یبقى الکلام فی النسبة بین هذه القاعدة وما دلّ على وجوب الزکاة، والخمس فی أموال النّاس وما دلّ على أنّ للمیّت حقّ فی ثلث ماله إذا أوصى به، وکذا ما دلّ على حجر المفلّس بحکم الحاکم، وغیر ذلک من أشباهها.
لا ینبغی الشک فی ورود بعض ما ذکر على قاعدة التسلّط، فانّ ما یدلّ على تشریک الله ورسوله وذوی الحقوق الآخرین فی أموال الناس ینفی مکلیة المالک بالنسبة إلى هذا المقدار، وإذا انتفت الملکیّة انتفت السلطنة، وقال الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ...)(1).
وقال: (وَفِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالَْمحْرُومِ)(2) بناءاً على کونه ناظراً إلى الحقوق الواجبة.
وکذا ما دلّ على أنّ الله عزّوجلّ فرض للفقراء فی أموال الأغنیاء ما یسعهم، ولو علم أنّ ذلک لا یسعهم لزادهم...» و«لو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم لکانوا عایشین بخیر»(3).
فإنّ ظاهره أنّ الزکاة لیست واجباً تکلیفیاً فقط، بل هو حکم وضعی، وحقّ للفقراء فی أموال الأغنیاء، فقوله تعالى: (خذ من أموالهم...) وإن کان ظاهراً فی أنّ المال لهم، ولکن کونهم مالکین إنّما هو بحسب الظاهر وقبل فرض الزکاة، لا أقول أنّهم شرکاء على نحو الإشاعة، بل أقول أنّ لأرباب الزکاة حقّاً وضعیّاً فیها، وقد أوضحنا حال هذا الحق وآثاره فی أبواب الزکاة، وأنّه حق لا کسائر الحقوق، له أحکام خاصّة، واخترنا هذا القول من بین الأقوال الثمانیة الموجودة فی المسألة فی کیفیة تعلّق حقّ الفقراء بأموال الأغنیاء.
أمّا إذا لم یکن من هذا القبیل فلا شکّ أنّ أدلة تعلّق هذه الواجبات المالیّة حاکمة على قاعدة التسلّط لأنّها ناظرة إلیه، فلا یبقى شکّ فی تخصیصها بها، ولو لم تکن النسبة بینهما عموماً وخصوصاً مطلقاً.
إلى هنا تمّ الکلام فی «قاعدة التسلّط» ویتلوه الکلام إن شاء الله فی قاعدة «حجیّة البیّنة».
1. سورة الانفال، الآیة 41.
2. سورة الذاریات،الآیة 19.
3. الوسائل، ج6، أبواب الزکاة، الباب 1، ح 2.
