قد عرفت أنّ الحیازة أمر عقلائی قبل أن تکون شرعیاً، وقد أمضاها الشارع المقدّس، فلابدّ من أخذ معیارها من بناء العرف والعقلاء، وهذا یختلف باختلاف الموارد، ففی مثل الأرض الزراعیّة تعتبر حیازتها إحیاها للزراعة، بالتقاط أحجارها، ولکن الظاهر أنّه لیس شیء ممّا مرّ من الأمور التوقیفیّة تطلب من خلال الإجماع وأمثاله، بل الظاهر أنّهم اعتمدوا فی هذه الأمور على صدق الحیازة والإستیلاء علیها عرفاً.
وأمّا بالنسبة إلى الحیوان فحیازته أخذه أو صیده، بحیث لا یقدر على الفرار، ولو لم یأخذه بعد، فلو أنّ صیاداً رمى طائراً، أو حیواناً من حیوانات البرّ فجرحه بحیث لم یقدر على الفرار کان فی حیازته، ولا یجوز لمن وجده أخذه، بل علیه تسلیمه للصیاد لو أخذه، وقد عرفت ما ورد فی بعض الرّوایات من أنّ «للعین ما رأت وللید ما أخذت».
وأمّا بالنسبة إلى السمک ونحوه من صید البحر، فیکفی وقوعه فی الشبکة، لصدق الحیازة علیه عرفاً، وإن لم یرد هذا العنوان فی روایات الباب، ولکن قد عرفت أنّه مصطاد من مجموعها، فما دام السمک فی الشبکة لا یجوز أخذه، نعم لو فرّ منها عاد إلى المباحات الأصلیّة، ویجوز لکل أحد صیده.
وبالنسبة إلى اللؤلؤة یکفی أخذها بعد الغوص، أو ربطها بشیء فی قعر البحر لإخراجها منه، أو جعلها فی محفظة متّصلة بحبل معدّ لإخراجها وإن لم تخرج بعد.
وفی الماء أخذه من النهر أو البحر، أو إخراجه منه بالمکائن إلى المخازن، أو الأنّهار، فانّ ذلک کاف عند أهل العرف والعقلاء فی الحیازة، وفی الطّاقة الکهربائیة المأخوذة من الماء یکفی نصب المکائن عند الأنّهار الّتی تنزل من فوق، ولا یجوز لغیره مزاحمته فیه بعد سیطرته على المحل والموقف.
وبالجملة، الحیازة فی کلّ مورد بحسبه ، وربّ شیء یکون مصداقاً لها فی مورد ولا یکون مصداقاً لها فی مورد آخر، ولها تفاصیل مذکورة فی کتاب إحیاء الموات، وکتاب اللقطة، والصید، وهی وإن لم تکن بهذا العنوان لکن یستفاد منها ما یتعلّق بالمقام، والغرض هنا الإشارة إلى القواعد الکلیّة، وأمّا خصوصیاتها فتُطلب من مظانها.
قال فی الجواهر: «إنّ الإصطیاد یتحقق بأمرین: أحدهما: إزهاقه بالآلة... والثانی: إثباته کما إذا صیّده الرامی غیر ممتنع، بأن یجرحه جراحة مزهقة، أو یرمیه بما یثخنه، أو یزمنه، أو یکسر جناحه، بحیث یعجز عن الطیران والعدو جمیاً، أو بأن یقع فی شبکته المنصوبة له ولو بأن طرده طارد حتى أوقعه فیها، أو یرسل علیه کلباً أو غیره ممّا له ید علیه، فیثبته بعقر أو غیره، أو بأن یلجأه إلى مضیق لا یقدر على الإفلات منه، کما لو أدخله إلى بیت ونحوه، وغیر ذلک ممّا یحصل به الاستیلاء، على وجه یصدق علیه أنّه فی حوزته، وقبضته، وتحت یده، فمتى کان کذلک ملکه، وإن لم یقبضه القبض الحسّی، وحینئذ فلو أخذه غیره لم یملکه... ووجب دفعه إلى الأول الذی هو مالکه بالسبب الذی عرفت»(1).
ونظیر ذلک من بعض الجهات ما ذکره الشهید الثانی(رحمه الله) فی «المسالک» فی کتاب الصید(2).
1. الجواهر، ج 36، کتاب الصید والذباحة، ص 78 ـ 79
2. المسالک، ج 11، ص 449.
