظة «الإتلاف» بعد عدم الإعتماد علیهما فی لسان أدلّة الشرع.
